أراه هنا، أو هناك: عينُه الزائغة في نهر النكبات، منخراه المتجذّران في تُربة المجازر، بطنُه التي طحنتْ قمحَ الجنون في طواحين بابل لعشرة آلاف عام... أرى صورتَهُ التي فقدت إطارها في انفجارات التاريخ المستعادة تستعيد ملامحها كمرآةٍ لتدهشنا في كلّ مرّة بمقدرتها الباذخة على التبذير. وفي جبينه الناصع يمكنك أن ترى كأنما على صفحات كتابٍ طابورَ الغزاة يمرُّ كما في فيلم بالأبيض والأسود: إعطهِ أيَّ سجن ومقبرة إعطه أيَّ منفى أيَّ هنا، أو هناك ورغم ذلك يمكنك أن ترى المنجنيقات تدكُّ الأسوار لتعلو مرّة أخرى. وتصعدُ أوروك من جديد. مرثيّة إلى سينما السندباد هناكَ طريقٌ ترصّعها سقوفٌ قرميدُها غسلته الذاكرة حتى ابيضّ تحت سماءٍ بلغت أوْجَ حُرقتها حيث كلماتي تُريدُ أن تعلو مثل أدراجٍ مثل أصواتٍ ترتقي السُلّمَ الضائع في دفتر الموسيقيّ الذي ماتَ في السجن، نوطةً بعد أخرى. أعثرُ على ذاك المبنى وأفتحُ باباً على المهْوى: كلُّ آثارَ حياتي الغابرة، يسمّي ذاتَهُ بأسمائِه، هناك. ساقيةُ المواضي ما زالت تجري في الحُفر لكن أمواجَها أبطأُ من نبض سلحفاة. زماننا وكيف ضيَّعَ تذكراتِه! قالوا لي... انهم هدموا سينما السندباد! يا للخسارة. ومن سيُبحر بعد الآن من سيلتقي بشيخ البحر؟ هدموا تلك الأماسي؟ حجراً على حجر؟ قمصاننا البيضاء، صيفُ بغداد حبيباتنا الخفراوات حتى التجلّي... سبارتاكوس، شمشون ودليلة فريد شوقي، تحية كاريوكا، ليلى مراد؟ وهل يمكننا أن نُحبّ الآن؟ كيف سنحلمُ بعد اليوم بالسفر؟ الى أيّة جزيرة؟ هدموا سينما السندباد؟ ثقيلٌ بالماء شعرُ الغريق الذي عاد الى الحفلة بعد أن أطفأوا المصابيح وكوّموا الكراسي على الشاطئ المقفر وقيّدوا بالسلاسل أمواجَ دجلة.