كانت الساعة الواحدة فجراً عندما تقدم رجل الأمن الواقف بين مجموعة من زملائه لحماية مبنى تلفزيون "المستقبل" في بيروت، وقال: "هاجمت مجموعة من مؤيدي ملحم زين مبنى التلفزيون ونحن نقف هنا لمنعهم من معاودة الهجوم". "مؤيدو ملحم زين"، قالها الشرطي اللبناني ببداهة وتلقائية، فبرنامج "سوبر ستار" الذي يبثه التلفزيون ملأ دنيا اللبنانيين والعرب وتحول نجومه الى اسماء لا تحتاج الى تعريف. وفي ساعة متقدمة من الليل راحت الهواتف النقالة في ايدي اللبنانيين تنقل حكايات واشاعات عن حقيقة خروج ملحم زين من المنافسة لمصلحة الأردنية ديانا كرزون والسورية رويدا عطية. هواتف الزوجات النقالة لم تتوقف حتى الساعة الثانية فجراً عن نقل الحكايات التي من المرجح ان تكون متوهمة، لكنها من ذلك النوع الذي يصدقه الناس في الجو الذي يعيشونه. والشوارع المؤدية الى مباني تلفزيون "المستقبل" وفندق البريستول حيث يقيم المتبارون، اقفلت بآليات الجيش اللبناني الذي يبدو انه استقدم لتعزيز وحدات الدرك الخفيفة السلاح. وفي الأزقة المعتمة والنائمة في رأس بيروت راجت الإشاعات عشية اعلان النتائج، فتردد في بيروت ان الحكومة الأردنية تكفلت بمد كرزون بالدعم عبر إلغاء رسوم المخابرات الهاتفية التي يصوّت المشاهدون عبرها لنجومهم، وقيل ان جنود الجيش الأردني تلقوا أوامر بالتصويت. وعلى الجبهة السورية نقل اللبنانيون حكايات عن استخدام النفوذ في لبنان، لمصلحة مرشحتهم رويدا عطية. وخلافاً لرتابة الحياة العامة في لبنان ولبطئها ومراوحتها، كان الأمر مسلياً مساء اول من امس، على رغم الدماء القليلة التي سالت على جباه ضحايا المحتجين على خروج ملحم زين. مناسبة جديدة تكشف ضآلة العيش وفقره. قدرة برنامج تلفزيوني على اشباع فضول أمة بأكملها، وعلى تظهير حقيقة مشاعر لا تتيح السياسة تظهيرها. بهذا المعنى كان الأمر مسلياً، إذ اتيحت فرصة لقياس معدلات الكراهية. فجأة خرجت النسوة الى الشرفات ورحن يتبادلن الأحاديث التي لا يمكن للإعلام ان يخرجها، وتظاهر طلاب في الجامعة الأميركية في بيروت وراحوا يرددون شعارات معادية لسورية، وحملوا صور النجم اللبناني الجديد، ونزل اقارب ملحم زين من البقاع حاملين العصي. لا يمكن لكل هذا إلا أن يكون مسلياً، فالصدمة التي يحدثها على خفتها، لا يمكن إلا أن تولد سخرية وضحكاً، والليل الطويل الذي ينتظر اللبنانيون فيه انقطاع الكهرباء انقضى مجانياً وخفيفاً. فجأة انفرجت الساحة أمام انقسامات جديدة. محطة تلفزيونية معارضة لرئيس الحكومة رفيق الحريري فتحت استوديوهاتها لجمهور ملحم زين وراحت تستقبل الاتصالات من "مؤيدي" ملحم الذين اتهموا محطة "المستقبل" بالتواطؤ لإخراجه من المسابقة. وبما ان من الصعب على اللبنانيين الجهر بشكوكهم حيال تدخل سوري، تركزت الاتهامات على الجانب الأردني. لعبة بلا اصول ولا سوابق للقياس عليها. قال للمتصلون إن ثمة من عطل الانترنت لعرقلة تصويت اللبنانيين، وان نجمهم ملحم محاصر في مكان ما وهم قلقون عليه. ورددوا حكايات كثيرة من النوع الذي لا يمكن تفادي جاذبيته، لخروجه من مخيلات اخصبها انعدام الثقة بتقنية التصويت والاقتراع في بلاد الانتخابات غير الحرة. كان واضحاً ان البرنامج في حلقاته الأخيرة بدأ يملأ فضاء لا يمكن ملؤه بالغناء والمغنين فقط. انحياز العونيين مثلاً لملحم زين لم يكن مجرد انحياز فني، وطغيان اخبار رويدا وديانا والآخرين على اخبار كفضيحة تقنين الكهرباء، والتهديد الإسرائيلي الوشيك بعد مقتل اسرائيلي على الحدود، لم يكن عادياً. والعراق، العراق المتخبط والمتغير سقطت اخباره في سباق ال"سوبر ستار". كشف برنامج "سوبر ستار" مرة اخرى هشاشة منطقة بأكملها. لبنان الذي لا تتسع اوضاعه لبرنامج تلفزيوني ناجح، والأردن اللاهث وراء نجمة تمسك شتاته، وسورية المتهمة دائماً بعلاقتها مع لبنان. لم يكن ما تداوله اللبنانيون مساء اول من امس حقائق، لكنه بلا شك يدور حول حقائق يصعب على ابناء هذه المنطقة تداولها إلا مواربة، كما حصل تلك الليلة في بيروت.