سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اعتبر أن استضافة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين تعطي الصورة الحقيقية للمنطقة وأكد السماح لمناهضي العولمة بالتعبير عن مواقفهم سلماً . محمد بن راشد : العراق حاضر في اجتماعات دبي ... وواجب العرب مساعدته في اعادة الاعمار
أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع في دولة الامارات أن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو صاحب الفضل الأول في نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في استضافة الاجتماعات المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين في دبي. وقال إن هذه الاستضافة ستعزز مكانة دولة الإمارات، وستزيد من فاعليتها في المؤسسات الدولية، وستتيح للمشاركين التعرف الى الصورة الحقيقة للمنطقة، بخاصة أن أكثر من نصف المشاركين في الاجتماعات لم يزوروا المنطقة في حياتهم وربما لم يفكروا بزيارتها ولا يعرفون عنها إلا من خلال أخبار الحروب والأزمات والإرهاب وأسعار النفط. وأكد أن الإمارات سمحت لمناهضي العولمة بالتعبير عن مواقفهم بالوسائل السلمية، وسيجدون تسهيلاً لمهمتهم طالما التزموا الوسائل السلمية. وقال إنه يتفهم دوافع المحتجين على سياسات المؤسسات المالية الدولية، ويقدر أن معظم هذه الدوافع شريفة المقاصد. وحول إمكان بحث قضية العراق في الاجتماعات قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في حواره مع "الحياة" ومجموعة من الصحف المحلية والعربية "إن هذه المؤسسات الاقتصادية الدولية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في إعادة إعمار العراق، بخاصة مع الاتجاه الى اعطاء الأممالمتحدة دوراً أكبر في المسألة العراقية". وأضاف "أن العراق في حاجة إلى مساعدة أشقائه العرب والأسرة الدولية للخروج من محنته". وأعرب عن أمله في أن يسفر مؤتمر الدول المانحة الذي سيعقد قريباً عن نتائج تفيد العراق وشعبه. وعبر عن تفاؤله بمستقبل العراق، وقال: "على رغم صعوبة الوضع في العراق وكبر التحديات والمخاطر، فإن رهاننا هو على شعب العراق العظيم، وثقتنا كبيرة بأن إخواننا العراقيين سيتغلبون على الصعاب، وسيعوضون ما فاتهم، ومن واجبنا مساعدتهم على إعادة إعمار بلدهم واستعادة استقلالهم وسيادتهم على وطنهم في أسرع وقت ممكن". وحول فرص نجاح الدول العربية في التغلب على مشكلة التخلف الاقتصادي، اعتبر ان "تشخيص المشكلة ووصف العلاج سهلان، ولكن المهم هو العمل والتوقف عن التحسر والشكوى وجلد الذات ولوم الآخرين". وفي ما يأتي نص الحوار: تكتسب اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين أهمية خاصة على الصعيد العالمي. ماذا ستضيف هذه الاجتماعات لدولة الإمارات؟ - ستضيف الكثير. فهذه الاجتماعات بمثابة مؤتمر القمة الاقتصادية والمالية لدول العالم التي تعقد مرة كل ثلاث سنوات، وتتنافس دول عدة على استضافتها، ومن يفوز في المنافسة يعني أنه يمتلك مجموعة من الميزات على المنافسين الآخرين. وعقد هذه القمة هو اعتراف دولي بتوافر هذه الميزات في دولة الإمارات العربية المتحدة. ما هي هذه الميزات في رأيكم؟ - إضافة إلى توافر القدرة اللوجستية والتنظيمية على استضافة وفود 184 دولة قد يصل عديدها إلى 15 ألف مسؤول وإعلامي، فإن لدولة الإمارات العربية المتحدة سجلاً ممتازاً على الصعيد الدولي وفي مجالات عدة ذات صلة مباشرة بنشاط الصندوق والبنك الدوليين، ومن هذه المجالات فاعلية الإمارات في أعمال الصندوق والبنك ودورها الإيجابي في المؤسسات الدولية وتبنيها قضايا التنمية، وكذلك حجم المساعدات التي تقدمها لدول نامية عدة، وهو حجم ضخم قياساً إلى حجم اقتصاد الإمارات التي تعد وفق هذا المقياس في مقدم دول العالم التي تقدم مساعدات مرتفعة على شكل معونات ومنح وقروض ميسرة ومشاريع تنموية. هذه أهم الميزات التي كفلت للإمارات الفوز باستضافة هذه القمة الاقتصادية الدولية، لكن تظل هناك ميزة كبرى هي المكانة المحترمة والسمعة العطرة للإمارات في المحافل الدولية، والتي تكونت بفعل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة وسياسته الرشيدة التي جعلت من الإمارات العربية المتحدة دولة نموذجاً لقصة نجاح تحتذى. كيف تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من الفوز باستضافة القمة الاقتصادية الدولية؟ - بداية أشير إلى أن دولة الإمارات لا تدخل في منافسة على أمر إلا إذا كانت حظوظها بالفوز كبيرة. وبالنسبة الى اجتماعات الدوليين، فإن الإمارات، كما ذكرت، تملك سجلاً مشرقاًً في المؤسسات الدولية سواء لجهة نشاطها في هذه المؤسسات، أو لجهة حجم المساعدات التي تقدمها للدول النامية. إضافة الى ذلك، تملك الإمارات سجلاً ذاتياً ناصعاً في مجال التنمية حيث نجحت في تحقيق التنمية المستدامة وبمعدلات سنوية مرتفعة، ونجحت في تنويع مصادر الدخل وتتمتع بدرجة عالية من الحرية الاقتصادية ولديها نظام مصرفي قوي وشفاف، وسجل مشرق في مجال حقوق الإنسان، وعلاقات طيبة مع جميع دول العالم تستند إلى مبادئ الحق والعدل والتعاون والاحترام المتبادل وحل المشكلات بالوسائل السلمية. وبدأت جهود الإمارات لاستضافة الاجتماعات عام 1997 حين زار الدولة رئيس صندوق النقد الدولي وقابل رئيس الدولة وقدم له الشكر على مساهمات الإمارات في الصندوق وعلى المساعدات التي تقدمها للدول النامية. ثم اجتمع رئيس صندوق النقد مع الأخ الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم وعرض سموه مسألة استضافة الإمارات للاجتماعات المشتركة، وتم توجيه الدعوة رسمياً من الشيخ حمدان إلى كل من الصندوق والبنك الدوليين لاستضافة الاجتماعات. ومنذ ذلك الوقت نسقت الإمارات مع الدول العربية الشقيقة والأخرى الصديقة وذلك بالتعاون مع الأمانة العامة لكل من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية لحشد أكبر عدد من الدول لتأييد طلب الإمارات. وبعدها زارت بعثة من الصندوق والبنك الإمارات للاطلاع على إمكاناتها، وخلصت إلى أن دولة الإمارات تملك البنية الأساسية ووسائل الاتصالات ومرافق الخدمات اللازمة لعقد الاجتماعات. وحين أجريت المفاضلة بين طالبي استضافة المؤتمر فازت الإمارات في التصويت، وأعود وأكرر أن الفضل الأول في هذا الفوز هو الدعم اللامحدود والاهتمام المباشر من رئيس الدولة باستضافة دولة الإمارات للاجتماع المشترك للدوليين في دبي. هل صحيح أن الحدث الاقتصادي الذي تستضيفه الإمارات ستقتصر فائدته على مجرد الاستضافة فقط، بما يعني ذلك من ترويج لدولة الإمارات، أم أن للإمارات دوراً تلعبه داخل أروقة المؤسستين الدوليتين؟ - القول أن الفائدة ستقتصر على الترويج للإمارات هو تبسيط شديد وفهم ناقص للأمور. نعم استضافة الاجتماعات ستعزز مكانة دولة الإمارات، لكن دور الإمارات في المؤسستين الدوليتين فاعل ومشهود وسيتنامى هذا الدور خلال الاجتماعات. الإمارات تولت عام 1997 رئاسة الاجتماعات السنوية للبنك والصندوق الدوليين وأظهرت كفاية عالية في إدارة تلك الإجتماعات. ودولة الإمارات تمثل 13 دولة عربية في اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في صندوق النقد، وهي أهم لجان الصندوق. والإمارات تتولى منذ سنوات رئاسة مجموعة الدول النامية ال 11 في مجلس المديرين، وهي بالتالي مسؤولة عن علاقات الدول النامية بالصندوق. ولا شك في أن استضافة الإمارات لاجتماعات الدوليين ستزيد من إمكاناتها لأداء هذه المسؤوليات. والإمارات، مثلاً، ستلقي في الاجتماعات كلمة الدول العربية، وستعقد خلال الاجتماعات ندوات خاصة أدرجتها الإمارات في جدول الأعمال لتعرض الدول العربية من خلالها مواقفها من قضايا الإصلاحات الاقتصادية وتعرض إنجازاتها في هذا المجال. وهناك ندوات تتناول نشاط المصارف الإسلامية ودورها في التنمية الدولية والنظام المصرفي العربي وما إلى ذلك. كذلك تعطي الاجتماعات ضيوفنا فرصة رؤية الصورة الحقيقية للمنطقة. نصف الضيوف وربما أكثر لم يزر المنطقة في حياته ولم يكن يفكر في زيارتها، ولا يعرف عنها إلا ما تنقله وسائل الإعلام، وهو مع الأسف يقتصر على الأخبار المتعلقة بإمدادات وأسعار النفط على خلفية أن العرب هم المسؤولون عن ارتفاع الأسعار، وعن الأخبار المتعلقة بالحروب والأزمات، وأضيف إليها الإرهاب... في منطقتنا بشر وأناس لهم أحلامهم وطموحاتهم وفيها إنجازات عدة وحياة كاملة وتطلع إلى المستقبل وتمسك بالسلام والعدالة ورغبة في التعاون مع الآخرين. ولا شك في أن ضيوفنا سيلمسون بأيديهم ويرون بأعينهم هذه الجوانب التي حجبتها الصور والأخبار النمطية عن المنطقة. يقول البعض إن الكلفة التي تحملتها إمارة دبي كبيرة من الناحية المالية والعملية، وهي لا توازي المكاسب التي يمكن تحقيقها من الاستضافة. ما رأيكم بالطرح المذكور؟ - هذا البعض الذي تتحدث عنه لا يعرف شيئاً ويفتي من غير علم ولا يرى أبعد من أنفه. سمعنا مثل هذا التشكيك مع كل مشروع كبير نفذناه ومع كل إنجاز حققناه... وأعتقد أن هذا الطرح لا تأثير له ولا يستحق الرد عليه. يتخوف الكثير من سكان دبي من تحولها إلى ثكنة أمن خلال ذروة الاجتماعات يومي 23 و24 الشهر الجاري، ما سيؤثر سلباً في تحركاتهم اليومية. هل تعتقدون أن هناك مبرراً لمخاوفهم؟ - أبداً. بدأت الاجتماعات ولم تتحول دبي إلى ثكنة أمن، ولن تتحول مع ذروة الاجتماعات، فالأمن في الإماراتودبي مستتب، ونحن نعتبر كل مواطن ومقيم عنصراً فاعلاً في استتباب الأمن. بطبيعة الحال، حدث كبير بمثابة القمة الاقتصادية العالمية، يتطلب إجراءات أمنية خاصة في منطقة مركز دبي التجاري الدولي حيث تعقد القمة، وفي أماكن إقامة وتنقل الوفود. ونحن واثقون من حرص الجميع على المشاركة في إنجاح الاجتماعات، وفي تسهيل حركة ضيوف الإمارات. قمتم في الأيام الماضية بعدد من الجولات الميدانية على المرافق التي لها علاقة باستضافة الحدث العالمي المرتقب. هل كانت زيارتكم نتيجة تقارير وردتكم عن وجود تقصير من الجهات المعنية، أم أن الأمر كان لمجرد الاطمئنان؟ - للاطمئنان، والحمد لله لا يوجد تقصير من أحد، ونفذت البرامج الموضوعة على أحسن وجه، ولا بد أن أشيد هنا بدور الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المال والصناعة ورئيس اللجنة العليا ومتابعته الدؤوبة والتفصيلية للإعداد والتنظيم وآليات التنفيذ. لقد قاد سموه فريق العمل على مدار السنوات الثلاث الماضية بكفاية واقتدار، والنتيجة واضحة في اكتمال الاستعدادات على أحسن وجه ووفق الجدول الزمني المقرر. كيف وجدتم تفاعل الدوائر المختلفة مع هذا الحدث، وأي المؤسسات بحسب تقديركم كانت الأفضل؟ - التفاعل إيجابي، وجميع المؤسسات قامت بدورها وأشكر جميع مسؤولي هذه المؤسسات وكل الموظفين المشاركين في الإعداد للاجتماعات. ما الرسالة التي تريد الإمارات توجيهها إلى العالم من خلال استضافة هذا الحدث، بخاصة أن الإمارات هي الدولة العربية الأولى التي تحتضن اجتماعات الدوليين؟ - قسم من الرسالة وصل مع فوز الإمارات قبل ثلاث سنوات باستضافة الاجتماعات، وهو اعتراف دولي بقدرة الإمارات العربية المتحدة على استضافة نشاطات دولية بهذا الحجم. أما القسم الآخر فبدأ مع وجود الوفود التي سترى وتلمس حجم التقدم الذي أحرزته الإمارات، وكفاية أبناء الإمارات في التنظيم وسجاياهم في كرم الضيافة ودورهم الفاعل في إدارة الاجتماعات. وستكون فرصة لضيوفنا للاطلاع عن كثب على إنجازات دولتنا الكثيرة في التنمية وفي تنويع مصادر الدخل وفي الإصلاح الاقتصادي وفي العمران البشري والمادي. هل ستكون الإمكانات والمنشآت التي أعدت خصيصاً لهذا المؤتمر ذات فائدة في المستقبل؟ - طبعاً ستكون لها فائدة كبيرة في المستقبل. حين تتوافر لديك قاعات تتسع لجلوس 6500 شخص، تنفتح أمامك مجالات جديدة وآفاق عمل جديدة. ونحن في السنوات الأخيرة كنا نستشعر الحاجة إلى مثل المنشآت التي أقمناها أخيراً. إن صناعة المؤتمرات والمعارض في دبي في حال نمو مستمر. الإمكانات الجديدة ستلبي متطلبات هذا النمو وتحفزه وتسرع معدلاته. هل ستستطيع دبي الإفادة من الخبرات التنظيمية المكتسبة من اجتماعات الدوليين لتعزيز مكانة الإمارات كمركز دولي للاجتماعات والمؤتمرات الدولية؟ - الخبرات المكتسبة من اجتماعات الدوليين لم تأتِ من فراغ، إنما هي إضافة جديدة لخبرات متنوعة تكونت في الإمارات على مدار السنوات والعقود الماضية. اليوم يضاف إلى خبراتنا تنظيم الحال القصوى للمؤتمرات الدولية التي تشارك فيها كل دول العالم بوفود رسمية وإعلامية يناهز عددها ال15 ألفاً. هل يمكن لاجتماعات الدوليين أن تكون نقطة تحول في تاريخ مصارف الدولة نحو تحقيق علاقات دولية متوازنة مع المصارف العالمية، بخاصة أن الأنشطة المصرفية تقوم أساساً على الثقة التي سيساهم نجاح تنظيم مثل هذا الحدث في تعزيزها كثيراً؟ - لدينا نظام مصرفي جيد... وتطور كثيراً في السنوات القليلة الماضية. وستكون الاجتماعات فرصة لاطلاع المؤسسات المصرفية الدولية والمصارف وبيوت المال العالمية على هذا التطور، وعلى الشوط الذي قطعناه لإنشاء مركز دبي المالي العالمي. وثقتي كبيرة في أن اجتماعات الدوليين ستعزز الثقة بنظامنا المصرفي ومشاريعنا الجديدة. كثير من المسؤولين والخبراء العرب يقولون أن لا مجال للتنمية في الوطن العربي في ظل الظروف السياسية الراهنة، لكن هذه الظروف تتعايش معها المنطقة منذ عشرات السنين. هل فعلاً الظروف السياسية والأمنية هي العائق الرئيس أمام التنمية؟ - طبعاً للظروف السياسية والأمنية تأثير كبير. لكن جوهر المسألة يكمن في كيفية استجابتك لهذه الظروف، وفي كيفية تعاملك معها. أنا أرى أن هذه الظروف بمقدار ما يمكن أن تصطحب معها من عوائق بمقدار ما يمكن أن تصطحب معها حوافز. إن جدارة الإنسان تمتحن في الظروف الصعبة وليس في الظروف السهلة. حال التنمية في معظم الدول العربية لا يسر فعلاً، وسبب ذلك في رأيي هو عدم إعطاء قضية التنمية الأهمية التي تستحق. التنمية هي القضية الرئيسية الأولى في أي بلد، والنجاح في إدارة عملية التنمية ممكن في كل الظروف. مثلاً لماذا تمنع الظروف السياسية والأمنية الصعبة الإصلاح الاقتصادي؟ لماذا تمنع إصلاح الإدارة العامة من الذي يمنعك من إصلاح الإدارة ومن إرساء الشفافية والمساءلة وإعادة تقويم دور الدولة في الاقتصاد. يفترض أن تكون الظروف الصعبة حافزاً إضافياً للإصلاح والتطوير. أيضاً يتطلب نجاح التنمية في الدول العربية توسيع مجالات التعاون الاقتصادي العربي، وهنا أيضاً يفترض أن تكون الصعوبات الأمنية والسياسية حافزاً إضافياً ودافعاً قوياً لتوسيع هذا التعاون. لا يصح تعليق الفشل في التنمية على الظروف السياسية والأمنية، بل بالدرجة الأولى على إدارة عملية التنمية. إن الفشل في إدارة عملية التنمية هو من أسباب المشكلات السياسية والأمنية. هذه المشكلات تؤثر في عملية التنمية، وتتسبب في خفض معدلات النمو، لكنها بذاتها لا تكفي لتفسير الفشل في عملية التنمية وتبريره. البطالة في العالم العربي تسجل أرقاماً قياسية. البعض يحذر من أن البطالة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة لأن الشباب اليائسين سيسعون إلى تغيير الأنظمة بالقوة. كيف تنظرون إلى هذا الموضوع؟ - نعم أرقام البطالة مخيفة، وهي في تزايد مستمر، وتختلف أسبابها من دولة الى أخرى، فبعضها ناجم عن خلل بنيوي في هيكل الاقتصاد، وعن بطء في الإصلاح الاقتصادي، وعن تراخٍ في مكافحة الفساد ومواجهة التسيب والروتين، وعن خلل في معادلة النمو السكاني والنمو الاقتصادي، وعن فشل نظام التعليم في تقديم مخرجات مناسبة لسوق العمل. ارتفاع معدلات البطالة يشكل خطراً على أي دولة في العالم. ومواجهة هذا الخطر تكون بحزمة متكاملة من السياسات والبرامج والإجراءات الكفيلة بضمان تحقيق معدلات تنمية عالية قادرة على توليد عدد كافٍ من الوظائف الجديدة. في العالم العربي دائماً نضع المسؤولية على الغير، وبذلك نبرر الفشل. كمسؤول في دبي تمكن من النهوض ببلده إلى مصاف الدول المتقدمة، أولاً هل هناك أسلوب تنموي معين تتبعونه؟ وثانياً كيف تشخصون ضعف النمو والتخلف الاقتصادي في الدول العربية؟ - إلقاء تبعات الفشل على الغير أسلوب للهرب من تحمل المسؤولية عن الفشل. المسؤولية عبء ثقيل وأمانة عظيمة، وشرف كبير في الوقت نفسه، ومن يتصدى لحمل المسؤولية يجب أن يكون أهلاً لها. بالنسبة الى اسلوبنا التنموي في دبي فهو بسيط بساطة حياتنا وبحرنا وصحرائنا. الواجب الأول للمسؤول هو إسعاد شعبه وتوفير متطلبات أمنه واستقراره ورفاهه وتقدمه وتطوره. حين يسكن هذا الواجب في عقل المسؤول وقلبه لن يكون صعباً عليه الاهتداء للأسلوب التنموي الأمثل. وبالنسبة الينا في الإماراتودبي، فقد حبانا الله قيادة رشيدة حققت إنجازات ضخمة لبلادنا وتعلمنا منها الشيء الكثير. أسلوبنا التنموي ينطلق من رؤيتنا لشعبنا ووطننا في المستقبل. كيف نديم ونعزز التنمية والاستقرار والأمن. ما هو المطلوب ليتحقق ذلك؟ كيف نحقق ذلك؟ ما هي الخيارات المتاحة وما هي البدائل المتوافرة؟ إلى أين يتجه عالمنا سياسياً واقتصادياً وقيمياً؟ كيف نتفاعل مع هذا الاتجاه بما يعود بالفائدة والخير على وطننا وشعبنا، وبما يجنبنا السلبيات والخسائر والمخاطر؟ هل يتوافر فريق العمل الذي سينفذ الرؤية؟ من سيضم ومن أين سنحصل على المهارات التي يتطلبها التنفيذ؟ ما هي مصادر التمويل؟ كيف نجذب المستثمرين؟ نحن نبذل أقصى طاقاتنا للوصول إلى إجابات صحيحة عن هذه الأسئلة ووضعها في خطط وبرامج عمل زمنية ومشاريع مدروسة. ومتى وصلنا إلى الإجابات نتحرك بالسرعة المناسبة، وننتقل من إنجاز الى آخر، وحين نخطئ نتعلم من الخطأ لئلا يتكرر، وإذا شعرنا بخلل في موضوع ما نتوقف للمراجعة والتقويم. أما بالنسبة الى الشق الثاني من السؤال في شأن تشخيص مشكلة ضعف النمو والتخلف الاقتصادي في الدول العربية، فإن التشخيص هو أسهل شيء، وشبعت الحال التي تسأل عنها تشخيصاً، وستجد الإجابة عن سؤالك في أرشيف المؤسسات الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين ومنظمات الأممالمتحدة المتخصصة، ومنظمات الجامعة العربية ومجالسها، وتقارير التنمية... لا ينقصنا تشخيص، بل ينقصنا الإخلاص والعمل والجرأة في اتخاذ القرار والشجاعة في تحمل المسؤولية. وليس التشخيص وحده سهلاً، فمن السهل أيضاً وضع وصفة العلاج... تحتاج إلى رؤية واضحة وإلى تحديد الأهداف ووضع الخطط وتحديد البرامج الزمنية للتنفيذ السريع وحشد الطاقات والانطلاق في التنفيذ... هذه وصفة متاحة للجميع ويعرفها الجميع... لكن المهم هو العمل والعمل والعمل. سأعطيك سبباً واحداً من أسباب ضعف النمو والتخلف الاقتصادي في العالم العربي وهو سوء الإدارة العامة. تؤكد كل الدراسات أن سوء الإدارة العامة يلحق بالاقتصادات العربية خسائر فادحة. إن إصلاح الإدارة العامة إلى مستوى الإصلاح الذي حققته ماليزيا مثلاً، يمكن أن يرفع معدل نمو الدخل القومي بنسبة واحد في المئة، وهذا سينعكس على تحسن في متوسط الدخل الفردي. هنا لديك تشخيص ولديك وصفة العلاج. تطبيق الوصفة يحتاج إلى قائد يقدم ويعمل ويتحمل المسؤولية. عموماً النجاح في التنمية يتطلب قيادة تولي عناية خاصة للموارد البشرية، وتحسين البنية التحتية، وإصلاح الإدارة العامة والتشريعات وتحسين مناخ الاستثمار، وفتح أوسع أبواب الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال التأكيد على دور الدولة كمنظم ودور القطاع الخاص كمنتج. بطبيعة الحال، طريق التنمية ليس مفروشاً بالورود، بل مملوء بالعقبات. التغلب على هذه العقبات يتطلب تفكيراً جديداً وأساليب مبتكرة لتطوير الدولة والمجتمع وتسريع التنمية، وهذا يتطلب بدوره التغيير. أي العمل بالجديد المفيد والاقتناع النهائي بأن القديم غير المفيد لم يعد مناسباً. إذا لم تلتزم القيادة بالتغيير لن يحدث التغيير، ولن يتم تطوير الإدارة العامة، ولن يتحسن مناخ الاستثمار، ولن يكون ممكناً تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتشريعي وبالتالي لن تنجح في التنمية. أقصر طريق لإطلاق القدرات العربية من عقالها لصنع نهضة تضاهي ما صنعناه في الماضي هو أن نعمل للمستقبل. إن التحسر واستمرار الشكوى واستمراء جلد الذات ولوم الآخرين والقعود هي طاقة سلبية يجب أن نحوّلها إلى طاقة إيجابية بالعمل وزيادة الانتاجية واكتساب المهارات. الأمة العربية تملك كل مقومات التحول إلى أمة عظمى. لكننا في حاجة إلى العمل الجاد والمخلص والأطر التنموية القادرة على تحقيق هذا الهدف الواقعي. من المعروف أن تنظيم اجتماعات الدوليين يستتبع قدراً من الانفتاح على العالم في منطقة لها خصوصيتها الثقافية والحضارية والسياسية. وكنتم أعلنتم أن دولة الإمارات ستتعامل بطريقة حضارية مع أي ظاهرة ترافق اجتماعات الدوليين، خصوصاً تظاهرات مناهضي العولمة التي أصبحت نشاطاً مرافقاً لاجتماعات ممثلي البنك الدولي أينما حلوا وأينما رحلوا. ما هي في رأيكم المخاطر التي يمكن أن تنشأ عن دخول مثل هذه الوسائل في التعبير عن الاجتماع في القاموس السياسي في المنطقة؟ - لا أرى أي مخاطر. ونحن منفتحون على العالم قبل استضافة اجتماعات الدوليين، بل إن إحدى مميزات دولة الإمارات هي نجاحها في الانفتاح على العالم وفي الوقت نفسه الحفاظ على خصوصياتها. نعم سنسمح لمناهضي العولمة بالتعبير عن مواقفهم بالوسائل السلمية، وسيجد هؤلاء تسهيلاً لمهمتهم طالما التزموا وسائل التعبير السلمية. أنا لا أرى أي مخاطر من هذا الأمر، بخاصة أن احتجاجات مناهضي العولمة لن تكون جديدة على المواطنين والمقيمين الذين يعرفون الكثير عنها من وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية. ما هو رأيكم في العولمة، وهل تتفهمون أسباب قدوم المحتجين على سياسات البنك من مسافات بعيدة للتعبير عن احتجاجاتهم ضد سياسات البنك الدولي والتي يعتبرونها مسؤولة عن الفقر والمآسي في مناطق كثيرة من العالم؟ - طرحت أسئلة عدة في سؤال واحد. وأبدأ بمسألة العولمة وكنت تحدثت عنها في مرات سابقة. لست في وارد إطلاق حكم قيمة على العولمة، وهل هي جيدة أم سيئة، لأن أحكام القيمة لا تفيد هنا. العولمة هي حال من صنع البشر وليست خطة وضعتها دولة معينة، أو مشروعاً صممته هذه الدولة أو تلك. وهذه الحال هي نتاج ما يعرف بثورة المعلومات والاتصالات. غيرت هذه الثورة كل المعارف ووسائل الإنتاج وأعادت ترتيب الأهمية النسبية للعناصر المكونة للقوة الاقتصادية، وبالتالي عناصر قوة الدول والمجتمعات. اليوم نحن نعيش بحق عصر المعرفة. وتقسيم العالم لم يعد مقصوراً على التقسيمات التقليدية مثل شمال وجنوب، ودول غنية ودول فقيرة، ودول متقدمة ودول نامية. اليوم دخلت في التقسيمات درجة المعرفة بتكنولوجيا المعلومات، ودرجة استخدام الانترنت والاتصالات. لقد تغير العالم. لم تعد للحدود الجغرافية اليوم الأهمية التي كانت لها قبل عشر سنوات فقط. نحن في عالم لا يعترف بالحدود. لم تعد البنى التحتية اليوم الطرق والمطارات ومحطات الكهرباء والماء ومرافق الخدمات فقط. أضيفت إليها البنية التحتية الإلكترونية، وهي اليوم الأهم بين مكونات البنية التحتية، لأنها متداخلة في كل هذه المكونات ومندمجة فيها، وفي الوقت نفسه هي بنية ذات طبيعة متجاوزة للحدود وممتدة للفضاء. مثل كل حال أخرى، للعولمة فوائد ومخاطر، وإيجابيات وسلبيات، ودورك هو أن تعمل ليكون لك حصة في الفوائد وأن تتحسب للمخاطر. أن تعزز الإيجابيات وتواجه السلبيات. هذه الحال تطرح تحديات كبرى في المجالات كافة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو القيمية. في كل هذه المجالات عليك أن تنافس في سوق عالمية مفتوحة، ولكي تستطيع الدول والشركات المنافسة في هذه السوق لا بديل لها عن توخي الجودة والامتياز في عملها، لأن الاتصالات السريعة والانترنت والتجارة الإلكترونية أدت إلى تعدد الخيارات المتاحة للناس الذين لن يُقبلوا على البضائع الوطنية إذا كانت أقل جودة من الأجنبية، ولن يستخدموا خطوط الطيران الوطنية ما لم تكن خدماتها في جودة المنافسين، ولن يتابعوا محطة التلفزيون الوطنية ما لم تكن برامجها منافسة لما يصل البيوت عبر الأقمار الاصطناعية. العولمة من حقائق الحياة، وموطنها العالم كله وليس دولة معينة أو أكثر. ولا بديل عن التفاعل مع هذه الحقيقة. كما أن الاعتماد المتبادل بين الدول يزداد ولا ينقص، ولا يوجد اقتصاد واحد أو تكتل اقتصادي واحد يستطيع أن يقدم نفسه كبديل للاقتصاد العالمي. وإذا عدنا بذاكرتنا إلى سنوات قريبة مضت، سنجد أن بعض الدول الأكثر حماسة للعولمة لم تعد كذلك، ولجأت إلى سياسات الحماية تحت إلحاح ضغوط اقتصادية أفرزها الركود العالمي في السنوات الثلاث الماضية، ودول نامية عدة تقول أنها لم تستفد من العولمة، والبعض يقول أنها تساعد على تركز الثروات في مناطق معينة من العالم، وتعمق الفروق بين الأغنياء والفقراء. هذه الأقوال تنطوي على درجة كبيرة من الصحة، لكن عليك أن تلاحظ أن فشل الجولة الأخيرة لمفاوضات منظمة التجارة العالمية سببه الخلافات بين الدول المتقدمة الأكثر انخراطاً في العولمة. وبعض الذين يعيقون العولمة اليوم كانوا في الأمس من أكبر المروجين لها، لكن ذلك لا يغير شيئاً من حقائق العالم الجديد الذي نعيش فيه، ومن أن العولمة باتت من بين هذه الحقائق. وعلى أي الأحوال تتواصل محاولات التوفيق بين مصالح الدول المتقدمة وبينها وبين الدول النامية، وهذا الأمر مطروح في اجتماعات الدوليين في دبي، كما هو مطروح في جولات مفاوضات منظمة التجارة العالمية. لا مناص من العمل ضمن إطار العولمة ليس لأننا نريد العولمة وكفى، بل لأنها من حقائق الحياة، ولأن خططنا التنموية تستوعب بدائل مناسبة لمواجهة كل الاحتمالات الناجمة عن أي آثار سلبية تنجم عن العولمة. أما بالنسبة الى ما جاء في السؤال حول قدوم المحتجين على سياسات الصندوق والبنك الدوليين التي يعتبرونها مسؤولة عن الفقر والمآسي في مناطق كثيرة من العالم، فنحن نتفهم دوافع هؤلاء ونقدر أن معظم الدوافع شريفة المقاصد، ولهم ممثلون يشاركون في كل الاجتماعات الدولية ويطرحون وجهة نظرهم، ولهم دور في الدفع باتجاه ما يسمى ب"أنسنة العولمة". هذه هي الحياة. تتعدد المواقف والآراء والاجتهادات، ومن الضروري إفساح المجال للتعبير عن هذه وتلك بالوسائل السلمية. ويبقى الشق الخاص باعتبار سياسات المؤسسات المالية الدولية مسؤولة عن الفقر والمآسي في مناطق كثيرة من العالم. لا أود الخوض في نقاش حول هذه المسألة، وأفترض أن هذه المؤسسات تتحمل درجة من المسؤولية، ولكن هل هي مسؤولة عن ضعف الإدارة العامة في الدول النامية؟ وهل تمنع من يريد إصلاح الإدارة وتحسين مناخ الاستثمار وإرساء الشفافية والمساءلة ونشر العدالة الإجتماعية؟ ما شأن هذه المؤسسات بانعدام كفاية شركات القطاع العام في الدول النامية؟ أنا لا أدافع عن سياسات المؤسسات الاقتصادية الدولية، وهي تستطيع أن تفعل أكثر من قضايا مهمة كمواجهة الفقر ومكافحة الأمراض الفتاكة وإعادة النظر في مديونية الدول النامية، لكن من غير المفيد ولا الصحيح تحويلها إلى مشجب نعلق عليه وحده مسؤولية الفشل في التنمية وفي غيرها. تعقد هذه الاجتماعات في ظل تطورات سياسية واقتصادية مهمة تتعلق بالوضع في العراق وإعادة إعماره. هل من المتوقع أن تنجح هذه الاجتماعات في لعب دور فاعل في هذه المسألة؟ - لا شك في أن قضية العراق ستكون حاضرة في الاجتماعات، ويمكن للمؤسسات الاقتصادية الدولية أن تلعب دوراً مهماً في إعادة إعمار العراق، بخاصة مع الاتجاه إلى إعطاء الأممالمتحدة دوراً أكبر في المسألة العراقية. إن المؤسسات الدولية مستودع ضخم للكفايات وفي كل المجالات. والعراق في حاجة لخبرات هذه الكفايات، كما أنه في حاجة إلى مساعدة أشقائه العرب والأسرة الدولية للخروج من المحنة التي يعيشها. وسيعقد قريباً مؤتمر دولي للدول المانحة، وأملنا أن يسفر هذا المؤتمر الذي سنشارك فيه بفاعلية عن نتائج تفيد العراق وشعبه. كيف ترسمون الوضع الحالي في العراق، وهل أنتم متفائلون بنجاح خطط إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي في هذا البلد؟ - لا أملك إلا أن أكون متفائلاً، وعلينا جميعاً مساعدة الشعب العراقي لبناء دولته والعودة عزيزاً كريماً إلى أمته وإلى الأسرة الدولية. لا شك في أن الوضع صعب في العراق وأن التحديات كبيرة والمخاطر كثيرة ، لكن رهاننا هو على شعب العراق العظيم. فثقتنا كبيرة بأن إخواننا العراقيين سيتغلبون على كل الصعاب، وسيعوضون ما فاتهم، فهم يختزنون في ذاكرتهم الجمعية تراث سبعة آلاف عام من الحضارة، وهم حملة وحراس الثقافة العربية الإسلامية، وقد حبا الله بلدهم إمكانات وفيرة وخيراً كثيراً، وهم أثبتوا على مر التاريخ أنهم قادرون على تجاوز المحن وعبور الأزمات والنهوض بثقة وقوة وكرامة. أكرر أن من واجبنا مساعدة أشقائنا العراقيين على إعادة إعمار بلدهم واسترداد استقلالهم وسيادتهم على وطنهم في أسرع وقت ممكن.