«فار مكسور»    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    بالله نحسدك على ايش؟!    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس الوزراء العراقي السابق يفند رواية ابراهيم الداود ويسترجع محطات وانقلابات . عارف عبدالرزاق: فشلت المحاولة الانقلابية فأعلنت مسؤوليتي الكاملة لأحمي رفاقي الداود حرّف الأحداث وكنت على علم بمخططاته مع النايف والراوي 1
نشر في الحياة يوم 23 - 07 - 2003

ترددت كثيراً في الرد على تخريفات الداود وما خالطها من الاكاذيب لكن خوفي من تصديق الناس لما ذكره دفعني الى تسطير بعض الحقائق.
1- لقائي الاول مع ابراهيم عبدالرحمن الداود
تلقت "الحياة" من رئيس الوزراء العراقي السابق عارف عبدالرزاق رداً طويلاً على ما جاء على لسان عضو مجلس قيادة الثورة وزير الدفاع السابق الفريق الركن ابراهيم الداود في سلسلة "يتذكر". ويبدو ان الرغبة في دحض ما اعتبره مبالغات ومغالطات أيقظت ذاكرة عبدالرزاق ودفعته الى التفنيد والتصويب والتذكير خصوصاً في ما يتعلق بمجريات محاولتين انقلابيتين قادهما، الاولى ضد الرئيس عبدالسلام عارف والثانية ضد وريثه وشقيقه عبدالرحمن.
ويكشف الرد حال الغليان التي كان الجيش العراقي يعيشها باستمرار وتتردد فيه اسماء عدد من الضباط بينهم رئيس الوزراء الراحل عبدالرزاق النايف ونائب رئيس الوزراء السابق عبدالغني الراوي الذي نشرت "الحياة" اعترافاته. ولأن غرض سلسلة "يتذكر" تمكين القارئ من مقارنة الروايات وامتحان اقوال الشهود والمعنيين تنشر "الحياة" رد عارف عبدالرزاق على حلقتين وهنا نص الاولى:
حدث الانقلاب على عهد عبدالكريم قاسم في الساعة التاسعة من يوم الجمعة المصادف 8 شباط فبراير 1963، الموافق لليوم الرابع عشر من شهر رمضان. وعُيّنتُ قائداً للقوة الجوية في اليوم نفسه وفتحت مقري التعبوي في الحبانية قبل ان انتقل الى بغداد لمزاولة اعمالي في المقر الرئيسي في 18 شباط. وفي بغداد عرفت ان حزب البعث قد استحوذ على كل شيء اساسي ولم يشرك احداً في مجلس قيادة الثورة عدا عبدالسلام عارف وذلك من باب المجاملة. هنا ايقنت اننا "أكلنا الطعم" من حيث لا ندري فقد جاملونا وأشركونا لإنجاح الثورة فقط وأيقنت انهم سيتخلون عنا بعد حين وشعرت بأنهم في طريقهم للتخلص مني فقلت في نفسي ليكن ذلك بيدي لا بيد ابن عمرو كما قالت الزباء.
وخلال وجودي في قيادة القوة الجوية جرت حادثتان مهمتان اود التنبيه اليهما.
الاولى: باشرت بالامر الى القوات الجوية كافة بالمباشرة بالتدريب، ففي اليوم الرابع للثورة أقلعت طائرة "اليوشن 28" من مطار الشعيبه بقيادة ضابط مستجدّ في الطيران عليها، وكان جاهزاً للطيران بمفرده الا ان الطيارة سقطت بعد دقائق من اقلاعها وبدأت سلسلة من البرقيات بين آمر موقع البصرة والعميد الركن عبدالمجيد سعيد ومجلس قيادة الثورة. وهناك من تأكد ان العمل تخريبي وقام به بعض المراتب من ذوي الاتجاه الشيوعي، فاقترح اعدامهم فوراً وفي القاعدة نفسها وامام كل المراتب ليكونوا عبرة لغيرهم، وكأن قيادة القوة الجوية غير معنية بالامر فكانت تعطى لها نسخ من البرقيات للمعلومات فقط. هنا تدخلت وطلبت من الجميع الهدوء ريثما نعرف السبب الحقيقي لسقوط الطائرة.
أمرت بتشكيل مجلس تحقيق من 4 ضباط بينهم المهندسان عبدالأمير صالح وقحطان العزاوي. وعاد اعضاء المجلس التحقيقي في اليوم الثاني وجلبوا معهم قطعاً عدة من اسلاك القيادة للسيطرة على الطائرة وقالوا انه تخريب متعمد. فناقشتهم وقلت لهم ما هي الاسباب ولم اقتنع بالاسباب التي ذكرت. قلت لهم ان الطائرة استطاعت التحليق بالجو وهذا دليل على سلامة موصلات القيادة. ثم اخذت تنحرف شمالاً ولم يستطع الطيار السيطرة عليها فما الذي حدث لا بد وان أحد المحركين قد توقف عن العمل فأجابوا ان المحركين كانا يعملان بصورة صحيحة. فأضفت لهما عضواً آخر هو الطيار عدنان امين فاكي واخيراً توصلوا الى ان هناك مفتاحاً كهربائياً امام مقعد الملاح تُرك يعمل بالخطأ، ولم يكن احد في السرب يعرف اهمية هذا المفتاح وقد جرت تجارب عدة وتكرر الخطأ نفسه فتم اعفاء المراتب من عقوبة الاعدام التي كانت ستنفذ تحت التأثير العاطفي لا العقلي.
والثانية: كانت لدينا طيارة نقل من نوع "اوكرايينا" ذهبت لجلب بعض المواد الاحتياطية المستعجلة يقودها الطيار محمد ابراهيم ادهم، وكان انتهازياً وماشى الشيوعيين اذ اعتقد ان الغلبة لهم وكان قد انهى المهمة التي ذهب من اجلها فارسل برقية يستأذن فيها العودة فأذنت له. وجاءني من يقترح توقيفه عند نزوله من الطائرة فامتنعت عن ذلك بدليل انه لو كان مذنباً بشيء لما عاد ليسلّم نفسه للمساءلة وارتأيت ان يذهب الى عائلته ويستجوب في اليوم الثاني ويوقف اذا ثبت ضلوعه. الا ان بعض الضباط من ذوي الرتب الصغيرة ارتأوا عكس ذلك فخالف اثنان اوامري وقاما باعتقاله امام زوجته واطفاله، فأصدرت امري بتوقيف الضابطين لمخالفتهما الاوامر. الا ان رئيس الوزراء احمد حسن البكر استخفّ بأمر اعتقالهما وأصدر امراً بالعفو عنهما. وكان ذلك مخالفة صريحة لأوامري ولم يكن لدي بدّ من الاستقالة فقلت إما القائد او احمد حسن البكر، وكان ذلك يوم 28 شباط، اي بعد 20 يوماً من بدء الثورة فاجتمع مجلس قيادة الثورة ورحب بالاستقالة ومنح المقدم حردان التكريتي رتبة عميد ونصبه قائداً للقوة الجوية خلفاً لي.
وفي اوائل شهر آذار مارس 1963 توفي احد اخوالي واقيم مجلس فاتحة في دار خالي الاكبر. ومجلس الفاتحة لمدة ثلاثة ايام. كنت آتي بسيارتي الخاصة من الحبانية لحضور مجلس الفاتحة لتلقي التعازي. وفي احد الايام اخبرني احدهم هامساً بأن ضابطاً برتبة نقيب يريد مقابلتي فأشار لي اليه واصطحبني الشخص الى داره. وبعد ان أجلسني ولج الى داخل الدار وجاء يحمل مصحفاً واقسم عليه، قبل البدء بأي كلام، بالولاء لي ولقوميتي واكتفيت بشكره ومن معه الذين ذكرهم لي. ولما سألت عنه بعض القوميين اجابوني بأن لا بأس به لكنه لجوج ومتبجّح فققرت تركه ولم أره الا بعد انقلاب حردان التكريتي وعبدالسلام عارف على البعث وتعييني وزيراً للزراعة بعد ان رفض حردان رجوعي للقوة الجوية تحت ضغط رفاقه البعثيين الباقين على مشاكلته لكن عدت الى القوة الجوية تاركاً الوزارة، فالقوة الجوية هي التي تعرفني واعرفها من 15/12/1963، حيث جاء مرة الداود لبعض شؤونه الخاصة التي لم استطع قضاءها له. ومرت الايام تباعاً مع عبدالسلام عارف. وفي مطلع 1965 جاءني ضابط ممن اثق فيهم، وأبلغني ان اللواء عبدالغني الراوي فاتحه للقيام بتشكيل تنظيم جديد وتأكدت من العقيد هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية والمقدم رشيد محسن مدير الاستخبارات العامة اذ اكد كل منهما الخبر وان التنظيم الجديد يشمل المقدم عبدالرزاق النايف والمقدم ابراهيم عبدالرحمن الداود ومقدم الجو علي عواد وعلمت منهما انه تنظيم صغير وان لا شأن لهما ولا يقويان على شيء فتركا حتى جاء يوم 30/6 بعد رجوعي من معرض الطيران الذي جرى في فرنسا في 18/6 في باريس بينما كان علي ان أعود قبل سفر رئيس الجمهورية عبدالسلام عارف لحضور مؤتمر القمة الذي كان سيعقد في الجزائر في 28/6. الا ان انقلاب هواري بومدين على احمد بن بله حال دون اتمام عقد المؤتمر ولدى معرفتي بتأجيل المؤتمر لم أر عجلة في الرجوع الى بغداد حيث كنت موعوداً بعضوية مجلس الرئاسة طيلة غياب الرئيس عبدالسلام عارف فقررت السفر الى بريطانيا للاطلاع على اجهزة رادار عرضتها علينا شركة بريطانية وتنافسها شركة اميركية وذلك لتقوية شبكات الرادار في العراق لتشمل العراق بأسره بالاستفادة من رادارات جديدة لتعاون الرادارات الروسية القديمة "ب 8" و"ب 30". وبعد الاطلاع عدت الى بغداد في صباح 30/6 فأخبرت ان عبدالكريم فرحان استقال اثر اهانة وجهها له عبدالسلام عارف في مكالمة هاتفية بين عبدالسلام عارف وطاهر يحيى الذي وجّه سماعة الهاتف عمداً ليسمعها عبدالكريم فرحان.
ذهبت صباح الخميس للسلام على رئيس الوزراء طاهر يحيى حيث اخبرني باستقالة وزراء آخرين تضامناً مع عبدالكريم فرحان لإهانته وكان هناك وزيران سابقان مستقيلان هما عبدالهادي الراوي ومحمد العبوسي فاقترحت عليهما القاءها في الدرج الى حين تهدأ النفوس علّنا نستطيع معالجة بعضاً منها الا ان طاهر يحيى لم يكن ليؤتمن جانبه في مثل هذه الحالات فكان يخاف عبدالسلام ولا يستطيع عصيان أمر له.
يعرض خدماته
وبعد ذهابي مساءً مع العقيد سعيد الصليبي للسلام على عبدالسلام عارف وعلمت ان الاخير يعرف الوزراء المستقيلين بالاسم، ويعرف كل صغيرة وكبيرة، وأطلعه طاهر يحيى على ذلك، فلم يستطع كتمان السر ولو الى حين. وبعد خروجنا من مكتب عبدالسلام رافقني سعيد الصليبي الى داخل دارنا حيث ابدى رغبته بالمحادثة وعرض عليّ تشكيل الوزارة خلفاً لطاهر يحيى، وقال انه اقتراح من عنده، فقلت له: "يا سعيد افصح فهذا ليس رأيك بل الطلب من عبدالسلام عارف واعلم اننا جميعاً ننزلق الى هاوية ما دام عبدالسلام مستمراً في شكوكه وآلاعيبه وغطرسته وهناك مقولة تقول ان أنصاف الحلول لا تجدي. لكن اعلم انني سأجرب هذا النصف من الحل واخالف المقولة على شرط ان يبقى عبدالسلام رئيساً دستورياً ولا يتدخل في شيء كما كان يفعل في التدخل في نقل حتى ضباط الصف والمراتب ولا أريد ان اكمل بقية القصة حتى انتقل الى اللواء عبدالغني الراوي، فبينما كنا مجتمعين في اليوم الثاني الجمعة 2 تموز يوليو نتباحث في امر تشكيل الوزارة بعد ان اخذت موافقة تنظيمي اتصل اللواء الراوي اكثر من مرة بسكرتير عبدالسلام عارف عبدالله مجيد طالباً مقابلة مستعجلة مع عبدالسلام عارف، وجاء السكرتير ليخبرنا وقال انه بانتظار الرد في محل قرب الباب الشرقي لبغداد فاقترحت عليه "هاته لنستمع الى ما عنده". وقابله عبدالسلام على انفراد وكنا وراء ستارة نسمع كل ما دار بينهما. فبعد السلام والسؤال عن الحجية حيث اشتركا في موسم حج واحد بعد اطلاق سراح عبدالسلام عارف والذي موّله اي لعبدالسلام عارف عبدالكريم قاسم. افاد عبدالغني بأنه سمع ان عبدالسلام ارسل القوميين في طائرة الى مصر وهو في طريقه الى ارسال البقية وجاء ليعرض خدماته. لم استطع تصديق اذني لما اسمع فكنت اعتقد ان صداقة تربطني بعبدالغني الراوي. وبعد خروجي من مكتب عبدالسلام اتصلت باللواء فاضل محسن الحكيم الصديق الحميم للراوي وافهمته ان يبلغ الراوي بالسفر الى النمسا للالتحاق بوظيفته كسفير للعراق فيها، وكان يستهجن المنصب لأنه موعود من قبل النايف والداود بمنصب اكبر يناسب طموحاته، واذا لم يفعل فإنني سأقوم باعتقاله والتحقيق معه لأمور هو يعرفها. وفي عصر اليوم نفسه ارسلت الى المقدم علي عواد والذي كان تم نقله كآمر جناح للطيران في قاعدة بغداد الجوية التي يرأسها العقيد عبدالغني امين وهو غير طيار، لكن تعيينه جرى من قبل حردان عندما خلفني في قيادة القوة الجوية. وكان منصب عزيز امين غصّة في حياتي فلم اكن اريد تعيين ضباط غير طيارين في مناصب قيادية في القوة الجوية كما فعل جلال الاوقاتي بتعيينه شاكر الخطيب آمراً للقاعدة في الحبانية وكنت أنوي تغييره عندما استطيع اعادة بعض الطيارين القدامى للخدمة. فحضر المدعو علي عواد، وبعد ان حيّاني ألهيت نفسي بالنظر في بريد ذلك اليوم فقلت له: ماذا فعلت يا علي؟ وانا انظر الى البريد امامي فأجاب انه عمل كذا وكذا، ولما سكت وقلت له ثم ماذا، ولما لم يستطع الاجابة اكثر سألته متى ستكون جنرالاً هل نظرت الى نفسك يا علي بمرآة صادقة فانت لا تحسن الطيران ولم تركب طائرة في عراك ولا تعلم شيئاً عن امور الطيران وليست لديك المؤهلات ولا القابلية لتكون قائداً للقوة الجوية ولا الخلق فاذا كنت لا تعرف فهذه تقارير آمريك شاهدة عليك فأسقط في يده ولم يعرف بماذا يجيب.
وجاء الراوي
وما كان اليوم التالي حتى أُخبرت وأنا اغتسل في داري الساعة السابعة صباحاً بقدوم شخص ودخوله غرفة الضيوف فعرفت انه لا بد ان يكون عبدالغني الراوي، فارتديت ملابسي وجئته مرحباً وقائلاً: عساك غيّرت رأيك ونويت السفر؟ فسألني عمن أخبرني بتنظيمهم وهل ان طاهر يحيى وعبدالسلام عارف يعلمان، فأجبته نفياً وكنت صادقاً فأنا لم اخبرهم. قال واذا لم اسافر قلت: سأضطر الى اخبارهم فيوقفوك للتحقيق معك، ورجاني بإلحاح لاخبره عمن اخبرني فقلت له يا ابا سعد هناك اسرار ستدفن معي ولن يطلع عليها أحد وانت تجيء بهذه البساطة لتنتزع اسراري وبهذه السهولة. فقال الراوي يا اخي نحن اربعة وقد اقسمنا بالمصحف فمن الذي وشى اليك؟ انني اعلم ان ابا سعد يسكن في السعودية فليته لو يتقدم بالتأييد او النكران.
قمت بسرد القصة لأثبت ان عبدالرحمن الداود كان يتآمر مع عبدالرزاق النايف وعبدالغني الراوي منذ عهد عبدالسلام عارف وليس كما جاء في تخريفه بأنه عاهد نفسه ان يزيح عبدالرحمن عارف لانه عاجز عن اتخاذ قرار بتوقيف البكر وطاهر يحيى وبقية الاسماء الخمسين الذي احتفظ لنفسه بها، ولم يبح ببقية الاسماء مع العلم ان الحوادث التي يتكلم الداود عنها حدثت في وزارة طاهر يحيى وليس في عهد ناجي طالب ويقول ان احداث 1967 زادته قناعة بضرورة طرد عبدالرحمن عارف من كرسي الرئاسة.
فتعالى ايها القارئ الكريم لنستمع الى الحقائق الآتية:
أ- بعد اعتقالي في 30 حزيران يونيو كنت في الموصل ولم احضر الى بغداد الا مساء 1 تموز يوليو 1966، وكانت مقابلتي مع عبدالرحمن عارف ليلة 1 - 2 تموز وبحضور عدد كبير من ضباط الحرس الجمهوري، وكان هناك اكثر من 4 رشاشات موجهة نحونا، وكنا تسعة ضباط بما فينا يونس طه عطار باشي الذي قاومنا في البداية وامر مرافقه بالرمي عليّ ورشقني بعتاد مخزن غدارة ستين حوالى 30 طلقة فلم ترهبني كثرة الرشاشات المصوّبة نحوي ولم أنحن لعبدالرحمن عارف ولا للداود وقلت لهم افعلوا ما تشاؤون. وبعدما سألني عبدالرحمن عارف: لماذا يا عارف؟ فأجبته سأتكلم في المحكمة الا اذا كنت تريد الاختصار وتجعل من هذا اللقاء محاكمة فلا فائدة من الكلام فافعل ما تشاء. فقال: ماذا جنينا؟ فقلت له انك لم تجن شيئاً وليس عليك في قلبي اي كراهية لكنني اسعى الى تحقيق الوحدة العربية فإنني اعيش لها واموت في سبيل تحقيقها اما انت فلم نهتم بك ولم نوجه لك حتى القاء القبض عليك. وان هؤلاء الضباط الذين معي ابرياء ولا يعرفون شيئاً عن المحاولة لكن حبهم لي دفعهم الى طاعتي، فأنا المذنب الاول والاخير. أليس هذا ما جرى يا عبدالرحمن عارف ويا عبدالغني الراوي؟
قيد الاعتقال
ب- تم اعتقالنا في البداية في مقر لواء الحرس الجمهوري وكان آمره العقيد بشير الطالب وليس الداود الذي يقول انه كان نائماً يوم 30 حزيران وعرف بالمنام ان هناك انقلاباً. فان هذا الوحي الذي يلازمه كما لازم عبدالسلام عارف عندما ايقظه العميد زاهد فوجده يحلم بالانقلاب في العراق، لكن الوحي لم ينزل ليوقظهما قبل غدر البكر والبعث بهم، وكان ذلك اوضح من شمس الصيف.
ج - اما المحاولة الاولى الذي يدعي الداود انه افسدها في 14/9/1965 والذي يصرّ على انه آمر اللواء بينما كان العقيد بشير الطالب شبه معتقل في مجلس الوزراء. ويدعي الداود انه جهز باصين لنقل الركاب ليقلانا الى الطائرة التي ستحملنا الى القاهرة التي أمر بإعدادها، وهذه الحكاية ما هي الا التخريف بعينه، فقد اصررت على البقاء في بيتي وجاءني عبدالحميد قادر مدير الشرطة العام والسيد عبدالستار علي الحسين وهو زميلي من ايام الدراسة في متوسطة الرمادي وأقنعاني بالذهاب الى القاهرة وترددت الا انهما عندما شجعاني وقالا ان الدنيا لم تنته بعد وأستطيع العودة ثانية بعد ان أكون قد أعددت لها جيداً، وأقرضني كل منهما مئتي دينار اعدت المبلغ لعبدالحميد بعدئذ ولم اعد شيئاً لعبد الستار فالصداقة بيننا امتن من المال وأبيت ان اذهب الا ومعي كل الضباط الذين سينالهم العقاب فاتصلت بالعقيد هادي خماس والعقيد عرفان وجدي والمقدم فاروق صبري والمقدم رشيد محسن والرائد عبدالامير الربيعي والنقيب حيدر الوسي، وطلبت حضورهم بسرعة للسفر، وباءت محاولتي للاتصال بالمقدم محمد يوسف بالفشل فلم يصحبني في سفري وارجو ان يعذرني لأن الوقت لم يسمح بالانتظار كثيراً لانني انتظرت حتى الساعة الحادية عشرة صباحاً وذهبت مع كل افراد عائلتي بسياراتنا الخاصة الى قاعدة بغداد الجوية حيث طلبت تهيئة طائرة AN12 يقودها الطيار طه احمد، فأين مكانك من كل هذا ايها … الدعي؟
د - يقول الداود انه كانت تربطني به علاقة صداقة! فلا ادري اذا كان يعتبر لقاءه معي مرتين عربون صداقة ويقول ايضاً انني زميل دراسة لعبدالسلام عارف مع ان عارف تخرج من الكلية العسكرية بتاريخ 7/5/1936 برتبة ملازم ودخلت الى الثانوية العسكرية في 5/9/1939 ولم اتخرج من الكلية العسكرية الا في حزيران يونيو 1943، ولم اتعرف على عبدالسلام عارف الا في دفن المقدم محمد السبتي الذي قتل من قبل النقيب جلال عبدالرزاق سنة 1950. فأية زمالة دراسية يقصدها الداود؟ واستطرد الداود في تخريفاته بأنه طلب من عبدالسلام عارف ان لا يعود بطائرة مصرية خوفاً من غدر عبدالناصر بينما عاد عبدالسلام عارف بطائرة مصرية وبرفقته الطيار حسين عبدالناصر شقيق جمال عبدالناصر وزوج ابنة عبدالحكيم عامر، لطمأنة عبدالسلام عارف حيث تخوف من القوة الجوية العراقية خصوصاً بعد ان سمع ان طيارة TU16 في طريقها من بغداد الى القاهرة بقيادة الطيار فاروق أحمد وعلى متنها الرائد الطيار الركن ممتاز عبدالعال السعدون والنقيب الطيار فهد عبدالخالق السعدون والملازم الاول الطيار عامر عبدالله والرائد زهير محمود القبطان.
عارف والبزاز
4- اما ادعاءاته عن تعيين عبدالرحمن عارف خلفاً لعبد السلام عارف ففيها الكذب الصريح، اذ ان الدستور الموقت ينص على اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب من قبل اعضاء مجلس قيادة الثورة واعضاء مجلس الوزراء، وقد ترشح للمنصب ثلاثة اشخاص هم عبدالرحمن عارف وحاز على 13 صوتاً وحاز عبدالرحمن البزاز المرشح الثاني 14 صوتاً اما المرشح الثالث عبدالعزيز العقيلي وزير الدفاع فقد حاز على صوت واحد، وذهب عدد من الضباط وعلى رأسهم سعيد الصليبي الى السيد البزاز ونصحوه بسحب ترشيحه.
وتمت التسوية بين عبدالرحمن عارف والبزاز بأن يتنازل البزاز لعبدالرحمن عارف بعد ضمان بقاء عبدالرحمن البزاز في رئاسة مجلس الوزراء، وكان الداود آمر فوج في الحرس الجمهوري لكنه يصرّ في تخريفاته انه آمر لواء الحرس فيما الآمر بشير الطالب.
5- محاولات الانقلاب التي خطط الداود مع صحبه عبدالغني الراوي وبشير الطالب وعبدالرزاق النايف وفاضل محمد علي وصعب الحردان وسعدون غيدان وسعدون عبدالرزاق وكمال جميل عبود لم تنقطع، وكانت ترسم وتلغى باستمرار وسأحاول المرور عليها سريعاً بالتسلسل.
- المحاولة الاولى: بعد اعتقالنا اثر فشل انقلاب 30 حزيران والذي أفشى به القائم بالاعمال البريطاني الى وزير المال شكري صالح زكي فنقل الخبر الى رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز الذي اخبر عبدالرحمن عارف بحضور وزير الدفاع شاكر محمود شكري، الذي اخبر صبحي عبدالحميد فاضطررت الى تأخير الانقلاب 14 يوماً اذ ان الحراس كانوا على معرفة وعلى حذر ولم ينزل الوحي على عبدالرحمن الداود وهو نائم كما ذكر في تخريفه.
تلقى بعض الضباط المدرجة اسماؤهم اعلاه بعض التهديدات من فئات قومية بقتلهم او خطف عوائلهم فقام الدواد وصحبه فانتخبوا احد عشر ضابطاً من ضباطنا وكنت انا في مقدمهم وأعدوا لي وللطيار ممتاز السعدون غرفة لا ترى النور بعد ان سدت نوافذها بالاسمنت والطابوق في شهري تموز يوليو وآب اغسطس 1966، وقام ضابط برتبة ملازم اعرفه سابقاً بتفتيش حقائب اليد التي بحوزتنا ونظر اليّ ولما كنت اراقبه وضع ورقة في الحقيبة العائدة لي. ولما قرأتها قال كاتبها انه وصحبه البالغ عددهم خمسة ضباط مستعدون لعمل اي شيء في سبيلنا كتهريبنا من السجن او قتل عبدالرحمن عارف او اي شخص آخر، وكان هذا الضابط يشغل منصب نائب المساعد في الفوج، وقد اوكلت اليه حراستنا في المعتقل فطلبت منه التريث حتى الوقت المناسب.
حلقات ومؤامرات
وكان الداود وصحبه يجتمعون ليلاً في غرفة آمر الفوج الثاني المقدم كمال جميل عبود وكان الملازم يستمع الى احاديثهم وينقلها الينا تباعاً. فعند زيارة عبدالرحمن البزاز الى موسكو قرر المجتمعون اسقاط عبدالرحمن البزاز ومجيء عبدالغني الراوي وانهم سيضغطون على عبدالرحمن البزاز للتنفيذ او االانقلاب عليه. وكرد فعل لعملهم هذا طلبت من الملازم ان يكتب تقريره لزيادة عدد سيارات الحراسة التي كانت تقوم بالحراسة علينا الى ضعفها وكانت تتولى حراستنا سيارتان وناقلتان مدرعتان، فطلبت رفعها الى خمس ولُبي الطلب. وكان آمر السرية الذي يحرس الاذاعة ابدى تجاوبه معنا وبعد ان قابلته وتأكدت من اشتراكه معنا قررت ان لا ندع الامور لقمة سهلة لهؤلاء، اذ كان لدينا قرابة خمسين ضابطاً وحوالى 250 جندياً معتقلين في مدرسة المشاة، فقررنا القيام بحركة خروج من السجن عندما يبدأ الداود وصحبه بالتنفيذ وكان ينقصنا عدد من ضباط الدروع اذ ان معظمهم تم تسفيرهم الى مصر، فاتصلت بالمقدم عبدالوهاب الخطيب السوري الجنسية والموجود حالياً في القاهرة المتخفي وقتئذ في السفارة المصرية وزودناه بما ينوي هؤلاء الضباط فعله واننا باستطاعتنا القيام بحركة خروج من السجن، فهل نستطيع ان نضع في حساباتنا اشراك قوات الجمهورية العربية المتحدة الموجودة في معسكر التاجي التي يبلغ تعدادها اكثر من مئة دبابة وكان الجواب سريعاً بالايجاب بكلمتين نعم وعلى بركة الله بتوقيع المشير عبدالحكيم عامر. وكانت هذه المرة الاولى التي تبدي الجمهورية العربية استعدادها للمشاركة فيما امتنعت عن اعطائنا بعض العتاد قبل موعد الانقلاب في 30 حزيران وعلى كل فهذه هي السياسة وتقلباتها من اليمين الى الشمال ومن الخلف الى الامام.
وبعد رجوع البزاز ضغط المقربون على عبدالرحمن عارف فانصاع لإقالة البزاز وامتنع عن تعيين الراوي بمنصب رئيس الوزراء، فاسند الى ناجي طالب على ان يعيّن عبدالغني الراوي وزيراً للدفاع الا ان الراوي استكبر على المنصب خصوصاً بعد ان كان موعوداً برئاسة الوزراء، فانقسمت جماعة الضغط على نفسها وأُجّل القيام بالانقلاب الموعود.
غداً حلقة ثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.