متى تضرب اسرائيل ضربتها المقبلة ضد قيادي من حماس؟ بعض الأصدقاء من المسؤولين الفلسطينيين يفهمون الوضع على انه حرب بين اسرائيل وحماس، مع تأييد الولاياتالمتحدة الإجراءات الإسرائيلية وتقديم المساعدة الى اسرائيل. كنت حدثت مسؤولين فلسطينيين في الأراضي الفلسطينية والخارج، لأفهم الوضع على حقيقته، ووجدت ان بعضهم يقول ان اغتيال المهندس اسماعيل ابو شنب بداية تفجر الوضع لا نهايته، فالحكومة الإسرائيلية الأمنية اخذت قراراً باغتيال قادة حماس كلهم، لا فارق في ذلك بين سياسي وميداني. والقرار يترك للأجهزة الأمنية التنفيذ من دون عودة الى الحكومة الأمنية، ما يعني إطلاق يدي هذه الأجهزة في الداخل والخارج. كانت هناك خروقات اسرائيلية فعلاً، وقد سمعت الأخوان في حماس يقولون انها تجاوزت 500 خرق في 50 يوماً. وكانت هناك خروقات فلسطينية مقابلة، مثل حمل السلاح الظاهر وإطلاق صواريخ بدائية على المستوطنات، إلا ان العملية الانتحارية في القدس تجاوزت كل الخطوط الحمر، وجعلت اسرائيل تأخذ قرارها باغتيال كل قائد من حماس تستطيع اغتياله. ويقول بعض الأصدقاء من المسؤولين ان كل موت مأساة، ولكن موت محازب في عملية انتحارية قد يتبعه انضمام عشرة آخرين الى الفصيل، اما اغتيال القادة فسيعني خلق فراغ، لأن ايجاد بديل من مستوى القيادة ليس متوافراً بالسهولة نفسها. قلت انني سمعت قادة المقاومة الإسلامية يسألون: هل نظل مكتوفي الأيدي، ونحن نُقتَل واحداً بعد الآخر في الشارع، او في بيوتنا مع اهلنا، وسمعت ابو مازن يسألني ما هو البديل للمفاوضات، وهل هناك خيار آخر غير "خريطة الطريق". وكنت اجد ان قادة المقاومة معهم حق، وأن أبو مازن معه حق ايضاً. سألني مسؤول صديق اثق بعقله رداً على كلامي السابق: هل نضحي بأرواح الشهداء لتحقيق انجاز او للانتقام؟ المطلوب تحقيق انجازات للشعب الفلسطيني، لا الثأر او الانتقام، في حلقة من العنف ضحيتها الشعب الفلسطيني، وسألني: هل السلاح أداة لتحقيق هدف او غاية بذاتها؟ وهو قال انه اذا كان اداة فيجب ألا نخجل من تغيير الأدوات. هذا المسؤول قال ان عملية القدس احبطت عرضاً اسرائيلياً مهماً في الاجتماع الأخير بين شاؤول موفاز ومحمد دحلان، فالإسرائيليون عرضوا الانسحاب من اربع مدن بينها رام الله، وأن يكون الانسحاب من مناطق المدن، اي ليس على طريق بيت لحم، والتوقف عن مطاردة المطلوبين بتحويل امرهم الى الحكومة الفلسطينية، وزيادة اذون العمل والرخص الممنوحة لرجال الأعمال والتجار الفلسطينيين. اليوم لم يعد يكفي ان تعود الهدنة، وإنما يجب اضافة شروط إليها، إذا كان لها ان تستمر، منها ان يكون السلاح الفلسطيني بيد واحدة، كما في اي بلد آخر في العالم. الوضع الآن هو ان محمد دحلان، وزير الدولة لشؤون الأمن مسؤول عن الشرطة والأمن الوقائي والأمن الجنائي والمطافئ والهجرة والجوازات، في حين يسيطر الرئيس ياسر عرفات على قوات الأمن الوطني والاستخبارات العامة، او حوالى 60 في المئة من جميع اجهزة الأمن الفلسطينية. وعندما طُلب من ابو عمار المساعدة رد بقلب الطاولة على الآخرين في احدى مناوراته المعروفة، فهو اقترح تعيين نصر يوسف مسؤولاً عن جميع اجهزة الأمن بصفته وزير الداخلية، إلا ان الاقتراح هذا لن يمر، وقد ظهرت فوراً صعوبات اهمها معارضة ابو مازن ومحمد دحلان. وسمعت ان هناك فكرة انكليزية، فيصبح محمد دحلان وزير دولة مسؤولاً عن الأمن الداخلي، ونصر يوسف وزير دولة مسؤولاً عن الأمن الخارجي. غير ان صعوبات تعترض هذه القسمة ايضاً، وأبو عمار يعتقد بسبب التطورات الأخيرة ان دوره عاد مع إدراك الأميركيين ان وقف المقاومة المسلحة غير ممكن من دون مساعدته. مع ان الأرجح ان اسرائيل قد تتخذ قراراً ضده، وتتحمل غضب الأميركيين اياماً، لأن آرييل شارون مقتنع بأنه يستطيع في النهاية فرض رأيه على إدارة بوش. في مثل هذا الوضع هناك ثلاثة خيارات امام ابو مازن، فإما ان يستقيل، أو يدخل حرباً مع اسرائيل، او يدخل حرباً مع حماس. ومشكلة رئيس الوزراء الفلسطيني انه حاول تحقيق تفاهم مشترك مع جميع الأطراف، وعندما سقط التفاهم اصبح ضحية مشتركة للجميع، ومن دون تقدير الى مدى مقاومته الضغوط الأميركية لضرب المقاومة الإسلامية، فهو قال للأميركيين انه مستعد لتنفيذ كل المطلوب، ولكن لن يصبح طرفاً في حرب اهلية فلسطينية، وهذا موقف محمد دحلان ايضاً. وقال مسؤول كبير في حديث هاتفي ان كل استطلاع في اسرائيل والأراضي الفلسطينية يظهر ان غالبية من الإسرائيليين وغالبية من الفلسطينيين تريد الهدنة والسلام بعدها. ويبدو ان شارون وحماس فقط لا يريدان الهدنة. ويلاحظ هذا المسؤول ان حماس احتضنت عملية القدس، إلا انه يعتقد انها جرت من دون تخطيط من القيادة، فقبل انفجار الوضع كانت اسرائيل والمقاومة الإسلامية تنتهكان الهدنة، ولكن ضمن خطوط معروفة او محدودة لا تؤدي الى انفجار او انهيار. اليوم هناك سباق بين طلب هدنة بشروط جديدة تمنع انفجار الوضع من جديد، وبين اغتيال اسرائيل قيادياً آخر من حماس، او تنفيذ المقاومة عملية انتحارية كبيرة اخرى، فيكون تدمير "خريطة الطريق" بيدي شارون او حماس.