"المدرسة لا تعطيني مالاً وأبي يضربني إذا عدت إلى البيت ولم احضره"، قال محمد حسن 9 سنوات بائع جوال لأشرطة الكاسيت، وتتراوح يومية محمد بين ال1000 و1500 ريال على حد قوله. وفي الجولة المنطقة نفسها تقف شقيقته سلوى 8 سنوات تبيع اللبان لاصحاب السيارات والمارة، وتقول: "أخرجني والدي من المدرسة بعد شهرين على بدء العام الدراسي، وأجبرني على العمل مع شقيقي في البيع على الطرقات". والوالد يعمل بائع مياه في الشوارع العامة والأسواق والجميع يعملون لتأمين إيجار البيت وتوفير لقمة العيش. أسرة محمد صُِّنفت من الجهاز المركزي للإحصاء ضمن فئة اليمنيين الذين يعانون الفقر المطلق، بحسب المسح الوطني لظاهرة الفقر، وتبلغ نسبة هؤلاء 34.9 في المئة من السكان. وأشارت دراسة اعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية مستندة الى آخر تعداد عام للسكان والمساكن في اليمن الى أن هناك 4.693.300 تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عاماً، يشكل الذكور منهم نسبة 51.7 في المئة والإناث 48.3 في المئة. وتظهر الدراسات أن الفقر حل مكان فقدان الأسرة عائلها في المرتبة الأولى بين مسببات عمالة الأطفال. عائشة 11 عاماً تتسول في حدة في العاصمة صنعاء، تقول: "أبي مات منذ سنتين ولم يعد لنا معيل بعده". عائشة هي الأكبر بين أخوتها الخمسة: "أختي وأخي يعملان في جولة قريبة من هنا، اخرج عند الثامنة صباحاً ولا أعود إلا في التاسعة مساء ولا أغادر عملي إلا للضرورة"، و"تفخر" عائشة بعملها كمتسولة ولا تفكر في تغييره لأن "البيع دخله قليل في حين أن التسول أرباحه وافية ودخله كبير". وتشتكي عائشة من مضايقات السائقين لها ولزميلاتها في الجولة "منهم من يطلب مني الصعود معه في السيارة أو يرفض إعطائي أي مبلغ ان لم أرفع النقاب عن وجهي". وأفادت دراسة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة اليمني ان عدد الأطفال العاملين في اليمن يبلغ نحو 400 ألف طفل يخوضون ميادين العمل بشتى أشكالها من السهل إلى الصعب والخطر، واللافت أن هذا العدد يمثل 10.5 في المئة من إجمالي القوى العاملة البالغة 52 في المئة. وأكدت الدراسة أن 32 في المئة منهم يتعرضون لتحرشات جسدية وجنسية واكثر من 10 في المئة يتعرضون للإساءة من أرباب العمل، وهناك 60 في المئة يقعون تحت خط الفقر. وأظهرت الدراسة أن 45 في المئة ممن هم في سن التعليم يتواجدون خارج المدرسة لمساعدة أسرهم وأن 15.6 في المئة يعملون ويدرسون، و93 في المئة من الأطفال يعملون من دون عقود عمل. ففواز11 عاماً قصد العاصمة من قرية تبعد نحو 200 كيلومتر للعمل مع والده ولم يجد سوى بيع الماء في فرزة صنعاء - الجديدة كدخل يومي يعينه ووالده على دفع إيجار الغرفة التي استأجراها للسكن. أما سليم اليوسفي 9 سنوات فيعمل محصلاً للنقود على حافلة يملكها والده، يخرج للعمل من السادسة صباحاً إلى الواحدة ظهراً ثم يذهب إلى المدرسة ويعود منها في السادسة مساء ليواصل العمل مع والده حتى الساعة العاشرة ليلاً. سليم في الصف الثاني الأساسي للمرة الثانية بعد أن رسب العام الماضي في جميع المواد "اعمل اكثر الأيام فوق الحافلة ولا أجد وقتاً للمذاكرة". ويعتبر الشارع اليمني الحاضن الأساسي لنسبة 45 في المئة من الأطفال ممن هم في سن التعليم، وبدلاً من أخذ العلم من قلاعه يأخذون العمل من قلاعه، وبالتالي يصبحون عرضة لسوء المعاملة من إيذاء جسدي ونفسي واعتداءات جنسية وحرمان. وأظهر عدد من الدراسات الاجتماعية التي شملت الأحداث والمنحرفين أن 49 في المئة من الجانحين ينحدرون من اسر تعاني العوز والفقر، وينحدر 25 في المئة من اسر محطمة اجتماعياً، و19.5 في المئة من اسر تعيش حالاً اقتصادية متوسطة، و6.5 في المئة من اسر ميسورة الحال. وأظهرت أن33.11 في المئة من الجانحين هم من أبناء العمال و39.9 في المئة من ابناء الفلاحين و36.7 في المئة يعيشون مع عائلاتهم في الأكواخ والغرف المنفردة. وبين كل 150 حدثاً يضبطون، هناك 100 وافدون من الريف إلى المدينة بحثاً عن عمل أي بنسبة 70 في المئة. وحددت الدراسة أنواع العمل التي ينخرط فيها الأطفال اليمنيون، فتنوّعت بين الزراعة والري والصيد والنجارة والحدادة واللحام والخراطة وطلاء السيارات ومحطات البنزين وتغيير زيوت السيارات وأعمال البناء والتحصيل فوق حافلات الأجرة والعمل كباعة متجولين في الجولات، وكذلك الصحف والمجلات، أو يعملون في محلات البقالة والمطاعم والمقاهي والمخابز والأفران والخياطة واللوكندات الشعبية واسواق القات والخضار. وأظهرت دراسة أخرى أن 50 في المئة يتعرضون للإهانات و8 في المئة لإعاقات دائمة وموقتة، وأن 42 في المئة من الأطفال يتعاطون القات والسجائر، و28 في المئة باعة متجولون و39 في المئة يمتد عملهم إلى 17 ساعة يومياً. ورأت مديرة إدارة التخطيط في المجلس الأعلى للأمومة والطفولة حسيبة شنيف أن ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن بدأت منذ التسعينات، اذ اصبح الشارع مأوى لبعض الأطفال يمارسون فيه نشاطاتهم اليومية بشكل غير منظم. وأوضحت انهم متشردون تشرداً جزئياً علاقتهم بأسرهم ضعيفة، أو كلياً انقطعت علاقتهم بأسرهم واصبح الشارع مأوى لهم يقضون فيه ليلهم ونهارهم. وأضافت شنيف ان من أهم أسباب هذه الظاهرة تفشي الفقر والتفكك الأسري والهجرة الداخلية والخارجية وانعدام الوعي لدى بعض الأسر وتدني المستوى التعليمي والثقافي والقصور في توجيه الأبناء وضعف الوازع الديني وانعدام الضمير لدى اسر هؤلاء الأطفال. واعتبر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنه قبل التفكير في ظاهرة عمالة الأطفال يجب أولاً التفكير في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد حلول سريعة للتخفيف من الفقر ومعدل البطالة المرتفع وتحسين دخل الفرد. وأضاف: "بدأنا تطبيق استراتيجية وطنية للتعامل مع الظاهرة على أنها السبب في تأخر نمونا الاقتصادي وتزايد مشكلاتنا، ونحن نحاول التدرج في الحلول نحو الأحسن والأفضل، ومنها حلول لمشكلة عمالة الأطفال، أو على الأقل حماية الأطفال العاملين ودعوة كل الجهات الحكومية والخاصة الى تعاون من اجل إنهاء هذه الظاهرة". أطفال يتظاهرون وفي بادرة تعتبر الأولى من نوعها في اليمن تظاهر ما يقارب 500 طفل من العاملين أمام مجلسي النواب والوزراء في العاصمة صنعاء، وحملوا لافتات وشعارات معبرة عن رغبتهم في العيش بعيداً من أسواق العمل وحقهم في الحصول على التعليم والتربية الصالحة والصحة والرعاية ورغبتهم في التخلص من شيء اسمه عمالة أطفال. ووقف أحد الأطفال يقول: "الجميل اننا بدأنا في التعرف الى حقوقنا لكن الأجمل أن تخرج الحكومة من ثوب الوعود لحل مشكلاتنا في اقرب وقت ممكن".