تعتبر الاعلامية الدكتورة درية شرف الدين واحدة من أبرز المذيعات، وقد اكتسبت خبرات واسعة من خلال المناصب والمواقع القيادية التي احتلتها، فهي رئيسة قطاع الفضائيات المصري ورئيسة الرقابة على المصنفات الفنية سابقاً، ولها اسهاماتها في مجال السينما والنقد. "الحياة" التقتها وكان معها هذا الحوار. هل تعتقدين أن القنوات الفضائية العربية تعمل على تدعيم الهوية العربية وترسيخ ثقافتها والمحافظة على اصالتها ام انها تهدد الهوية وتفرغها من مضمونها الثقافي؟ - من وجهة نظري الخاصة ان مجمل القنوات الفضائية العربية تدعم الهوية العربية وتدعم الثقافة العربية وتدعم معرفة العرب ببعضهم بعضاً، والانسان العربي في اي مكان اصبح متاحاً له الآن ان يتعرف الى أي شقيق عربي في اي مكان آخر ثقافياً واجتماعياً وأدبياً وسياسياً في شكل افضل بكثير مما كان متاحاً من قبل. فهناك الآن ما يقرب من 142 قناة تلفزيونية فضائية حكومية وخاصة تقدم الثقافات المختلفة. فعلى سبيل المثال من الممكن ان تشاهد فيلماً وثائقياً عن سلطنة عمان فتعرف عمان اكثر، او ترى دراما سورية فتشعر بمدى اقتراب العادات والتقاليد والقيم والحكم الشعبية ما بين سورية ومصر، او تستمع الى ندوة في التلفزيون المغربي فيكون من السهل ان تعرف توجهات المثقفين المغاربة. فالحقيقة ان فكرة القنوات الفضائية يجب أن نأخذها على أن تكون وسيلة اتصال لا وسيلة انفصال وتنافس. تهديد هناك من يرى أن الفضائيات العربية باتت تهدد الهوية العربية إذ تبث الكثير من المواد الاجنبية وحتى العربية مثل الاغاني والموسيقى التي تكاد تكون مترجمة ولا صلة لها بثقافتنا وفنوننا الأصيلة؟ - القنوات العربية في شكلها الاصيل يجب أن تقدم ثقافتنا بنسبة مئة في المئة، ولكن مع كثرة البرامج الحوارية والاقبال عليها فإن الغرض الاصلي لهذه البرامج الحوارية ألا تتفق لأن هناك خلافاً واختلافاً، المواطن العربي الآن يستطيع ان يتبين ما هو البرنامج الحواري الذي لا يبغي إلا الصياح والمشاجرة، ولا يصل الى شيء في نهاية الامر. لذلك فأنا ضد مسألة أن هذا يعمق الخلاف، واعتقد ان موضوع حرية الرأي شيء جديد علينا، لذلك فنحن نعتقد ان الجرأة في الحوار تعمق الصراع، وهذا غير صحيح على الاطلاق، فكلما تباينت الاراء كلما استطاع المشاهد العربي ان يستخلص ما يراه ملائماً. هل ترين ضرورة لكل هذه القنوات الفضائية العربية؟ - الحقيقة ان هذا لموضوع خارج نطاق السيطرة، فهناك جزء كبير من العالم العربي دول بترولية لديها الاموال التي تجعلها تنشئ قنوات كثيرة، وهناك دول اخرى تسهم في عمليات انشاء القنوات وهناك دول تكتفي بقناة او قناتين، وطالما ان هذا الموضوع خارج نطاق السيطرة فمن الافضل الا نتحدث فيه، فحتى لو بلغت هذه الفضائيات حاجز ال 300 قناة فبأي مقياس نقول كفى؟ طالما ان هناك جهة ما او هيئة ما او شركة ما او حكومة ما تريد انشاء قناة تلفزيونية، فتلنشأ قناة، المستفيد في النهاية هو المواطن. ايهما أفضل، التكامل بين الفضائيات العربية أم التنافس؟ - الاثنان معاً، لأن الفضائيات العربية الآن تبدو في حال تنافس وهذا هو الاصل، لكن هذا في النهاية في نظر المواطن تكاملاً، فالمواطن العربي الآن لا يكتفي بقناة واحدة، بل يحاول التقاط مادة خبرية ومادة منوعات ومادة ثقافية، ولا يكتفي بمشاهدة قناة واحدة، بل يلتقط من كل بستان زهرة. هل الفضائيات العربية تقوم بأداء الدور الإعلامي الثقافي المطلوب منها وطنياً وقومياً؟ - تقوم بذلك الى حد كبير، واعتقد انه كلما مرت السنوات يزداد هذا الدور، لأن الفضائيات موضة جديدة عمرها صغير جداً في العالم العربي لا يتعدى 17 عاماً، لذلك اعتقد انها ستقوم في المستقبل بدور افضل. تخصص في النقد ما الذي دفعك الى دراسة النقد والتخصص فيه على رغم دراستك للسياسة؟ - عندما التحقت بالعمل في التلفزيون عملت في الأخبار، ولكنني الى جانب ذلك كنت اقدم بعض البرامج، وهذه البرامج تحتاج الى نوع من الاستزادة، في المجال الفني والادبي والنقدي على اعتبار انه سيفيدني في عملي الجديد، فأنا عندي قناعة شديدة بأن الحياة السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية في اي دولة وثيقة الصلة بالحياة الثقافية، وبالتالي الفنية. فكنت احب دائماً ان استزيد في موضوع هذه الدولة في هذه الفترة بنظامها السياسي وبتكوينها الثقافي والادبي وأجد أن هناك علاقة كبيرة جداً. ما رأيك في الرقابة الآن، وهل تغيرت عن ذي قبل؟ - الزمن هو الذي اختلف، ومقاييس العصر اختلفت، فكل عام هناك متغيرات، والعاملون في الرقابة الآن يتفقون مع اسلوب الفترة فعندما كنت رئيسة الرقابة عام 1996 كانت معطيات العالم نفسه مختلفة، والنظرة للاشياء تختلف كل فترة قصيرة، وكنت مسؤولة عما أؤديه وليس عن اعمال الآخرين. هل تعتقدين باختفاء الرقابة في ظل انتشار الفضائيات؟ - أريد أن افرق بين شيئين، الفضائيات لا توجد عليها رقابة، بمعنى أن الفضائية لا تستطيع ان تمنعها عن اي مواطن في اي دولة، فالقمر الاصطناعي الآن هندسياً لا يمكن مواجهته، لذلك نحن نسميها السموات المفتوحة والتي لا يمكن تعطيل استقبال اي قناة فيها وهذا خاص بالفضائيات، اما الرقابة التابعة لوزارة الثقافة والموجودة في الدولة والتي تسمى "الرقابة على المصنفات الفنية" فهي تختص ليس بشاشة التلفزيون، ولكن بكل ما يخضع لما يسمى بالعرض العام، مثل فيلم سينمائي في دور عرض او مسرحية او اغنية الى آخره، وأعتقد ان لها فائدة، لأن عدم وجودها يجعل الفن الرديء يأكل الفن الجيد، فقطعاً الرقابة عامل جيد. موجة بصفتك رقيبة سابقة كيف ترين موجة أغاني الفيديو كليب؟ - للأسف الشديد اصبح المغني، او المغنية على وجه التحديد تغني بجسدها وليس بصوتها، وأصبحت الآن اي مغنية اقرب الى الراقصة وليس الى المغنية، وأنا اسمي هذه الظاهرة "فورة عصبية" لكنني اعتقد انها ستهدأ لأن الغناء صوت واداء جميل، وليس أداء مثيراً عن طريق الجسد. فللأسف كلما يتكلمون عن المرأة وقدرها وقيمتها، والنظر اليها بشكل مميز، وعدم استغلال الجسد، نتذكر ان في فترة من الفترات كنا نهاجم الاعلانات على اعتبار انها تروج للسلع عن طريق المرأة، فأنا اعتقد ان الاغنيات الحديثة الآن تسيء للمرأة اكثر مما اساءت اليها الاعلانات بكثير. لك اسهامات في مجال السينما، فكيف ترين واقع السينما الآن؟ - من خلال رصدي للواقع السينمائي أرى أن "هوجة" افلام الشباب كانت رد فعل طبيعياً على سيطرة الفكر القديم في السينما، بمعنى انها ثورة شباب وانقلاب شبابي في عالم السينما يتحيز لكل ما هو صغير السن سواء في الاخراج أم المونتاج أم القصة أم في التمثيل. وأرى انها ظاهرة صحية، والبعض يقول ان الافلام ليست على مستوى ممتاز، وفي اعتقادي ان في السنوات المقبلة ستستقر الحال وسيحدث تلاق ما بين سينما الكبار وسينما الصغار. السينما لن تموت في مصر بل ستزدهر، واعتقد ان بعض البشائر اطلت بأفلام جيدة، وهناك بعض التوازن الذي نحتاجه، ليس من الضروري ان تكون هناك افلام موغلة في القدم وليست على الموضة، ولا ايضا افلام شبابية خالية من المضمون. وأريد أن أقول ان افلام الشباب لا تخيفني، بالعكس ارى أن فيها مواهب كثيرة. ما البرنامج اليومي لك كرئيسة لقطاع الفضائيات؟ - ليس كل يوم مثل اليوم الآخر، بالطبع رئاسة الفضائيات استوعبت جانباً كبير جداً من وقتي، لكن الى حد كبير لا استطيع ان انسى حياتي الشخصية او هواياتي او حقي في نزهة او في سفر. وأنا أعمل لأنني اشعر بأن ذلك مثل البنزين الذي يمد بالطاقة، فأنا احاول ان احقق بعض التوازن ما بين سفري ونزهتي وان ازور او اشاهد مكاناً جديداً، وما بين عملي، ولكنني اعتقد ان عملي في الفضائيات يستحق مني التركيز وتخصيص معظم وقتي فهي عملية صعبة ان تراقب اربع قنوات كل يوم. كيف تنظرين الى المستقبل؟ - أنا لا أملك المستقبل، وأنا احمد الله على كل شيء، حققت جزءاً كبيراً من طموحاتي وفي اي موقع اجد نفسي فيه احاول ان اجتهد واجيد العمل وابذل كل ما في وسعي من أجل ان يخرج هذا العمل بالصورة الجيدة.