كان لا بد في هذا السيل الذي لا ينقطع من المقابلات والتصريحات أن نتحف بمقابلات على شاشة الفضائيات لشخصيتين ساهمتا في تدمير العراق مع مجموعة كبيرة من الضباط والحزبيين هما صلاح عمر العلي وابراهيم الداود. فالأول استطاع بعدما عاش في الغرب طويلاً أن يظهر بمظهر يختلف عما كان عليه عندما كان يشارك صدام والبكر المسؤولية، ويتملص من ماضيه الدموي. أما الثاني، فهو من خريجي الكلية العسكرية في بغداد، وميزته الوحيدة انه من عشائر الدليم التي كان ينتمي اليها رئيسه عبدالسلام عارف. وقبل الخوض في هذا الموضوع، أذكر نبذة تاريخية عن هؤلاء الضباط. فأنا عندما تخرجت في كلية الهندسة ببغداد، عام 1959، أجبرت على الالتحاق بالجيش العراقي في خدمة ضباط الاحتياط في أثناء حكم عبدالكريم قاسم. فعندما ينتهي التلاميذ في العراق من الدراسة الاعدادية البكالوريا يتقدمون بطلب الالتحاق بإحدى الكليات. ويبقى الذين ليس في مقدورهم الالتحاق بأي كلية لتدني معدلاتهم، فيلتحقون بالكلية العسكرية. ومعظم هؤلاء من أصول قروية وعشائرية، خصوصاً تلك المحيطة بتكريت والموصل والرمادي. وكثير منهم يأتون الى الجيش ومعهم جذورهم القبلية. هؤلاء هم الذين قاموا بمعظم الانقلابات في العراق. وجهزوا أبشع الحملات العسكرية ضد الأكراد والآشوريين لأسباب عنصرية وبقية المواطنين لأسباب مذهبية وعشائرية. أي انهم كانوا، بالتعاون مع بعض الأحزاب الأخرى، ومنها حزب البعث، الجلادين لمعظم أبناء الشعب العراقي. وهم مجموعة أشخاص من قليلي الذكاء، من أصول اجتماعية متواضعة، تحكمت بالعراق، وسامت الناس سوء العذاب. ان ما جاء على لسان صلاح عمر العلي يختلف كثيراً عن الواقع، فهو في البداية، كان شريك صدام حسين في أعماله الدموية. ولا يزال، كثير من العراقيين يتذكرون خطبه الفاشية على شاشة تلفزيون بغداد، حين استولت زمرة البعث على الحكم بصورة غير شرعية. وبقيت العلاقات العشائرية، واستفاد صلاح، وهو في لندن، من مكرمات صدام، ومنها أعمال النقل الجوي للبضائع بين أوروبا وعمان لحساب حكومة صدام التي تمت بعد 1991. أما ابراهيم الداود، فكان أداة التنفيذ لعبدالسلام عارف في الهجوم على قصر الرحاب، وقتل العائلة المالكة وحتى النساء منها. وحاول ان يغطي على فعلته في حديثه لمراسل "الحياة"، ولكن بصورة تدل على قلة الذكاء. فالواضح والمعروف ان قرار تصفية العائلة المالكة أُثخذ من عبدالسلام عارف، ونفذ من القوة التي قادها ابراهيم الداود. وقرأت قبل أعوام مقابلة مع الداود نشرتها احدى المطبوعات، وفيها من الكلام غير اللائق في حق الأكراد والكلدان ما يجعل القارئ يتقزز. وهذا يظهر بصورة جلية العنصرية البدائية التي يتمتع بها الداود. شخصيتان كان يجب سوقهما الى المحاكم لينالا الجزاء العادل على الجرائم التي ارتكباها، مع آخرين ضباط وحزبيين، في حق الشعب العراقي منذ انقلاب 14 تموز يوليو 1958. واشنطن - زهير عبدالله