أصحابها يقولون أنهم يقدمون خدمات للشباب المسلم لا توفرها لهم العائلات والوكالات الفرنسية، والشرطة تراقبها عن كثب حتى لا تتحول إلى أماكن لتجارة الجنس، وبعض الذين سقطوا في الفخ دفعوا عشرات الآلاف من الفرنكات ولم يتمكنوا من دخول القفص الذهبي. انها وكالات الزواج الاسلامي في فرنسا. كل شيء بدأ مع إعلان دعائي في محطة راديو موجهة الى الجاليات العربية الإسلامية. الموسيقى الجزائرية مطلوبة بكثرة في أعراس العاصمة والوسط بصفة عامة. صوت نسائي يبالغ في الإشادة بالزواج كونه نصف الدين وان الوحدة في ديار الغربة ليست سهلة وتؤثر سلبا على استقرار الفرد وعلى مستقبله المهني. هذه "الفلاشات" الدعائية تضمنتها شهادة امرأة ورجل كانت الوكالة ذاتها فاتحة دخولهما قفص الحياة الزوجية. وكما جرت العادة ينتهي الإعلان بقراءة مكررة لأرقام الهاتف وعنوان الوكالة. الحصول على موعد لا يتطلب التسجيل في قائمة انتظار طويلة. ولا تتردد أقسام الوكالة في تقديم مجموعة من الحلول والاختيارات المختلفة عن عادات الفرنسيين الذين يعملون في المهن نفسها. وعلى سبيل المثال بإمكان الراغبين من الزبائن أن يتم استقبالهم بعد ساعات الدوام حتى التاسعة ليلا، خصوصاً أن مديرة الوكالة بين سكنها ومقر عملها. ولم تختر حي "بارباس" لأنه من حق العرب أن يغيروا الأجواء ويخرجوا من "الغيتوهات" التي ابتلوا بها منذ عشرات السنين. وتبرر هجرتها حي "بارباس" واختيارها وسط باريس بالقرب من حي "الأوبرا" الراقي برغبتها في أن تمتد خدماتها إلى جاليات أخرى من المشرق العربي. والأمر غاية في المنطق بالنظر إلى عدم ترحيب تلك الجاليات خاصة التي تأتى من دول الخليج المرفه بفكرة التجوال في حي بارباس خوفا من الاعتداءات والسرقة. وصاحبة الوكالة ليست غبية حتى تفرط في زبائن تقول الشائعات أنهم كرماء فوق اللزوم ولا يجهدون أنفسهم في عمليات الحساب خاصة عندما يتعلق الأمر بالنصف الثاني. حاملة دبلوم في علم النفس من جامعة جزائرية، وهي من مدينة داخلية معروفة في المخيلة الشعبية للجزائريين بجمال عيون نسائها، لم تشذ عن هذه القاعدة. نحيفة في الأربعينيات من العمر. حلت في فرنسا قبل 12 عاماً. "بانتالون" جينز وحذاء من دون كعب وقميص اسود يكشف عن صدر ممتلئ يبدو أنه لم يتأثر كثيرا بأعراض الأمومة والرضاعة. الابتسامة لا تفارق شفتيها السينمائيتين. تبادرك "أهلا بك، فنجان قهوة؟!". الصالون مؤثث على الطريقة المغربية والأضواء باهتة و"اكواريومش فيه سمك أحمر، وقد صفت على جدران الغرفة عشرات الصور التذكارية لمتزوجين عن طريق الوكالة. ورود وأزهار على الطاولة و"ألبومات" متناثرة تجمع صور رجال ونساء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية يدفعون مالا من اجل الزواج!!! "من المفروض ألا تشاهد الصور في المرة الأولى، لكن أنت محظوظ لأنك جئت من طرف صديق غال...". قلما شاهدت امرأة بهذه الأريحية في الكلام وبكل اللغات المنتشرة في الجزائر وبلاد الشمال الإفريقي، وحتى اللهجة المصرية ليست غريبة عنها لأنها عاشت في الجزائر في زمن "حان الآن موعد الفيلم العربي". وتقول "في العادة ألتقي أي زبون لمدة تتراوح بين 30 دقيقة إلى ساعة أو أكثر. وهذه المدة لها ثمنها بصرف النظر عن قبول الزبون مواصلة مشوار البحث عن الطرف الثاني أم لا. 60 يورو للجميع والشيكات لا تُقبل إلا على مضض. أنت تعرف بعض الشباب كيف يتلاعبون بالشيكات المزورة، ولدي قائمة منهم إذا أردت التفرج عليها. هدفي من هذا اللقاء الاول معرفة الشخص من الناحية النفسية، حيث أسعى لتكوين صورة متكاملة عن شخصيته. عادة أحبذ الاستماع الى الشخص الذي يجلس أمامي، لكنني أملك مجموعة من الأسئلة المهمة والحاسمة وبناء على الأجوبة ترتسم لدي ملامحه الأساسية. وهذه بطاقة معلومات يقوم الزوار بتعبئتها وتوقيعها وهي عقد بين الزبون والوكالة، ويتضمن تقييدا للخدمات التي سيستفيد منها الزبون خلال مدة العقد الممتدة إلى 6 اشهر. نحن نلتزم بشكل عام بتقديم مجموعة من الصور للمعني بالأمر، وهو يختار بينها المرأة التي يريد الالتقاء بها، والكلام ذاته ينطبق على العنصر النسائي. ونعتمد على أقوال الزبون خلال الجلسة الأولي والمعلومات التي سجلها في بطاقة المعلومات لكي نختار ونرشح له أطرافا تتوفر على صفات وملامح قريبة من الشخص الذي يتمناه". هذه المهمة ليست مختلفة البتة عما كانت تقوم به نساء مسنات في الجزائر، حيث تولت دور "المزوجات". والأمر ليس مرتبطا بالمدن الداخلية والأرياف فقط، لأن الحياة في المدينة لم يُعد النظر نهائيا في تدخل الأساليب التقليدية في اختيار الزوج. وتتابع "أبناء المهاجرين، أطباء ومهندسين...الخ، يقصدونني للزواج. هناك من يقول أن اقتراحات والدته ليست مناسبة، لكن معظمهم يقول أنه يبحث عن زوجة متعلمة وعاملة وتنحدر من أصول عربية، لكنها غير جاهلة بمقتضيات العيش على النمط الغربي، لكنهم لا يريدون نساء غير مسلمات. يشترطون ذلك". واللافت ان الحفلات العربية تعتبر معرضا هائلا لما تعج به فرنسا من عربيات ومسلمات بعضهن أية في الجمال، فلماذا يقصدون الوكالة؟! تقول "أنا لا أملك إجابات علمية دقيقة لهذه الإشكالية. إذا تحدثنا عن الكوادر العربية التي تقصدني، يمكنني القول أن اهتمامهم بالتحصيل العلمي والبحث الشاق عن تامين منصب عمل مستقر من العوامل التي تشغلهم عن الاهتمام بموضوع الزواج قبل منتصف الثلاثينات، وهي المشكلة التي يواجهها الفرنسيون. وتنطبق هذه الملاحظة على الجنسين، خاصة العنصر النسائي، لأن الجزائرية أو التونسية مهما كان تعليمها ومنصبها الاجتماعي تظل مطالبة بان تأخذ بنظر الاعتبار موقف العائلة من الزواج، وأنت تعلم ان معظم العائلات تتضايق من زواج البنات من الفرنسيين وغير المسلمين بصفة عامة، فيما هذا التشدد بدأ يزول بالنسبة الى الذكور. خذ مثلا فلانة باحثة في معهد علمي شهير، عمرها 41 سنة، وتعيش مثل أي فرنسية. بيت مستقل عن والديها وسيارة.... لكنها تريد أن تتزوج من شاب مسلم طمعا في إرضاء الوالدين، وقد أقسمت لي أنها لن تتزوج من فرنسي حتى ولو فقدت والديها في الغد الباكر، وقد جربت كل الطرق مثل التردد على المحلات العربية والحفلات، وحاولت أن ترتبط مع شباب من الجزائر بالمراسلة ومن خلال العطل الصيفية، لكنها لم تجد شابا من مستواها والوكالة تتوفر على نماذج متطابقة مع حالتها، بالإضافة الى كون اهتماماتها المهنية لا تترك لها وقتا كبيرا للبحث عن شريك حياة". تنهض وتعود وبيدها صورة ملتقطة في حفل زواج، وتقول أن العريس كان قبل سنتين في الجزائر، وأن الوكالة كانت وراء زواجه ومن ثم قدومه للعيش في فرنسا. هل يمكن التأكد من هذه المعلومة. مستحيل، بداعي ان الأشخاص المعنيين لا يريدون التشهير بحياتهم الخاصة في الصحف!!! وبعد مرحلة الاختيار عن طريق الصور أين يتم اللقاء الاول؟! "في الوكالة طبعا. أقوم بالأشراف على إجراءات التعارف وطقوسه خلال ربع ساعة ثم أنصرف. أحيانا يمر التيار بين الطرفين ويقرران الالتقاء مرة أخرى في مكان أخر وأحيانا يرفض أحد الطرفين مواصلة المشوار، وهنا نلجأ لتكرار التجربة مرة ثانية مع نماذج أخرى. نحن نلتزم مع كل زبون بان نقترح له ثلاثة مواعيد أولية داخل الوكالة، واكذب عليك إذا قلت أن كل الذين يقصدون الوكالة ويتعاقدون معها ينتهي بهم الأمر إلى إيجاد شريك حياة، لكن نسبة النجاح تفوق الخمسين في المئة، وعادة ما نستقبل زوار ومعهم أطفال هم محصلة نشاط الوكالة. كما نقوم بتنظيم حفلات خاصة للمشتركين، بمعدل حفلين في الشهر، وهي فرص إضافية للتعرف على بقية المتعاقدين مع الوكالة، وتلقى هذه الحفلات رواجا كبيرا، خاصة أنها تتضمن وجبات تقليدية. ولتسهيل الزواج نعرض على المهتمين خدمات مختلفة بداية من القاعة إلى تحضير الحلويات والملابس التقليدية وحتى الإمام لعقد القرآن".