من كان يتوقع أو يريد تغييرات جذرية في سورية، فوجئ لدى اعلان التشكيلة النهائية لحكومة المهندس محمد ناجي عطري. لكن المتابع الدقيق لخلفية اتخاذ القرار ومبادئ صنّاعه في دمشق، سيكون اقل مفاجأة لأن الخيار حسم لمصلحة التغيير التدرجي والاستمرارية على مبادئ السياسة الخارجية لسورية. كما لن يفاجأ ابداً من قرأ بدقة تصريحات كبار المسؤولين السوريين في الفترة الاخيرة، خصوصاً من يدرك العلاقة بين البعدين الخارجي والداخلي وكيفية تعامل سورية مع الضغوط عليها، خصوصاً اذا جاءت من اميركا. عندما طرح موضوع الاصلاح او التغيير في سورية قبل سنوات، كان هناك خياران: التغيير السريع او الاصلاح التدرجي. وبعد نقاشات داخلية تبين ان الخيار حسم لمصلحة الخيار الثاني تحت عنوان "مشروع التطوير والتحديث" الذي يقوده الرئيس بشار الاسد على اساس التدرج في الاصلاح والبناء على الانجازات المحققة منذ "الحركة التصحيحية" التي قادها الرئيس الراحل حافظ الاسد. ونتيجة نقاشات داخلية حصل اجماع على تأجيل الاصلاح السياسي مع اعطاء اولوية للاصلاح الاقتصادي. وكان واضحاً ان هذا سيكون وفق الآتي: خطوات سريعة ذات بعد رمزي مثل قرارات انشاء مصارف خاصة، وسوق للاوراق المالية، وخطوات اعمق في الاطارين التشريعي والبنيوي لا تظهر نتائجها قبل سنوات. وفي هذا السياق تم التركيز على موضوعي الاصلاح الاداري والاصلاح التعليمي، فتأسست جامعات خاصة حصلت اربع منها على تراخيص رسمية في الاسابيع الاخيرة، اضافة الى التعليم المفتوح والجامعة الافتراضية - الحاسوبية. أما في الاصلاح الاداري فكان الموضوع اعقد. وكانت هذه العقد تظهر بجلاء بسبب وقوف البيروقراطية إما بدافع "غريزة البقاء" او "حسابات المصالح" ضد القرارات الاصلاحية، ما ادى الى تأخير في تنفيذ القرارات الاصلاحية، الامر الذي ادى لاحقاً الى الاقتناع اكثر بضرورات الاصلاح الاداري. وأرسلت فرنسا خبراء للوصول الى افضل مشروع للاصلاح الاداري. وبعد نقاشات ولقاءات مع مسؤولين وشخصيات في القطاعين الخاص والعام تم صوغ "مشروع الاصلاح الاداري" وتقديمه الى القيادة في منتصف تموز يوليو الماضي، متضمناً مقترحات لدمج بعض الوزارات ذات الاختصاصات المتداخلة او المتشابهة وتقليص اعضاء الفريق الحكومي. وفي بداية آب اغسطس الماضي أكد الرئيس الاسد خلال ترؤسه اجتماعاً ل"الجبهة الوطنية التقدمية" ان "الاصلاح الاداري" سيكون في مقدم مهمات الحكومة، داعياً المسؤولين وقادة الاحزاب السياسية الى توخي "الدقة والموضوعية" في ترشيح شخصيات لشغل الحقائب الوزارية. وأطلق هذا البيان عجلة تغيير حكومة الدكتور محمد مصطفى ميرو التي تشكلت في نهاية عام 2001، وكانت الاولى منذ انتخاب الاسد رئيساً في تموز 2000، والثانية التي يشكلها ميرو بعد تشكيله في آذار مارس من العام نفسه آخر حكومة قبل رحيل الرئيس الاسد في حزيران يونيو 2000 . وبحسب المعلومات المتوافرة كان هناك اتجاهان: اجراء التغيير الحكومي على ان يقوم الفريق الجديد بانجاز مشروع الاصلاح الاداري، او انجاز بعض الخطوات ليقوم الفريق الجديد باستكمالها على ان تتبع ذلك خطوات تغييرية - تطويرية. وبعد كلام الاسد علت ترشيحات صحافية وإشاعات متوقعة تغييرات جذرية في تشكيلة الحكومة وفي رئاستها مثل تكليف رجل اعمال مستقل هو رئيس اتحاد غرف التجارة راتب الشلاح او مغترب بارز هو وفيق سعيد تشكيل حكومة اصلاحية تضم عناصر مستقلة كثيرة. وبنيت هذه التوقعات على العناصر الآتية: اولاً، الانتقادات غير المسبوقة التي وجهت الى حكومة الدكتور ميرو خلال مناقشة النواب للبيان الحكومي المقدم بعد الانتخابات البرلمانية في آذار الماضي، اذ وصل بعض المطالب الى حد "رد البيان" الوزاري. ثانياً، قرار القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في ايار مايو الماضي بحصر دور الحزب في "التخطيط والاشراف والتوجيه والرقابة والمحاسبة". ثالثاً، الاحتلال الاميركي للعراق بحيث أصبحت الولاياتالمتحدة ممثلة ب"السلطة المدنية" والقوات العسكرية "جاراً" لسورية بحدود تصل الى اكثر من 500 كيلومتر. رابعاً، سقوط بغداد في شكل اسرع من المتوقع، والحملة التي تشن ضد "البعثيين" والدعوات من السلطة الجديدة الى "استئصال البعثية" في هذا البلد. خامساً، الانتقادات التي توجه الى سورية من اميركا، ومناقشة مشروع "قانون محاسبة سورية" في لجنة فرعية في الكونغرس. سادساً، تسريبات اميركية عن "تشدد" بعض المسؤولين السوريين وتحميلهم "مسؤولية" الموقف الذي اتخذته سورية في الحرب على العراق. وبنيت التوقعات الجذرية لتركيبة الحكومة على هذه العناصر، من دون قراءة دقيقة لردود الفعل الرسمية عليها، وهنا بعضها: اولاً، حرص الخطاب الرسمي على تمييز "البعث" السوري عن نظيره العراقي بعد سقوط بغداد، اذ نشرت صحف رسمية ان "أي اتصال او علاقة او حتى اعتراف متبادل لم يقم منذ عام 1966 بين البعث والتنظيم الآخر الذي تدثر باسمه" بحيث ان دمشق تتعرض للضغوط الاميركية لأنها "احتضنت البعث الحقيقي". ثانياً، كتبت صحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم في السابع من تموز الماضي ان "انهيار الذهنية التي حكمت العراق تعطي مسوغاً تاريخياً لراهنية فكر البعث" الذي "لا يخشى التطوير". ثالثاً، اعلن الشرع في 27 تموز ان القرار 408 كان "واضحاً لمن يريد لهذا القرار ان يكون واضحاً، وهو قرار غامض جداً لمن لا يريد أن يراه واضحاً"، مؤكداً ان "الفصل الكامل بين السلطة والحزب مستحيل". رابعاً، بالنسبة الى احتمال تكليف الشلاح، استخدم الشرع التعبير الآتي: "اذا اردنا الا نصيب فلنكبّر الحجر. يعني اذا أردنا ان نفهم اشياء اخرى من وراء هذا القرار الواضح البسيط فكأننا نريد افشاله". خامساً، نقلت "الوكالة السورية للأنباء" سانا عن مسؤول رفيع ان سورية "لن ترضخ للضغوط الاميركية"، رافضاً التدخل الاميركي في "الشؤون الداخلية". سادساً، اعلن نائب الرئيس عبدالحليم خدام في 20 ايلول سبتمبر الجاري أن مشروع "قانون المحاسبة" لا يعدو كونه "مسألة اعلامية" وأن الضغوط الاميركية "لن تفيد" في تغيير مواقف سورية في ملفي العراق وعملية السلام. ولا شك في ان القراءة السياسية لهذه التصريحات تسلط الضوء على طبيعة التغيير الحكومي منذ انطلاقه الى محطته الاخيرة. بحيث كانت الرسالة الاساسية: التغيير التدرجي ولا تغيير بضغوط خارجية، او ربما العكس، لأن الضغط يؤدي الى التشدد. وبدأت ملامح هذه الرسالة منذ تكليف الرئيس الاسد المهندس عطري 59 سنة تشكيل الوزارة، اذ انه عضو في القيادة القطرية ل"البعث" منذ ثلاث سنوات وعضو عامل في الحزب منذ ثلاثة عقود، وتدرج في مناصبه من رئاسة نقابة المهندس في حلب ومجلس المدينة الى محافظ لحمص في وسط البلاد ثم نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الخدمات في حكومة ميرو الاولى قبل ان يصبح قبل ستة اشهر رئيساً لمجلس الشعب البرلمان. وبعدما كان الشلاح مرشحاً لرئاسة الوزارة استدعي لإجراء مشاورات مع عطري الذي كسر تكليفه عرفاً يقوم على اساس تسليم هذا المنصب لشخصية دمشقية. اما الخطوة الثانية، فكانت في محافظة "البعث" على 17 حقيبة اساسية في الحكومة التي انخفض عددها من 35 الى 30 بينها خمس وزارات دولة، علماً ان حكومة ميرو الثانية شهدت انخفاض حصة الحزب من 26 الى 19 وتسلم فيها وزراء مستقلون حقائب جرت العادة ان تذهب الى "البعث" بينها: السياحة سعدالله آغه القلعة والصناعة عصام الزعيم والمال محمد الاطرش والمواصلات محمد بشير المنجد. وفيما احتفظ المنجد وآغه القلعة بحقيبتيهما، ذهبت الصناعة الى عضو لجنة مركزية في الحزب هو محمد صافي ابو دان بعد الغاء منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات، وانتقل الدكتور محمد الحسين من منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الى وزارة المال. والى منصبي الحسين وأبو دان السابقين، ألغي ايضاً منصبا نائبي رئيس الوزراء اللذان كانا للعماد الاول مصطفى طلاس والسيد فاروق الشرع، لكنهما احتفظا بمنصبيهما. بحيث بقي طلاس وزيراً للدفاع لمدة 31 سنة، وواصل الشرع تسلمه الشؤون الخارجية لنحو 23 سنة في "رسالة" للانتقادات الاميركية والتسريبات التي نالت أداءه السياسي. وربما يبدو ذهاب حقيبتين من مستقلين الى "بعثيين" رسالة غير انفتاحية، لكن الواضح ان هذا التغيير استهدف توفير الانسجام في الفريق الاقتصادي. اذ كان الزعيم والاطرش يساريين ومدافعين في شدة عن القطاع العام مع انهما درسا في جامعات غربية، لكن تسلم "البعث" رئاسة الوزارة وتقوية حقيبتي المال والصناعة بعضوي قيادة قطرية ولجنة مركزية عجّلا في انجاز الهدف: تطوير القطاع العام وانجاز الاصلاح، على ان يواصل وزير التجارة الدكتور غسان الرفاعي القادم من البنك الدولي تشجيع القطاع الخاص من دون الوصول الى نقطة الخصخصة. وبذلك ارتفع عدد اعضاء القيادة القطرية التي تضم 21 عضواً برئاسة الاسد الى اربعة هم: عطري وطلاس والشرع والحسين. وبقي ثلاثة اعضاء من اللجنة المركزية التي تضم 90 عضواً من المؤتمر الاخير للحزب المعقود بين 17 و20 حزيران يونيو العام 2000 ، لكن تغير الاعضاء ومناصبهم. والاعضاء الجدد هم: وزيرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان والثقافة محمود السيد والصناعة محمد صافي ابو دان. ويضاف الى ذلك عضو سابق في القيادة القطرية هو السيد احمد الحسن الذي تسلم حقيبة الاعلام، علماً انه عمل سفيراً لسورية في طهران لأكثر من عشر سنوات. وفي مقابل انخفاض حقائب "البعث" من 19 الى 17 في الحكومة التي انخفض عدد حقائبها من 35 الى 30، ارتفع عدد المستقلين الى ستة. وكان لافتاً ذهاب حقيبة التعليم العالي التي تعتبر اساسية في الحكومة وكانت عادة من نصيب "البعث" من عضو اللجنة المركزية في الحزب الدكتور حسان ريشة الى مستقل هو الدكتور هاني مرتضى 64 عاماً الذي كان رئيساً لجامعة دمشق. وفي مقابل تقدم المستقلين تراجعت طبيعة حقائب احزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" من ثماني حقائب الى سبع، غير ان الاهم ان خمسة وزراء من الجبهة لم يتسلموا حقائب، ما يعتبر مؤشراً الى كيفية النظر الى الأداء السياسي لهذه الاحزاب التي اعطت القيادة قبل ثلاث سنوات اولوية ل"تفعيل نشاطها السياسي" كمقدمة لتطوير العمل السياسي في البلاد. ومن المؤشرات الاخرى، بقاء حقيبتين للنساء في هذه الحكومة. لكن الجديد هو التغيير في العرف الذي ساد منذ عقود على اساس ان تكون حقيبتا الثقافة والعمل لامرأتين. اذ ذهب الدكتور محمود السيد من وزارة التربية الى الثقافة، مع ذهاب وزارة المغتربين من وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق الى مديرة الاعلام الخارجي الدكتورة بثينة شعبان، فكانت المرة الاولى التي تتسلم امرأة منصباً ذا بعد سياسي يتعلق بالشؤون الخارجية، مع بقاء حقيبة العمل في يدي امرأة هي سهام دلو بدلاً من غادة الجابي. الانتماءات السياسية في الحكومة الجديدة عدد البعثيين 18 هم: رئيس الوزراء محمد ناجي عطري، وزير الدفاع العماد الاول مصطفى طلاس، وزير الخارجية فاروق الشرع، وزير المال الدكتور محمد الحسين، وزير الاوقاف محمد زيادة، وزير الصناعة محمد صافي ابو دان، وزير الثقافة الدكتور محمود السيد، وزير النفط الدكتور ابراهيم حداد، وزير الاعلام السفير احمد الحسن، وزيرة المغتربين الدكتورة بثينة شعبان، وزير الكهرباء الدكتور منيب صائم الدهر، وزير شؤون الرئاسة الدكتور غسان اللحام، وزير الداخلية اللواء علي حمود، وزير النقل المهندس مكرم عبيد، وزير العدل نزار العسسي، وزير الزراعة الدكتور عادل سفر، وزير التربية الدكتور علي سعد، وزير الادارة المحلية والبيئة هلال الاطرش. وبين الأسماء ال18 اربعة اعضاء في القيادة القطرية هم عطري وطلاس والشرع والحسين، وثلاثة اعضاء في اللجنة المركزية هم شعبان والسيد وابو دان. سبعة وزراء من احزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" هم وزير الاسكان والتعمير نهاد مشنطط حركة الاشتراكيين العرب - احمد الاحمد، وزير الري المهندس نادر البني الحزب الشيوعي - جناح يوسف فيصل، وزير دولة يوسف سليمان الاحمد الحزب الشيوعي - جناح وصال فرحة، وزير الدولة بشار الشعار حركة الاشتراكيين العرب - غسان عثمان، وزير الدولة محمد يحيى خراط حزب الاتحاد الاشتراكي - صفوان قدسي، وزير الدولة حسام الاسود حزب الوحدويين الاشتراكيين - فائز اسماعيل، وزير الدولة غياث جرعتلي الحزب الوحدوي الاشتراكي الديموقراطي - فضل الله ناصر الدين ستة وزراء مستقلين هم وزير التجارة الدكتور غسان الرفاعي، وزير السياحة الدكتور سعد الله اغه القلعة، وزير التعليم العالي الدكتور هاني مرتضى، وزير الاتصالات والتقانة الدكتور بشير المنجد، وزير الصحة محمد اياد الشطي، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل سهام دلو. اربعة وزراء من اعضاء مجلس الشعب البرلمان هم عطري وأبو دان ومشنطط والعسسي. وبين أعضاء الحكومة 18 وزيراً قديماً، هم: عطري، طلاس، الشرع، حداد، عبيد، حمود، آغه القلعة، الشطي، صائم الدهر، زيادة، الرفاعي، المنجد، الأطرش، السيد، أبو دان، الحسين، الأسود، مشنطط، و13 وزيراً جديداً، هم شعبان، الحسن، العسسي، سعد، مرتضى، اللحام، سفر، البني، دلو، الاحمد، الشعار، الخراط، جرعتلي.