سعى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات منذ عودته الى فلسطين في الاول من تموز يوليو 1994، الى تحقيق سلام دائم مع اسرائيل على اساس قراري مجلس الامن 242 و338، وظل يكرر انه لا يطلب القمر وانما مجرد تنفيذ الاتفاقات الموقعة. ولكن الاسرائيليين اغرقوا الفلسطينيين في تفاصيل الاتفاقات الفرعيةالتي فسروها وفقاً لاهوائهم متسلحين بتفوقهم العسكري الساحق وما يرافقه من غطرسة قوة. وسرعان ما جند اليمين الصهيوني المتطرف قواه لدرء "مخاطر" السلام المحتمل وتهديده ل"اسرائيل الكبرى" فصدرت فتاوى دينية بقتل رئيس الوزراء اسحق رابين لأنه التزم الحد من توسيع المستوطنات في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة وبالانسحاب من مساحات واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن مراحل تنفيذ اتفاقات اوسلو. وقُتِل رابين وبدأ تراجع اليسار الصهيوني امام عتاة اليمين الى ان تولى الحكم في نهاية الامر ذلك الرجل المعروف في العالم كله بماضيه الحافل بارتكاب جرائم الحرب والمجازر، ارييل شارون، وهو ارهابي صار ينعت غيره بالارهاب وصار، في نظر الرئيس الاميركي جورج بوش، "رجل سلام"! وليس صحيحاً القول بان شارون ليس لديه مخطط سياسي. ذلك ان شارون لديه، كما كتب المعلق السياسي الاسرائيلي المعروف الوف بن في صحيفة "هآرتس" امس "خطة هي حماية "ارض اسرائيل" وتجنب إعادة اي اراضٍ فلسطينية او عربية محتلة والتأكد من بقاء المستوطنات حيث هي، وكل شيء عدا ذلك تكتيكات". لقد بات تحقيق اي سلام مقبول عربياً مع اسرائيل امراً من المستحيل تحقيقه، استحالة الشرب من سراب خادع، رغم سعي الفلسطينيين، والدول العربية جميعها، الى تحقيق سلام يعيد الاراضي والحقوق العربية الى اصحابها وفقاً لقرارات الاممالمتحدة والقوانين والمواثيق الدولية. والسبب هو ان الحركة الصهيونية متشجعة الآن بذلك التحالف الظلامي بينها وبين التيار المسيحي الانجيلي المتطرف في اميركا، وهو تيار ينتمي اليه الرئيس بوش. وكيف لا تتشجع الحركة الصهيونية وهي التي افرزت وزرعت في نسيج ادارة بوش اشد الشخصيات خطراً على اي امكانية لتحقيق سلام عادل في منطقتنا، من امثال بول ولفوفيتز في البنتاغون وإليوت ابرامز في البيت الابيض وعشرات غيرهما في مواقع يرسمون فيها السياسة الخارجية للولايات المتحدة تماماً بما يتفق مع مصالح اسرائيل والشركات الاميركية العملاقة التي يرتبط بها اقطاب ادارة بوش مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رمسفيلد وغيرهما. ان هذا التحالف الظلامي بين التيار المسيحي المتطرف واللوبي الموالي لاسرائيل في اميركا من جهة، وبين اقطاب ذلك اللوبي وكبار رجال الادارة المرتبطين بالشركات الكبرى من جهة اخرى هو الذي ادى الى الاحتلال الاميركي للعراق وتعزيز الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية في فلسطين والجولان السوري. ولا ينبغي ان يساور العرب اي شك في ان المعركة للتخلص من هذين الاحتلالين هي معركة واحدة يجب ان يخوضوها بلا هوادة الى ان يزول الاحتلال ويسترد العرب سيادتهم وكرامتهم وارضهم وحقوقهم. ويجب الا يخشى العرب من التهديدات الاميركية والاسرائيلية او يحجموا عن مقاومة الاحتلال الاميركي - الاسرائيلي، فلكل قوة حدودها. والسؤال الآن هو: هل لضعف العرب وخوفهم وتقاعسهم حدود؟