سمعت الأميرة فاضلة حفيدة آخر السلاطين العثمانيين خبر مقتل الملك فيصل الثاني من جهاز الراديو في صالة المدرسة، بعد أسابيع على اعلان خطوبتهما، فعاشت فترة في حال ذهول تام... طريقة تعارفهما... التحضيرات لزواج لم يتم... زيارات سليلة السلاطين والملك... الأحداث العراقية الدامية صبيحة 14 تموز يوليو 1948... اغتيال العائلة المالكة... نعيشها من خلال انطباعات الأميرة صبيحة جدة الأميرة فاضلة التي سجلتها خلال زيارتها بغداد... لو لم يقع 14 تموز في 1958، ولو لم يقتل الملك فيصل الثاني لكانت خطيبته الأميرة فاضلة ملكة العراق. ولما شهد العراق ما شهده من دمار وحروب وحصار اقتصادي مرير على يد العهد الصدامي البائد، ولما كانت القوات الأميركية موجودة على أراضيه كقوات احتلال. تعود خيوط التطورات الحالية التي يعيشها العراق الى الأحداث الدامية التي بدأت صبيحة 14 تموز 1958، ولولا ذلك اليوم لما عرف العالم صدام الذي بقي جاثماً ومتسلطاً بالحديد والنار والارهاب مدة 35 عاماً على رقاب الشعب العراقي، ولما وقعت حرب السنوات الثماني مع ايران، ولما احتلت الكويت، ولما عاش العراق المآسي والكوارث. في صباح ذلك اليوم، كانت الاستعدادات قائمة في مطار يشيل كوي في اسطنبول لاستقبال الملك فيصل الثاني، وكان رئيس الوزراء عدنان مندريس على رأس الوفد الذي كان ينتظر وصول الملك العراقي. إلا أن الجميع فوجئ بوقوع الانقلاب في العراق. لم تعرف عائلة فاضلة، تفاصيل الأحداث المروعة للانقلاب إلا بعد أيام عندما علمت بمصير الأمير عبدالله ورئيس الوزراء نوري السعيد والملك فيصل البالغ من العمر 23 سنة، والذي أصيب بجروح بليغة ومنع الانقلابيون الأطباء من اسعافه وتركوه ينزف حتى الموت. ثم بدأ المهرجان الدموي بسحل جثتي عبدالإله ونوري السعيد في شوارع بغداد. كانت علاقات العراق مع تركيا في أوج ازدهارها. بدأت قصة خطوبة الملك فيصل الثاني من الأميرة فاضلة حفيدة آخر السلاطين العثمانيين وحيد الدين في صيف 1957. فاضلة سليلة السلاطين ولدت فاضلة في باريس عام 1940. أمها زهرة خانزاده كريمة عمر فاروق أفندي نجل السلطان عبدالمجيد الثاني، وابنة الأميرة صبيحة، كريمة آخر السلاطين العثمانيين وحيد الدين... اضطرت الى مغادرة تركيا مع عائلتها في العام نفسه وهي ابنة أربعة أشهر، عقب صدور قرار من الحكومة التركية بنفي كل من ينتمي بصلة القرابة الى عائلة السلطان العثماني. وبذلك انتقلت مع عائلتها بين نيس والقاهرة والاسكندرية. بدأت بعد 1945 بزيارة تركيا في فترات مختلفة وكانت تزوجت الأمير محمد علي ابراهيم في القاهرة عام 1940. توفيت في باريس عام 1977. وبالتالي فإن الأميرة فاضلة، عثمانية من جهة الأم، ومصرية من جهة الأب. كانت فاضلة ذات جمال فاتن أخاذ تعرفت الى الملك فيصل في حزيران يونيو عام 1954 في حفلة اقيمت في بغداد أثناء زيارة عائلتها عاصمة العراق. وكان لقاؤهما الثاني في فرنسا بعد سنة من التعارف، حيث قررا الزواج. زار الملك فيصل اسطنبول عام 1957 والتقى فاضلة في جولة بحرية على متن يخت الأميرة خانزاده. وتكررت اللقاءات وتوثقت عرى العلاقات العاطفية بينهما. فأعلنت الخطوبة في 13 أيلول سبتبر 1957 في قصر أبو بكر حيث طلب تقدم الملك رسمياً للزواج منها. بعد يومين من عودة الملك الى بغداد أعلن رئيس التشريفات علي جودت نبأ الخطوبة. توجهت فاضلة بعد اعلان الخطوبة رسمياً، الى فرنسا ومنها الى لندن لتلقي دروس في مدرسة فينشينك اسكول استعداداً للزواج. كان الملك يقوم أحياناً أثناء زيارته لاسطنبول بزيارة خطيبته فاضلة، يقومان بزيارة بعض الدول الأوروبية، وتنشر الصحف والمجلات صوراً مختلفة للخطيبين السعيدين. كما قامت الأميرة بزيارة بغداد مع والديها قبل الانقلاب بأسابيع عادت بعدها الى مدرستها في لندن. وقع خبر مقتل الملك على خطيبته فاضلة كالصاعقة بعد استماعها الى نشرة أخبار الإذاعة البريطانية، من جهاز الراديو في صالة المدرسة. انهمرت الدموع من عينيها الخضراوين، وهرعت زميلاتها يواسينها تخفيفاً، إلا أنها عاشت وهي في حال ذهول تام فترة طويلة. يوميات الأميرة صبيحة الأميرة صبيحة ابنة السلطان وحيد الدين آخر السلاطين العثمانيين جدة الأميرة فاضلة من ناحية أمها. كانت بين الذين سافروا الى بغداد لإكمال استعدادات الزواج. زارت الأميرة صبيحة بغداد في نيسان ابريل 1958 مع ابنتها الأميرة خانزاده وصهرها الأمير محمد علي ابراهيم والأميرة فاضلة، وسجلت انطباعاتها الشخصية خلال الزيارة التي استمرت أسبوعين. بقيت تكتب يومياتها بعد اغتيال أفراد العائلة المالكة: 20 نيسان: انطلقت بنا الطائرة في منتصف الليل الى بغداد، التي وصلناها في الرابعة والنصف صباحاً وانطلقنا مع أفراد العائلة كلها الى قصر الزهور. بعد وصولنا الى القصر صعدنا الى الطابق العلوي للاستراحة بعد الغداء قمت بزيارة المدينة مع فاضلة وصهري. توجهنا بعدها الى قصر الملك حيث تناولنا طعام العشاء معاً وقضينا وقتاً ممتعاً. حدثت مع عبدالاله وتحسين باشا حديثاً مطولاً، وقلت لهما بأن الزواج سيكون ايجابياً للملك من ناحية تنظيم حياته الشخصية والرسمية. خلال الزيارة كان الملك منشغلاً بالحديث مع فاضلة. عدنا الى الجناح المخصص لنا في الساعة الثانية بعد منتصف الليل. 22 نيسان: خرج الملك مع فاضلة للنزهة. تحدثت الى تحسين باشا. أعددنا قائمة بأسماء السيدات اللواتي تمت دعوتهن الى حفلة الشاي التي ستقام في 30 نيسان ابريل. غداً في العاشرة صباحاً ستقوم بزيارة القصر الجبلي للملك. 14 تموز 1958: أبلغتني الأميرة وجدان في العاشرة صباحاً وهي في حال متوترة، ان ثمة اضطرابات في العراق مما سيؤخر وصول الملك الى اسطنبول. اتصلت فوراً بالسفير العراقي في أنقرة فأبلغني بالكارثة التي وقعت في بغداد. وبدأت الصحف تنشر أخباراً متناقضة عما يحصل في العراق. أرسلت برقيات الى معارف خانزاده للاستفسار عنها فعلمت انها تركت مدينة كان. كما بعثت ببرقية الى ابنتي درشهور ابنة السلطان عبدالمجيد التي كانت تعيش في لندن لمعرفة وضع فاضلة البائسة. لا نعرف حتى الآن عن الأوضاع غير ما تردده الإذاعات وما تنشره الصحف. 15 تموز: وصلتني برقية من فاضلة، تذكر فيها انها في وضع جيد. أشارك آلام هذه المسكينة من كل قلبي. ذهبت لزيارة زوجة السفير لعلني أحصل منها على أنباء جديدة، فتبيّن انها لا تعرف أكثر مما أعرفه أنا. 16 تموز: استلمت برقية من خانزاده والدة فاضلة تبلغني فيها انهم وصلوا الى لندن، وتطلب فيها مني أن أتصل بالسفير لمعرفة المزيد من الأخبار. خابرت السفير فأبلغني أنه سيتحدث الى خانزاده. 17 تموز: لم تتحدث خانزاده أمس الى السفير من لندن. ستصل هذا المساء الى اسطنبول وتتحدث اليه من هنا. 18 تموز: التقت خانزاده السفير. وبعثت لها برسالة يوم أمس، طلبت فيها ألا تفرط في التفاؤل. فلا شيء يدعو الى التفاؤل حتى الآن في مصير الملك. بدأت أتقبل الواقع المرير المؤلم شخصياً. قلبي يحترق على الملك البريء الذي كان يتقد شباباً وفطنة. حينما أتذكر طيش عبدالإله أقول: يا الهي لماذا كان غافلاً عما كان يحاك لهم من تآمر الى هذا الحد! أصاب بالعجز والاحباط ولا أجد مبرراً واحداً للكارثة التي حدثت. في هذه الليلة تحدث الملك حسين ملك الأردن في مؤتمر صحافي عن التطورات الدامية في العراق. آه يا لحظ فاضلة التعس! لقد أصبحت مثل حمل وديع ضحية لهذه الحوادث المفجعة. سحقاً للغفلة التي تسببت بهذه المأساة. لا أجد في العائلة من هو أكثر تعاسة منك يا فاضلة! بعد سنوات من اغتيال خطيبها الملك فيصل الثاني، تزوجت الأميرة فاضلة من الدكتور خيري اوركوبلو نجل رئيس وزراء تركيا الأسبق سعاد اوركوبلو، ورزقت منه ولدين: علي وسليم. وعلى رغم ذلك ثم طلاقهما في 10/12/1965، ثم بدأت عام 1980 في العمل في اليونسكو.