تشن قوات الأمن المغربية منذ تفجيرات الدار البيضاء في 16 أيار مايو الماضي، حملات اعتقال واسعة في صفوف الجماعات الإسلامية المتشددة. وعلى رغم صدور عشرات الأحكام بالإعدام والسجن لفترات طويلة في حق المتهمين، فإن "لغز" التفجيرات الانتحارية التي هزّت المغرب لم تُفك كل رموزه حتى الآن. إذ تقول السلطات انها تشتبه في وجود "صلة خارجية" بالتفجيرات، على رغم إقرارها بأن المنفّذين "انتحاريون محليون" ترعرع جلّهم وسط أحياء فقيرة في ضاحية سيدي مومن في الدار البيضاء. وعلى رغم تلميح بعض المسؤولين المغاربة الى وجود علاقة محتملة لتنظيم "القاعدة" بالتفجيرات، إلا ان أي دليل على ذلك لم يثبت أمام القضاء. إذ أقر عدد من الانتحاريين الناجين من التفجيرات انهم حصلوا على طريقة تركيب المتفجرات من خلال مواقع على الانترنت، وانهم أجروا تجارب عليها في مواقع في الدار البيضاء قبل تركيب العبوات الناسفة ونقلها الى المواقع المستهدفة. لكن عدم إثبات القضاء ل"الصلة الخارجية" بالتفجيرات لم يؤد الى توقف الحديث عنه. وكان آخر ما قيل في هذا الموضوع ما نشرته صحيفة "الأحداث المغربية" عن السيد محمد الكربوزي الذي كتبت انه ناشط يقود من بريطانيا جماعة يُطلق عليها إسم "الجماعة المغربية المقاتلة"، وهي تنظيم وضعته الولاياتالمتحدة على قائمة الجماعات الارهابية في نيسان ابريل الماضي. وكتبت الصحيفة، بحسب ما نقلت عنها وكالة "رويترز"، في 15 آب اغسطس الجاري، ان السلطات المغربية اعتقلت رجلاً يشتبه في انه حلقة وصل رئيسية بين جماعات دولية متشددة واصوليين محليين متهمين بتنفيذ تفجيرات الدار البيضاء. وأضافت الوكالة ان الصحيفة "المعروفة بصلاتها الجيدة بمصادر الأمن والمخابرات"، ذكرت ان الخريج الجامعي في مادة الفيزياء سعد الحسيني اعتقل قبل أيام قرب مكناس على بعد 140 كيلومتراً شرق الرباط، وان المعتقد ان الحسيني يُعتبر أحد مساعدي محمد الكربوزي الذي يعيش في لندن وأسس "الجماعة الاسلامية المغربية المقاتلة". وزادت الصحيفة ان التحقيقات تشير الى إمكان ان يكون الكربوزي "بلّغ سعد الحسيني في المغرب بنتائج الاجتماع الذي سبق له ان حضره في اسطنبول في كانون الثاني يناير 2003 برفقة عدد من قادة تنظيم القاعدة، وهو الاجتماع الذي تقرر فيه اعطاء الضوء الاخضر لعمليات "الجهاد" في المغرب". ونسبت "رويترز" الى تقارير مفادها ان الرباط تسعى الى تسلم الكربوزي في اطار التحقيقات في تفجيرات الدار البيضاء. بعد أيام من الاتصالات، تمكنت من الوصول الى الكربوزي. وافق على لقائي في مكان عام قرب محطة لمترو الانفاق في لندن. وصل بلحيته الكثة وجلابته المغربية. بدا في بداية الأربعينات من عمره. كان بالغ الحذر والشك فيّ. سأل مراراً هل من الضروري ان أُسجّل اللقاء معه. لم يكن راغباً في ذلك. ثم عندما حاولت ان التقط له صورة، قال انه لا يرغب في ذلك. "ربما في لقاء آخر، ولكن ليس اليوم". فمن هو هذا الرجل الذي يُوصف بمؤسس "الجماعة المغربية المقاتلة"، وما هو موقفه من تفجيرات الدار البيضاء، وما رده على "لقاء اسطنبول" الذي يُزعم انه حضره وقابل فيه قيادات من تنظيم "القاعدة"؟ في ما يأتي نص الحوار الذي أُجري مع الكربوزي: هل يمكن ان تُعرّفنا بنفسك؟ - محمد الكربوزي وعمري 47 سنة. اتهمتك صحف مغربية أخيراً بتزعم "الجماعة الإسلامية المغربية" المقاتلة. فما هو ردك؟ - ماذا أقول؟ هناك كلام طويل سأحاول ان اختصره. حصلت مقابلة بيني وبين المخابرات المغربية هنا في بريطانيا في يناير كانون الثاني الماضي. لهذا لا أريد ان أقدّم تفاصيل كثيرة عما حصل بيني وبينهم. سأعطيك فقط خلاصة الكلام. لقد طرحوا عليّ هذا الكلام الاتهامات. قال لي مسؤول المخابرات ان الجماعة التي أقودها هي "المقاتلة". فأقسمت له انني لا أعرف "الجماعة المقاتلة". فقال لي: "الجماعة المغربية المسلحة". فقلت له: والله العظيم الذي لا أعرف إلا هو لا أعرف هذه الجماعة التي تتكلم عنها. فقال لي: إذن جماعة تحمل إسماً آخر. فأجبته: تأتي كل المسافة من المغرب الى هنا ولا تعرف إسم الجماعة؟ أنت رجل استخبارات ولديك معلومات تريد ان توضحها، فتأتي الى لقائي ولا تعرف عمَ تريد ان تسأل؟ قلت له هذا الكلام أمام شخص آخر كان حاضراً. فسكت. ثم بدأ يقول لي كلام خرافات مثل: انك ذكي وتحاول ان لا تجيب عن الاسئلة. إذن هذه التهمة وجهها الأمن المغربي لك قبل شهور من تفجيرات الدار البيضاء؟ - هو مسؤول الأمن لو يوجه اليّ تهمة. جاء اليّ وقال: عندنا أشخاص يتكلمون عنك في المغرب. فقلت له: انتم تكذبون، فالناس الذين يأتون الى هنا في بريطانيا يقولون لي "سألونا عنك في المغرب". وقلت له أيضاً: أنتم من يذهب الى الناس وليس هم من يأتون اليكم ليخبروكم. الذي يحصل هو انهم الأمن المغربي يمسكون أشخاصاً ويقولون لهم: هل تعرف فلاناً وفلاناً وفلاناً. وهنا جاء قوله لي انهم يعرفون ب"الجماعة المقاتلة" من أقوال الذين تحدثوا الى أجهزة الأمن. فقلت له: والله الذي لا أعرف إلا هو لا أعرف جماعة بهذا الإسم. فقال لي: الجماعة الإسلامية المغربية المسلحة. فأجبته مجدداً وكنت صائماً آنذاك: والله لا أعرف هذه الجماعة. فقال لي: يمكن ان تكون جماعة باسم آخر. فقلت له: كيف تأتي من المغرب ولا تعرف الاسم؟ يجب ان يكون عندك اسم معيّن لكي تسأل عنه. لا يجوز ان تقول مرة "الجماعة المقاتلة" ومرة "الجماعة المسلحة". لو كان عندكم شيء أكيد فقولوه لي. إذن نفيت علاقتك بجماعة إسلامية مسلحة في المغرب. - ليس عندي علاقة بأي جماعة. قلت هذا الكلام لمسؤول المخابرات المغربية نبيل مختار الذي أعطاني رقم هاتفه ووسيلة الاتصال به. لا اريد ان أُفصّل كثيراً في هذا الموضوع. ولكن إذا قالوا مزيداً من المعلومات عني فعندها أقول مزيداً من المعلومات التي عندي. وحتى سأكشف الكلام الذي حصل بيني وبينه. لا أريد ان أقول لك الآن تفاصيل ما حصل. هو سألني في ذلك الوقت عن الجماعة المقاتلة والجماعة المسلحة المغربية، ولم يتطرق الى السلفية الجهادية أو الصراط المستقيم. أريدك ان تكون أكثر صراحة في ردك: هل تقود أي جماعة إسلامية مهما كان اسمها هنا في لندن؟ - من أنا حتى أقود جماعة؟ ما هو مستواي لكي أقودها؟ الآن بات عندهم أي شخص يصلّي ويذهب الى المسجد ينتمي الى جماعة. أنظر الى ما يحصل في المغرب الآن: حتى بعض الناس الذين كانوا يقرأون القرآن في المسجد باتوا الآن متهمين بأنهم يهيئون الناس نفسياً للقيام بعمليات. تركوا التهمة غامضة بهذا الشكل: يهيئون الناس! جريمتهم الوحيدة انهم كانوا يعلّمون القرآن. لكنهم السلطات يقولون: لا، كانوا يهيئون الناس لشيء آخر. ما هو الشيء الآخر؟ يتركونه مفتوحاً. كتبت "الأحداث المغربية" قبل أيام أن أجهزة الأمن تشتبه في ان لك علاقة بتفجيرات الدار البيضاء. فما هو ردك؟ - اعتقد بنسبة 90 في المئة ان السلطات المغربية هي من قام بالتفجيرات. لأن الكلام الذي يقولونه كله يتضارب مع بعض. والدليل على ذلك عمليات الخطف والقتل التي كانت تحصل في المغرب قبل التفجيرات. وقلت هذا الكلام لمسؤول المخابرات المغربية نبيل. قلت له: انتم قتلتم أناساً وخطفتم آخرين، وهذا الكلام بالدليل. فقال لي: أي دليل؟ قلت له: هذا الكلام كتبته الصحف المغربية. فأجاب: هذه الصحف تكذب. هم السلطات عملوا التفجيرات لأنهم كانوا يريدون تطبيق قانون مكافحة الإرهاب. كانوا يريدون تطبيقه منذ فترة، لكنه وجد معارضة. لهذا أرادوا التوصل الى حل: كيف يستأصلون الحركة الإسلامية؟ فوجدوا في التفجيرات الحيلة الوحيدة لذلك، كما حصل في أحداث أيلول سبتمبر 2001 في واشنطن ونيويورك. الطريقة التي توصلوا اليها هي تنفيذ انفجارات فتخرج الناس تتبرأ من ذلك ويبدأون هم في لملمة الجماعات. وهذا الذي حصل، حتى انهم يربطون المنفّذين في الداخل بالخارج. مرة يقولون ان الأمر حصل من الداخل ومرة يقولون انه حصل من الخارج. ومرة يقولون ان هناك ارتباطاً بين الداخل والخارج. ربطوا كل الجماعات مع بعضها: الصراط المستقيم، السلفية الجهادية، التكفير والهجرة، جماعة الحنشة نسبة الى قرية الحنشة، جماعة سيدي مومن في الدار البيضاء، جماعة العدل والإحسان، جماعة التبليغ. الحملة الآن واسعة جداً وتشمل الناس الذين يقيمون هنا في بريطانيا ولا علاقة لهم بما يحصل بأي شكل من الأشكال. هدف قانون مكافحة الإرهاب ان يخيفوا الناس من أي شيء إسمه إسلام وأي شخص يُفكّر في التزام الإسلام. تفجيرات الدار البيضاء هدفها ضرب الإسلام، وإلا كيف تكون كل هذه الجماعات المختلفة مسؤولة كلها عما حصل؟ هل تدين تفجيرات الدار البيضاء؟ - نعم. لا يوجد أحد يمكن ان يفكّر في تفجير فندق يرتاده أشخاص مختلفون، ليسوا مثلاً جنوداً محاربين أو ليس الهدف هدفاً حكومياً. فالفندق فيه ناس أبرياء. وكذلك المطعم. لم اسمع بأحد يتفق على إباحة ذلك. ما أقوله هو ان هذه الأمكنة ليست ثكنات عسكرية وليست مواقع حكومية. ولكن هم السلطات يريدون ان يقوموا بهذا الأمر لكي يثبتوا للناس ان الذي حصل قام به مسلمون لكي يضربوا الإسلام ويطبقوا قانون مكافحة الإرهاب. ولذلك عندما حصلت التفجيرات لم يعارض أحد تطبيق هذا القانون. تقول "الأحداث المغربية" ان لك علاقة بشخص اسمه سعد الحسيني وهو خريج جامعي في مادة الفيزياء، وان هذا الشخص كان صلة الوصل لك داخل المغرب. - والله لا أعرف هذا الإسم. سعد الحسيني لا أعرف شخصاً بهذا الإسم. لا أعرف كيف أخرجوا هذا الكلام. يُقال ان هذه المعلومات تستند الى اعترافاته وانه التقاك وانك ابلغته بنتائج اجتماع حضرته انت في اسطنبول لقادة في تنظيم "القاعدة" مطلع هذه السنة. - هذ الأمر مضحك. أمر مضحك الوضع الذي وصلت اليه الحكومة المغربية. ماذا تنتظر ان يقول أي شخص يُعتقل ويُعذّب؟ لماذا هذه الأحكام الشديدة: الإعدام والمؤبد والسجن 30 سنة؟ ليس هناك شيء ضدهم لكنهم ربطوهم بتفجيرات الدار البيضاء. يأتون بشخص ما ويحققون معه، فيقول لهم تحت التعذيب ما تريد السلطات ان تسمعه. يقول أي شيء لكي يخرج من تحت التعذيب. قلت للمخبر المغربي عندما جاء الى هنا: أنت نفسك ستقول أي شيء إذا اعتقلناك نحن - قرابة عشرة أشخاص - ونقلناك الى غرفة وبدأنا نضربك. إذا كنت تملك القوة تستطيع ان تحصل على ما تريد من الضعيف. فماذا تريد من شخص ان يقول إذا بقي 30 يوماً معلّقاً؟ هل تريده ان يبقى معلقاً طوال عمره؟ … إجرام ما يحصل في المغرب اليوم. إذن لم تحضر اجتماعاً لتنظيم القاعدة في اسطنبول في بداية 2003؟ - ماذا أقول؟ هذا كذب وافتراء. أقول لمن يروج هذا الكلام: من عنده دليل فليقدمه. يقول الله: "هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". إنهم يكذبون. والله الذي لا اله إلا هو إنهم كذابون. منذ متى لم تزر المغرب؟ - منذ قرابة 15 سنة. ولم أكن في ذلك الوقت أصلّي. حصل خلاف بيني وبين مسؤول أمني في السفارة خلال وجودنا في بار، وهددني. ومنذ ذلك الوقت لم انزل الى المغرب. وقلت للمخابرات هذا الكلام في كانون الثاني يناير الماضي: فأقسم لي مسؤول المخابرات نبيل انه يعطيني ضمانات بعدم المس بي إذا نزلت الى المغرب. فقلت له: لا اثق بكم. انتم تكذبون. فرد: اعطيك ضمانات. فقلت له: يمكن ان تعطيني انت ضمانات ولكن ماذا عن الذي فوقك؟ فقال: الذي فوقي هو الذي ارسلني الى هنا وقال لي هذا الكلام لكي تكون مثالاً وقدوة للآخرين الذين لا ينزلون الى البلاد. عرضوا علي النزول الى المغرب قبل تفجيرات الدار البيضاء ببضعة شهور، لكنني لا أثق بهم.