بعد لحظة الصدمة ومشاعر الدهشة التي أصابت الإماراتيين إثر تصنيف منتخبهم في المركز ال95 على لائحة التصنيف العالمي التي صدرت أخيراً عن الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا، دفع سكون الملاعب والبيات الصيفي الحقائق المرّة إلى أرشيف الذاكرة والملفات المنسية... ربما دُرس الأمر في الدوائر المغلقة لاتحاد الكرة الموقت، ولكن الإحساس بالخيبة لم يغب في ظل هذا "الاستفزاز" الدولي. هذا التصنيف خلّف مشاعر من الحزن عبّرت عنها كتابات المواطنين على أعمدة الصحف وفي المنتديات الالكترونية، ولم تتجاوز مسألة معالجته والبحث عن أفضل السبل لمغادرة القاع في الصحافة المحلية والهيئات الرياضية مساحة الجدل الذي تثيره بعض منافسات الدوري أو قضايا ثانوية أخرى لا ترتقي بأي حال من الأحوال لمشاعر الشعور القومي أو صورة الوطن. لا سعي هنا إلى جلد الذات أو البحث في مقاييس المشاعر، فتلك مسائل مغلوطة... لكن يبقى السؤال: ماذا لو صنف منتخب فرنسا في تلك المرتبة، أو تدحرج المنتخب التركي الصاعد إلى قاع المئة؟ الأكيد أن المسألة ستتحول "قضية قومية"، وستفتح أبواب الحوار والجدل في المدارس والمعاهد الاختصاصية وشبكات التلفزة وأعمدة الصحف... فكرة القدم غادرت رحمها الكروي لتصبح إحدى المفاتيح المهمة لسبر أغوار الأمم والصورة الجذابة للأوطان. في الحقيقة، إن هذه الانتكاسة الإماراتية، لا تعد استثناء في المشهد الكروي العام عربياً. فإذا بحثنا في الترتيب الدولي، شهدنا تراجعاً رهيباً لكل المنتخبات العربية... بقيت في الذاكرة تونس عام 1978 والمغرب عام 1986، والإمارات ومصر عام 1990... وفجأة أصبحت مصر الرائدة تسعد بفتوحاتها الجديدة أمام موريشيوس ومدغشقر! ولا تسألوا عن منتخبات ليبيا والعراق والسودان، فكرة القدم ليست سوى الصورة الأقرب لعكس المناخ العام والحال العربية الراهنة. يقال إنه كيفما يكون الدوري يكون منتخبكم، والدوري الإماراتي شهد في السنوات الأخيرة انتعاشة جيدة وروحاً تنافسية دفعت بأنديته إلى المراهنة على تاج البطولات القارية. هنالك حراك داخلي في الأندية الاماراتية ينبئ بثورة هادئة على المستويين الإداري والتنظيمي والتفكير بالمستقبل، وبرزت مواهب كروية محلية لو صقلت لارتفعت إلى مصاف النجوم. هنالك أيضاً بعض المعوقات والمخاوف من ضعف الاتحاد المحلي تجاه بروز ظاهرة الاحتكار، لكنها قابلة للحلحلة في ظل قيادات شابة وطموحة تتحرق للانتصار والريادة. لكن المفارقة الإماراتية تكمن في أن المنتخب تذوق في 30 شهراً طعم الهزيمة في 17 مباراة، وتدحرج في ترتيب الفيفا 43 درجة في خمس سنوات... على رغم أجواء انتعاشة الدوري وخطفه الأضواء إقليمياً. وطبعاً ظهرت الشماعة المعتادة المتعلقة بالدعم المالي، وربما كان الأمر كذلك. لكن بالعودة إلى الموازنات الضخمة التي رصدتها الدولة للأنشطة الرياضية والبنية التحتية التي أهلت الإمارات لاحتضان مونديال الشباب في الخريف المقبل والدعم اللامحدود من الشيخ سعيد بن زايد وإخوانه من قبله لمنتخب بلادهم، تبدو أن هذه الحجة لا تصمد كثيراً أمام الوقائع. عاب البعض على الإدارة تعدد المدربين إذ شهد المنتخب في السنوات الثلاث الأخيرة مرور كل من الفرنسي ميشال والإماراتي عبدالله صقر والهولندي بونفرير ومواطنه تيني ريغنس والإنكليزي الحالي روي هودغسون. ولا شك في أن تعدد المدارس واختلاف الأمزجة والأهواء، يؤثر بصفة جدية على مسيرة المنتخب إلا أن مقولة العامل الواحد لا تفسر جوانب الأزمات. وقف البعض الآخر على أطلال فترة المدرب البرتغالي كيرويز وتحسروا على فقدانه بعد هزيمة "يتيمة" أمام منتخب فلسطين وهو المتربع على عرش ريال مدريد الملكي حالياً. ولكننا عندما نعلم أن آخر مباراة رسمية للمنتخب الإماراتي كانت في 31 تشرين الأول أكتوبر عام 2001 حين خسر بثلاثية أمام إيران، ولم يلعب بعدها سوى مباراتين وديتين أمام مصر والنرويج، ندرك سبب تراجع قدرته التنافسية دولياً وسط رهاب غير مفهوم من كل ما هو خارجي في مجتمع قطع خطوات عملاقة على درب الانفتاح الاقتصادي والاندماج في الحداثة. قال مدير المنتخب الإماراتي عبدالمجيد حسين إن العودة تحتاج ثلاث سنوات من العمل بشروط صعبة، وأن التفكير في مستوى كوريا الجنوبية واليابان تحكمه الإمكانات المادية... فطرح بذلك سؤال النهضة الكروية العربية المنشودة! سيبقى السادس والعشرون من تشرين الأول عام 1985 محفوراً في ذاكرة اليابانيين، فيومها تذوق منتخبهم طعم الهزيمة أمام الجار اللدود كوريا الجنوبية في أول مباراة جمعتهما منذ تصفيات مونديال سويسرا 1954. لم يدفن اليابانيون رؤوسهم في التراب، وقال نائب رئيس الاتحاد "إن ما يفرق ما بين المنتخبين مسافة تقدر بعقد من الزمن". أما قائد المنتخب "كاتو" فصرح "لقد بذلنا أقصى مجهوداتنا، لكن نوعية لعب الهواية تختلف جذرياً عن أجواء عالم الاحتراف". وفي شهر أيار مايو عام 1986 أعاد اتحاد الكرة الياباني النظر في كل التشريعات والأنظمة، وأعلن قانون الاحتراف الشامل الذي أتى ثماره في عقد التسعينات. خيمت شكوك متعددة حول قدرة المدرب الهولندي غوس هدينك في التعامل مع المجتمع الكوري الجنوبي المحافظ، وعقلية اللاعب المحلي التي تربت على قيم المثابرة القاتلة والتضحية بالنفس من أجل الآباء وسمعة الوطن، ولم يعبأ هدينك بانتقادات الصحافة قبل المونديال الأخير في كوريا الجنوبية واليابان، ولا بأسئلتها المشروعة أمام الهزائم في المباريات الودية التحضيرية، كان يدرك ثقل التقاليد... لكنه كان يدفع بلاعبيه بعد كل هزيمة إلى الراحة وشيء من الترفيه لأنه أعتبر دائماً أن كرة القدم متعة قبل أن تكون ساحة قتال، وأحيا فيهم لذة اللعب فاكتشفوا الطريق إلى الانتصار.