ورد في جريدتكم الغراء في العدد 14768 يوم السبت المصادف 30 آب أغسطس 2003 مقال للأستاذ حازم الأمين تحت عنوان "سيرة سريعة للسيد القتيل في النجف" ذكر فيه بعض التناقضات التي لا تخفى على القارئ المطلع. فقد ذكر الأستاذ الأمين نقلاً عن حديث رجال دين شيعة التقتهم "الحياة" و ياحبذا لو ذكر أسماءهم من "أن المرجعية الشيعية الحالية والمتمثلة بالسيستاني يعوزها الكثير من الشروط كي تتحول الى مرجعية عامة و تاريخية كالتي كان يمثلها السيد ابو القاسم الخوئي، وهو ما يفسر وجود اكثر من مرجع حول السيد السيستاني مثل السيد بشير النجفي باكستاني والشيخ الفياض أفغاني اضافة الى السيد محمد سعيد الحكيم. وقد تحلق هؤلاء حول السيستاني وتحولوا الى ما يشبه مرجعية جماعية وهو امر نادر الحصول في النجف". قد تميزت حوزة النجف منذ تأسيسها على يد الشيخ الطوسي بوجود اكثر من علم يلتف حوله مجموعة من الأعلام مؤلفين بمجموعهم جهاز المرجعية المتكامل، علماً بأن وجودهم لا يضعف مرجعيته ووجوده لا يقلل من شأنهم. وقد تجسد هذا المعنى ابان القرن الثاني عشر للهجرة في زمن السيد محمد مهدي بحر العلوم حيث تفرغ هو للمنبر والتدريس والشيخ جعفر كاشف الغطاء للتقليد والفتيا والشيخ حسين نجف للامامة والمحراب، ولم يجرؤ احد على وصف مرجعية أي احد من هؤلاء بكونها تفتقر الى شرط من الشروط أو الضعف، لا سيما وان الأخ الأمين قد تطرق بعد ذلك قائلاً "لكن ضعف المرجعية لا يعني تراجع دور مدينة النجف"، علماً بأن المؤرخين والدارسين يصفون هذه الظاهرة بالقوة، بل على العكس يعتبرونها من علامات التكامل والتألق الفكري والحضاري للمدرسة الدينية والحوزة العلمية. وقد غاب عن فكر الكاتب الكريم أن ابقاء باب الإجتهاد مفتوحاً هو السر وراء ديمومة مدرسة أهل البيت ع، وان تعدد المرجعيات كان ولا يزال علامة من علامات قوة المرجعية الشيعية ومدرسة النجف كانت ولازالت مستمرة في تخريج العشرات من المراجع. وفي كل زمن نرى مرجعاً مطلقاً حوله مراجع محليون. وقوة المرجع المطلق لا تعني ضعف من حوله، ولا وجود من حوله يعني ضعف مرجعيته. فحتى في زمن الإمام الخوئي نرى وجود السيد السبزواري كمرجع وقبله كان السيد محمود الشاهرودي والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم. ووجود هؤلاء لم يضعف من مرجعية السيد الخوئي التي لم تكن وليدة ساعتها، بل ابتدأت منذ منتصف القرن الماضي خلال مرجعية عمالقة مدرسة النجف من امثال الشيخ محمد رضا آل يس والميرزا عبد الهادي الشيرازي والسيد حسين البروجردي بالإضافة الى مرجعية الإمام الراحل السيد محسن الحكيم. ووجود المرجع الخوئي ابان مرجعية الحكيم لم يعن ان مرجعية الحكيم كانت ضعيفة آنذاك. وهناك اشارة في المقال الى تقاطر الكثير من المراجع الشيعية الى النجف وخصوصاً من ايران مثل السيد حسين الخميني حفيد مفجر الثورة الإيرانية الامام الخميني. ومع احترامنا البالغ للعلامة السيد حسين الخميني وكونه من العلماء البارزين الا انه لم يصل الى مستوى المراجع الشيعية. فالمقصود بالمرجع عند الشيعة الإمامية هو المجتهدالمطلق المتصدي للفتيا والذي طرح نفسه للتقليد، و هذا ما لم يبلغه السيد حسين، وكونه حفيد الإمام الخميني لا يعني انه من المراجع. ومما تجدر الإشارة اليه ان الأستاذ الأمين ذكر اسم السيد بشير النجفي ، واعتقد أنه يقصد سماحة الشيخ بشير النجفي. فعند الشيعة الإمامية هناك فرق بين السيد والشيخ. ثم انه لا يخفى على المتتبع امتداد وشمولية مرجعية السيد السيستاني، اذ ان قوة المرجعية عند الشيعة تقاس بعوامل عديدة اهمها عدد المقلدين. ولا يختلف اثنان اليوم على ان للسيد السيستاني اكبر عدد من المقلدين في مختلف انحاء العالم. هذا من ناحية، ومن ناحية الموقف السياسي وحفظ التوازنات فمما لا شك فيه ان هذه المرجعية التي استطاعت الحفاظ على كيان المرجعية واستقلالها من أيدي جلاوزة نظام صدام البائد على رغم كل التحديات في وقتها لا يمكن ان توصف بالضعف حينئذ فضلاً عن زماننا الحاضر وما يتميز به واقعنا المعاصر من حساسية تحتاج احياناً الى دقة متناهية في الخطاب السياسي والتعامل مع الواقع الإجتماعي المتميز للطائفة الشيعية في كل أجزاء العالم فضلاً عن العراق والنجف الأشرف. فالمرجع عندنا ليس مرجع الشيعة في العراق فحسب بل مرجعهم في كل أنحاء العالمم . وعليه ننصح بتوخي الدقة في التعبير بعد الاحاطة بالتفاصيل. مؤسسة آل البيت ع -لندن