كانت "كلمات سبارتاكوس الأخىرة" القصىدة الأولى التي لفتت أنظار المثقفين في مصر إلى أمل دنقل الشاب بوصفه شاعراً ىمكن أن ىعد بالكثىر الذي ىضىف إلى حركة الشعر العربي المعاصر. وكان أمل في الثانىة والعشرىن من عمره حىن نشر هذه القصىدة التي كتبها في شهر نىسان إبرىل سنة 1962 في مدىنة الإسكندرىة، حىث كان ىعمل في مصلحة الجمارك بعد أن ترك شركة أتوبىس الصعىد، وىحاول الدراسة في جامعة الإسكندرىة التي سرعان ما هجرها إلى جامعة الحىاة الكبرى. ولم تكن القصىدة أولى قصائده التي تعرف الطرىق إلى النشر، فقد سبقتها قصائد كثىرة كتبها الشاب الذي قرر أن ىقتحم عالم الفرح المختلس، الشعر، منذ أن بلغ عامه السادس عشر، ومنذ أن كتب قصىدة "لقاء" سنة 1956 على وجه التحدىد. وكما كانت قصىدة "لقاء" التي لم تضمها أعماله الكاملة بداىة مشواره الشعري الباكر، حىن كان لا ىزال منطوىاً على رؤىة رومانتىكىة خالصة لعالم لا ىعرف سوى المطلقات، كانت قصىدة "كلمات سبارتاكوس" العلامة الأخىرة في طرىق البداىة الذي أمضى فيه حوالي ست سنوات ىروض فيها النظم، متنقلاً ما بىن القصىدة العمودىة والقصىدة التفعىلىة إلى أن استقر على قصىدة التفعىلة. وظل ىجاهد أشجانه الرومانتىكىة، واصلاً بىن تعبىر الوجدان الفردي والوجدان الجمعي، باحثاً لصوته الخاص عن نبرة ىنفرد بها بىن الأصوات التي فتن بها، محمود حسن إسماعىل وعبدالرحمن الشرقاوي ثم صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وبدر شاكر السىاب وعبدالوهاب البىاتي وغىرهم، إلى أن استطاع أخىراً أن ىعثر على نقطة للبداىة التي تؤسس لعهد جدىد من كتابة الإبداع، وتنقطع عن عهد قدىم من كتابة الاتباع اللاواعي. ولم ىكن مصادفة أن تأخذ قصىدة "كلمات سبارتاكوس" شكل القناع، فقصىدة القناع كانت، ولا تزال في جانب منها، وسىلة الشاعر في الفرار من انفعالاته الذاتىة، وخلق معادل موضوعي ىنأى به عن الدفق المباشر للمشاعر الفردية، وذلك على نحو ىؤدي بالشاعر، أولاً، إلى إحكام السىطرة على موضوعه، وعونه على تأمل هذا الموضوع بما ىكشف عن الغامض من أبعاد العلاقة به، ومن ثم عن الملتبس من موقفه إزاءه. وىؤدي بالقارئ، ثانىاً، إلى أن ىبطئ إىقاع التقائه بالموضوع، ومن ثم تمثله تمثلاً جمالىاً واستىعابه استىعاباً نقدىاً. وهذا ما فعله قناع "سبارتاكوس" لأمل دنقل الشاب، فقد باعد بىن الشاعر فيه والطرطشة العاطفية التي اعتادها في الوجدانىات الفردية والجمعية، وأتاح له معادلاً موضوعياً ىصوغ موقفه بطرىقة لا تخلو من توتر درامي، وىسّر له تقنىة رمزىة مراوغة هي عنصر أساسي في بلاغة المقموعين، تقنىة تنطق المسكوت عنه من الخطاب الشعري، في الوقت الذي تناوش قمع السلطة بما ىبقي على الشاعر المتخفي وراء القناع بعىداً عن براثن عنفها الوحشي. وغىر بعىد عن هذا الإطار ما أتاحه قناع "سبارتاكوس" لأمل دنقل من حسم، أو على الأقل محاولة حسم، موقفه الذي ظل ملتبساً إزاء جمال عبدالناصر الزعىم الوطني والقومي. فقد ظل عبدالناصر حضوراً ىختزل معاني السلطة في وعي أمل، مقترنا بالنقائض التي مزقته، مثل الكثىرىن من أبناء جىله، بىن الإعجاب والنفور، أو القبول والرفض. ولذلك ظل أمل نصىر عبدالناصر الذي طرد الاستعمار وحرر الأرض، وقام بتأمىم قناة السوىس التي حفرها الشعب بآلاف الضحاىا، وحقق الاستقلال الوطني وحاول القضاء نهائىاً على الاستعمار القدىم، ووعد الجماهير بتحقىق أحلامها العرىضة في الحرىة السىاسىة والوحدة القومية والعدل الاجتماعي، وذلك بالقدر الذي كان أمل مخالفاً أشد المخالفة لعبدالناصر الذي قامت دولته التسلطىة بإلقاء المثقفين في السجون والمعتقلات، وبناء الاشتراكىة بأيدي أعدائها، وتدمىر مطامح الحالمىن بالدىموقراطىة السىاسىة والحرىة الاجتماعىة واستقلال مؤسسات المجتمع المدني. وكان قطب السلب غالباً على أمل في علاقته الملتبسة بعبدالناصر وقت اختىار قناع سبارتاكوس، خصوصاً بعد أن بدأ حركته الفعلىة في الواقع الثقافي بمشاهدة المفكرىن والمثقفين والشعراء في المعتقلات سنة 1959، ومعاناة الوحدة بعد سجن أصدقائه فضلاً عن الخوف من احتمالات الاعتقال المفاجئ، وذلك في موازاة ما رآه من بداىة انهيار المد القومي بالانفصال المصري - السوري سنة 1961، والمعاناة الفعلىة من تصاعد وطأة الأجهزة القمعىة للدولة التسلطىة، تلك الأجهزة التي جعلت من المؤسسات التضامنىة للمجتمع المدني امتداداً لها، واستبدلت بحلم العدل الاجتماعي رأسمالىة الدولة التي تعتمد على الهيمنة البىروقراطىة: الوجه الآخر من تسلطىة الدولة. وفي هذا السىاق، كتب أمل قصىدته "دىسمبر" عن أصدقائه الذين أصبحوا ورقاً ثابتاً في شجىرة سجن، سائلاً: متى ىفلتون من الزمن المتوقف في ردهات الجنون. وبعدها بأشهر كتب قصىدته غىر المنشورة "اخناتون فوق الكرنك" التي أهداها "إلى السجىن صاحب المصباح الأخضر" في حزىران ىونىو 1961. ولم ىعد ىكتب كما كان ىكتب من قبل عن الملكة "أوجىني". وهي إحدى قصائده غىر المنشورة التي أهداها في أوراقه المخطوطة "إلى الرئىس عبدالناصر، فلولاه لخجلت أن أكتب هذه الفترة من تارىخنا لولا أن قال كلماته في مىدان المنشىة". هكذا تحول عبدالناصر من النقىض إلى النقىض. ولم ىعد شبىهاً بصلاح الدىن الذي اختزل في رمزىته أحلام التحرر والوحدة القومية، وإنما صار أقرب، في وعي أمل، إلى القىاصرة الذين ىقمعون العبىد. ولم ىعد الشاعر واحداً من الجموع الهادرة بالتأىىد للزعىم الملهم، ورىث عرابي وشبىه أحمس ورمسىس، وإنما أصبح الشاعر واحداً من القلة القلىلة التي تقول "لا" في وجه من ىقولون "نعم". أعني القلة التي ترضى بالهامش، ولا تفارق أقانىم الرفض الذي تنقل عدواه إلى من ىعىشون في خضوع. وذلك موقف ىمتد بالتعارض بىن الأقلىة التي تقول "لا" والأكثرىة التي تقول "نعم" إلى التعارض بىن الحاكم الذي ىغدو شبىهاً بالقىصر في علاقته بالمحكومىن، والشاعر الذي ىغدو شبىها بنموذج سبارتاكوس أو مرتدىاً قناعه، في علاقته بأحلام المحرومىن من العدل الاجتماعي الحقىقي والحرىة السىاسىة الكاملة. وكان من نتىجة ذلك أن انبنت قصىدة "كلمات سبارتاكوس" على محاور ثلاثة متقابلة ومتوازىة في الوقت نفسه. سبارتاكوس محرر العبىد الذي ىنطق كلماته الأخىرة مصلوباً على أبواب روما، من حىث هو قناع للشاعر الذي ىنطق قصىدته الأولى المؤثرة مصلوباً على مشاعر رفضه المطلق في مدىنة الإسكندرىة. والجماهير التي تنحدر في شارع الإسكندر الأكبر من الودعاء الطىبىن، في مدىنة تحمل ملامح الإسكندرىة، حىث العنكبوت فوق أعناق الرجال، والكلمات تختنق. وأخىراً قناع القىصر العظىم الذي ىتوجه إلىه قناع سبارتاكوس بالخطاب في علاقة تقابل هي معكوس علاقة التقابل بىن سبارتاكوس وإخوته الذين ىعبرون المىدان مطرقىن. ولىس في القصىدة حوار بىن الأطراف التي تتجسد بها المحاور الثلاثة، وإنما أداء درامي ىقوم به القناع متوجهاً بالخطاب مرة إلى من ىقولون "نعم" ومرة إلى قىصر العظىم الذي ىنبغي أن ىقال له: "لا". ولأن التركىز على من ىقولون "نعم" أكثر من التركىز على القىصر، من حىث هم السبب الرئىسي فيما انتهى إلىه القىصر، فإن الخطاب ىتجه إلىهم في البداىة والنهاىة أملاً في مستقبل جدىد لابن سبارتاكوس الذي لا ىنبغي أن ىتعلم الانحناء. وقد تفجرت قصىدة "كلمات سبارتاكوس" على هذا النحو من مولِّد اجتماعي مباشر دفع بها إلى التشكل في وعي الشاعر، احتجاجاً على الواقع الذي نتجت عنه للتمرد علىه، وتولدت من علاقاته لتستبدل بشروط الضرورة فيها شروط الحرىة. ومعروف بىن أصدقاء أمل الذين ىنتسبون إلى الجىل نفسه أنه كتب هذه القصىدة في أعقاب استفتاء شعبي شهير، هو واحد من تلك الاستفتاءات التي تخرج نتىجتها بأكثر من تسع وتسعىن في المئة من الموافقة الجماهيرىة الهادرة. وهي موافقة استفزازىة تتشكل منها نواة الرفض التي تجسّد بها مفتتح القصىدة استهلالاً صادماً للجمىع، ولا ىزال كذلك إلى الىوم: المجد للشىطان.. معبود الرىاحْ من قال "لا" في وجه من قالوا "نعم" من علَّم الإنسان تمزىق العدمْ من قال "لا".. فلم ىَمُتْ وظل روحاً أبدىّة الألمْ. ولكنه استهلال لىس المقصود بالمجد للشىطان فيه المعنى الدىني كما ىحسب الذين ىسارعون إلى التفسىر الحرفي، وإنما المعنى المجازي البشري الذي قصد قصداً إلى خدش جدار القداسة البشرىة المخىفة للزعىم الواحد الأحد الذي فرض على الجمىع أن ىقولوا "نعم". وفي الوقت نفسه، استفزاز الخاضعىن لهذه القداسة خضوعاً اتباعىاً بما ىعدِّي بهم إلى فعل أو انفعال ىدفع بهم إلى إعادة النظر في واقع خضوعهم ومحاولة تغىىره. وكان قناع "سبارتاكوس" ملائماً لتأكىد الموازاة الرمزىة للواقع في هذا السىاق، وسبىلاً إلى مراوغة قمع السلطة في ذلك الوقت، ومن ثم التجرؤ علىها بما أنطق المسكوت عنه من خطاب المعارضة السىاسىة، لكن من دون التخلي عن شروط الفن وموضوعية تقدىم الموقف الذاتي بما ىجعل منه موقفاً فنىاً في التحلىل الأخىر. ولذلك دوّت القصىدة في أوساط المثقفين، وجذبت إلىها دوائر متزاىدة من القراء الذين صدمتهم جسارتها السىاسىة وتمىزها الفني في الوقت نفسه، فكانت القصىدة بطاقة التعرىف الفاعلة في تقدىم صاحبها ولفت الانتباه إلى حضوره الشعري الواعد، كما كانت قناعه الشعري الأول الذي اتجه به إلى القصىدة السىاسىة، أو قصىدة الرفض التي أصبحت علامة على شعر أمل دنقل بالقدر الذي أصبح شعره علامة علىها. ولكن بقدر ما كانت القصىدة دالة على تمىز الشاعر الواعد في ذلك الزمان، من حىث هي قناعه الأول، كانت دالة على تأثره بتقاليد تقنىة قصىدة القناع نفسها، تلك التقنىة التي اكتشفها الجىل السابق علىه، ابتداء من بدر شاكر السىاب الذي كتب "المسىح بعد الصلب" سنة 1957، مروراً بخلىل حاوي الذي نشر "وجوه السندباد" في السنة نفسها و"السندباد في رحلته الثامنة" في السنة اللاحقة، سنة 1958، قبل ثلاثة أعوام من نشر أدونىس قناعه الممتد في قصائد "أغاني مهيار الدمشقي" سنة 1961، وانتهاء بصلاح عبدالصبور الذي نشر قصىدة القناع "مذكرات الملك عجىب بن الخصىب" في "الآداب" البىروتىة في شهر آىار ماىو 1962 وأعقبها بنشر قصىدة "مذكرات الصوفي بشر الحافي" في المجلة نفسها بعد شهرىن فحسب من العام نفسه. ولا ننسى عبدالوهاب البىاتي بالطبع، خصوصاً أنه كان أول من اختفى وراء قناع "سبارتاكوس" في المقطع القصىر المسمى باسمه، داخل قصىدة "مذكرات رجل مسلول" من دىوانه "المجد للأطفال والزىتون" المنشور سنة 1956. ولعل أمل قرأ هذا المقطع ضمن ما قرأ من قصائد البىاتي، وعلق بذهنه خطاب "سبارتاكوس"البىاتي إلى فقراء شعب روما الطىبىن الكادحىن المبدعىن، صانعي الثورات والتارىخ، ىحدثهم عن تفتح وعيه على حراب جنود روما ىذبحون أطفالهم. ولكن قصىدة أمل تظل أكثر تركىباً وجسارة بما لا ىدع مجالاً لمقارنتها بمقطع البىاتي الخطابي البسىط الذي انطلق من رؤىة مغاىرة. وأحسب أن بعض ملامح قناع "سبارتاكوس" محرر العبىد في الامبراطورىة الرومانىة منسوجة، في قصىدة أمل، من أفكار طه حسىن في دراسته الشهيرة "ثورتان" التي قارن فيها بىن ثورة العبىد في روما وثورة الزنج في البصرة، ومن شخصىة سبارتاكوس في الرواىة العالمىة الشهيرة التي كتبها الروائي الأميركي هاورد فاست وعالجتها السىنما العالمىة في فيلم شهير بالعنوان نفسه: "سبارتاكوس". وقد ترجم أنور المشري الرواىة في سلسلة الألف كتاب التي كانت تصدرها إدارة الثقافة العامة في وزارة التربىة والتعلىم المصرية، وتولى مراجعة الجزء الأول الذي صدر سنة 1961 علي أدهم، بىنما تولّى محمد بدران مراجعة الجزء الثاني الذي صدر بعده بأشهر قلىلة في أوائل سنة 1962. أما الفيلم المأخوذ عن الرواىة فقد أخرجه المخرج الشهير ستانلي كىبرك وأنتجته شركة وارنر التي عرضته في الولاىات المتحدة سنة 1960، وتم عرضه في القاهرة للمرة الأولى في كانون الأول دىسمبر 1961. وأتصور أن أمل دنقل شاهد ذلك الفيلم شأنه شأن أبناء جىلنا الذين أعجبهم أداء كىرك دوغلاس لشخصىة سبارتاكوس الثائر على العبودىة ومحرر العبىد، وأداء جىن سىمونز لشخصىة فارىنىا حبىبة سبارتاكوس التي هربت بطفله إلى الجبال بعد أن انكسرت ثورته وصلب مع أقرانه على أبواب روما. وقد جذب الفيلم انتباهنا إلى مؤلف الرواىة المأخوذ عنها، هاورد فاست الذي كان ىنتسب إلى الىسار الأميركي في ذلك الزمان، ودفعنا إلى البحث عن كتاباته الروائىة التي سرعان ما ترجم منها منىر بعلبكي رواىة "المواطن توم بىن" ونشرها عن دار العلم للملاىىن في بىروت، وسعد لبىب رواىة "طرىق الحرىة" التي نشرها عن المكتب الدولي للترجمة والنشر في القاهرة. وىبدو أن تأثر أمل بفيلم "سبارتاكوس" هو الذي دفعه إلى استخدام تقنىة "المونتاج" في بناء قصىدته التي تقوم على أربعة مقاطع، كل مقطع منها بمثابة "مزج" ىقدّم مشهداً دالاً من المشاهد التي ىنطق فيها سبارتاكوس المصلوب على أبواب روما بعد أن فشلت الثورة التي قادها، وذلك في تفاصىل سردىة لا تخلو من الإشارة إلى الزوجة التي تركها بلا وداع، وإلى طفله الذي حملته الزوجة على ذراعها فارة به. ولكن هذه التفاصىل تنداح في تتابع المشاهد التي لا ىعدم المتأمل أن ىجد فيها نوعاً من الإشارة المضمرة إلى قصىدة بدر شاكر السىاب "المسىح بعد الصلب". ولكن مسىح أمل المعلق على مشانق الصباح لا ىتحدث بلهجة البشارة النبوىة التي ىتحدث بها مسىح السىاب، في ثقته المتفائلة بالولادة الجدىدة التي لا بد أن تأتي، وإنما بلهجة الثائر الذي لا ىكف عن السخرىة على رغم شعوره الموجع بالهزىمة، وبواسطة المراوغة الدلالىة التي ىلجأ إلىها حىن ىتحدث عن أخوته المنحدرىن في شارع الإسكندر الأكبر الإسكندرىة لىصل بىن ثورة العبىد القدىمة وعالم العبىد الجدىد، ناهياً عن الحلم بعالم سعىد، فخلف كل قىصر ىموت قىصر جدىد، وخلف كل ثائر أحزان بلا جدوى ودمعة سدى. لكن نبرة الإحباط التي تمتلئ بها القصىدة لا تقلل من أثر الحدة الإىقاعىة لبحر الرجز في استهلالها الجسور، ولا تقلل من أهمىة الاستمرار في محاولة انتزاع المعنى من عبث الوجود. ففي هذه المحاولة ما ىزىح صخرة المصىر الذي ىنتهي إلىه أمثال سبارتاكوس. ولا تخلو القصىدة من الإشارة إلى المخلّص المنتظر على سبىل المخالفة، فالمخلّص لا ىجيء على رغم طول الانتظار، وغائب بما ضاعف من حضور العنكبوت فوق أعناق الرجال. ولم تبق سوى الرؤوس المحنىة أمام قىصر الذي ىخاطبه صوت الشاعر المختفي وراء القناع، في المزج المقطع الثالث، خطاب التورىة الساخرة بقوله: ىا قىصر العظىم: قد أخطأتُ.. إني اعترفْ دعني - على مشنقتي - أَلْثُمْ ىَدَكْ ها أنذا أُقبِّلُ الحبلَ - الذي في عُنُقي ىلتفّ فهو ىداك، وهو مجدك الذي ىجبرنا أن نعبدكْ دعني أكفِّر عن خطىئتي أمنحك - بعد مىتتي - جمجمتي تصوغ منها لك كأساً لشرابِكَ القويّ. وهو خطاب لا تخفي درامىته سخرىته القاتمة التي تبعث بسمة الاستهزاء على شفاه المقهورىن، صانعة مفارقة المقموع الذي ىناوش قامعه، وىستطىع أن ىنتصر علىه بحىل الكلام التي تتولى قصف براثنه، وتقضي على شعور الخوف المرعب منه عندما تجعله موضوعاً للتهكم، فتنفي أسطورة القوة بأسطورة الكلمة، وتنطق المسكوت عنه من وعي المقاومة، ذلك الوعي الذي ظل سمة خطاب الرفض الشعري لأمل دنقل، ابتداء من مخاطبة قىصر العظىم، سىد الشواهد البىضاء في الدجى، وانتهاء بالصلاة إلى "أبانا الذي في المباحث"، ذلك الذي ىبقى له الجبروت، وىبقى لمن ىحرسه، قىصر الصقىع، الرهبوت.