أبو عمّار وأبو رامي في فريق، وأبو مازن وأبو فادي في فريق آخر. لو كان الأمر لعبة كرة طائرة على رمل البحر بين فريقين لهان الأمر، غير ان هذين الفريقين يتعاملان، ولن أقول يلعبان، بالقضية الفلسطينية كلها، وبدرب الآلام والدماء والدموع، الذي هبط بالفلسطينيين الى هذا الدرك. في المواجهة القائمة أبرئ أبو مازن ومحمد دحلان وجبريل رجوب من المسؤولية وأحملها أبو عمار وحده، فهو عارض تكليف أبو مازن تشكيل حكومة فلسطينية، ونصب لها الكمائن على الطريق، ولا يزال يحاول تدميرها من دون ان يكون في يده أي بديل على الاطلاق، غير نفسه، ويرفض ان يعترف بأنه مرفوض في المعادلة الحالية ولا دور له. أبو عمار عيّن الأخ جبريل مستشاراً له للأمن القومي، وهو يعرف ان هناك خلافاً شخصياً قديماً مستمراً بينه وبين محمد دحلان. ثم ان التعيين مستغرب لأن أبو عمار نفسه "اعتدى" على جبريل رجوب باخراجه من رئاسة الأمن الوقائي في الضفة الغربية عندما اعتقد انه ينافسه على السلطة. أما وقد أصبحت المنافسة تأتي من الثنائي عباس - دحلان، فهو أعاد جبريل رجوب الى مركز قيادي أملاً بأن يقف في وجه الآخرين. هذه ليست سياسة وإنما لعب بالنار، فيما القضية الفلسطينية تذبح من الوريد الى الوريد على أيدي عصابة آرييل شارون وبمساعدة أميركية. لن أزيد شيئاً عن الرئيس عرفات لأن الكل يهاجمه، ولكن سجلت ما أعرف انه حقائق فلسطينية مطلقة لأنني لم استطع تجاوزها، ثم توقفت لأن أمثال مجرم الحرب شاؤول موفاز يهاجمون الرئيس عرفات وأرفض ان اتفق معهم على شيء. أقول ان محمد دحلان وجبريل رجوب صديقان لي، ولا مشكلة لي مع أي منهما، وأعرف مدى الخلاف الشخصي بينهما، وأرجو الاّ يستغل لتدمير ما بقي من القضية التي عملا لها، وسجنا وضحّيا العمر كلّه. اتّصلت هاتفياً بالأخ أبو رامي لأسأله عن الوضع وعن وضعه الشخصي، وهو قال ان أبو عمار اتصل به، وهو جزء من الواقع الفلسطيني ولا يهرب من المسؤولية، وقد وضع شروطاً للتعاون وافق عليها أبو عمار منها الاستحقاقات المعروفة، وألا يدخل، أو يحشر، في معركة مع أبو مازن، وأن يكون الرئيس مستعداً لتنظيف الأجهزة الأمنية واعادة صياغتها على أساس مقاييس موضوعية. وهو أكد لي انه "اذا لم أكن عاملاً ايجابياً فلن أكون"، وأعترف بأن عنده مشكلة في التعامل مع محمد دحلان، الا انه لا يفرض فيتو عليه أو على غيره. قال الأخ جبريل: "خذها في كلمة شرف، أنا أحترم نفسي وأعرف حدود العمل، وإن كانت بيني وبين محمد دحلان مشكلة فأنا لن ألغي نفسي من أجله، والمهم هو القضية...". وهو يرى ان أبو مازن طيّب وصادق ومنصف وشريف هذه كلماته وأن مشكلة محمد دحلان مع "فتح" وليست معه. جبريل رجوب رجا ان تؤدي واسطة أبو العلاء بين أبو عمار وأبو مازن الى نتيجة، الا انه لم يكن متفائلاً، وعندما هاتفت أبو مازن بدا أقل تفاؤلاً، فهو قال ان وساطة أبو العلاء القديمة قبل 18 شهراً لم تفعل شيئاً والآن عاد الحديث عن لجنة، قال انه يرفضها لأنها لا تنفع. وقلت لرئيس الوزراء الفلسطيني انني أرجو الاّ يتدهور الوضع مع أبو عمار الى عملية "عضّ أصابع" وردّ قائلاً: "أترك الأمر للمجلس التشريعي اليوم، وأتمنى الخلاص، اذا حجب الثقة، وأكون شاكراً". أبو مازن لم يكن مرتاحاً أيضاً للتأييد الأميركي السافر له، وقلت له ان مثل هذا التأييد غبي ومن نوع "قبلة الموت"، وهو قال انهم أساؤوا إليه إساءة بالغة في الشارع الفلسطيني بكثرة المديح، وكشف انه طلب منهم الكفّ عن ذلك، لأن "من الحب ما قتل" على حدّ قوله. وجدت أبو مازن "على سلاحه" كذلك بالنسبة الى "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وهو قال ان الهدنة "كانت لمصلحة القضية ومصلحتهم ومصلحة الجميع، فجاءت العملية الانتحارية في القدس ودمرت كل ما بيننا". سألته ما الحل؟ وقال ان الحل عندهم، ويقصد فصائل المقاومة الإسلامية، فهم سدّوا الباب وعليهم فتحه. أما المستقبل فقال رداً على سؤال انه لا يعرف ما يخبئ. ذكّرني أبو مازن بأن العملية الانتحارية أحبطت اتفاقاً مع الاسرائىليين للانسحاب من أربع مدن فلسطينية أخرى، وللتوقف عن مطاردة المطلوبين، وهذا ما كان سيفيد الفصائل الإسلامية قبل غيرها. وأضاف ان النتيجة هي ان الاسرائىليين يقتلون منهم كل يوم اثنين أو ثلاثة، وقد قتل "الرجل الطيب، الأمير، اسماعيل أبو شنب"، والعالم الخارجي لا يسأل، وموازين القوى ضد الفلسطينيين. وتمنّى أبو مازن الا ترد "حماس" و"الجهاد" على الهجمات الاسرائىلية لأنه "هناك ستكون الطامة الكبرى". وجدت ان "الايجابية" الوحيدة في حديثي مع رئيس الوزراء، هي في كلامه عن جبريل رجوب، فهو قال انه يرحب به في أي منصب يعينه فيه أبو عمار، وأضاف، ان الرجل يستأهل الخير ويتمنى له النجاح، ولا مشكلة له معه. مع ذلك هناك مشاكل أخرى، وكل واحدة أكبر من سابقتها، مشكلة أبو عمار ورجوب مع أبو مازن ودحلان، ومشكلة موقف الفصائل الإسلامية، ف"حماس" سترد على اغتيال المهندس أبو شنب، ومشكلة استمرار الجرائم الاسرائىلية ما يجعل من المستحيل على المقاومة ان تسكت عن اغتيال رجالها، ومشكلة التخاذل الأميركي أو الغياب، والسكوت على جرائم اسرائيل، ومشكلة العجز العربي الى درجة الشلل. غير انني وقد رسمت صورة سوداء للوضع اختتم بشيء أفضل هو ان المصريين نشطون جداً لاعادة الهدوء، وقد استقبلوا في الأيام الأخيرة ممثلين عن الفصائل المعنية كافة، كما أنهم على اتصال بالأميركيين والاسرائىليين فلعلهم يستطيعون اجتراح معجزة، بعد ان مضى زمن المعجزات.