ما زال مؤيدو الرئيس الأميركي جورج بوش داخل الادارة وخارجها في الاعلام ومراكز الأبحاث... يعتبرون ان السجال الدائر في زيف الحجة التي استخدمت من أجل شن الحرب على العراق، وهي "الكلمات الست عشرة" التي تضمنها خطابه عن حال الاتحاد في مطلع هذا العام، حول سعي صدام حسين الى امتلاك اليورانيوم لصنع قنبلة نووية، "قضية ثانوية". ولدى هؤلاء المؤيدين خصوصاً فريق "المحافظين الجدد" ما يحملهم على الاعتقاد بأن ادارة الرئيس الأميركي لن تتعرض لهزة بسبب المساءلة التي يطرحها الديموقراطيون وبعض الرموز الليبرالية في الاعلام الأميركي، في شأن "التلفيق المقصود للمعلومات الاستخباراتية" من أجل تبرير الحرب على العراق. فهم يعتقدون انه على رغم انخفاض شعبية الرئيس بسبب هذه المساءلة وبسبب المأزق الذي تتعرّض له القوات الأميركية في العراق جراء المقاومة، فإن هذا الانخفاض يبقى ضمن الحدود المقبولة، وأن الرأي العام الأميركي خرج بعد سرعة احتلال العراق، بمخزون تأييد، ضمن جيل الشباب خصوصاً، للقوات المسلحة الأميركية يصل الى حد الاعجاب والافتتان بها وبقدراتها، على حماية أميركا من "الخطر الخارجي"، وبالتالي بالقرار الرئاسي الذي أفضى الى استخدام قوتها على الشكل الذي حصل... وهو اعجاب وافتتان لم يحصل مثلهما في العقود الماضية بعد عقدة حرب فيتنام. هذا ما يفسر وصف صحيفة مثل "واشنطن بوست" التي تأخذ على الدوام في الاعتبار مصالح البيت الأبيض، في افتتاحيتها، السجال الدائر ب"التسخين المبالغ به"، على رغم دعوتها الى وضع الحقائق، حول المسؤولية عن استخدام معلومات استخباراتية لأهداف سياسية على الطاولة، معتبرة ان كل هذا السجال لا يعني ان الحرب لم تكن مبررة. في أميركا ليست هي المرة الأولى التي "تكذب" فيها الادارة. فكل الحكومات تتلاعب بالوقائع لأهداف سياسية. الا ان هذه الادارة بالذات تضم رجالاً يهيمنون على قراراتها، تلهمهم فلسفة التفوق الأميركي على الصعيد الدولي ووجوب تكريسها بسياسة دفاعية وخارجية "هجومية"، بعد انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات نهاية القرن الماضي. والملهم الرئيس للمحافظين الجدد في هدفهم الذي تحول الى سياسة الرئاسة الاميركية منذ تبنت نظرية الضربة الاستباقية، هو الفيلسوف السياسي الأميركي ليو شتراوس، الذ تتلمذ معظمهم عليه في دراساتهم الجامعية. فشتراوس يعتبر ان "الحقيقة الاساسية عن المجتمع والتاريخ يجب ان تبقى في عهدة نخبة، وتُحجب عن الآخرين الذين تنقصهم قدرة التعامل مع الحقيقة"... ويرى شتراوس ان "رجال الدولة الجيدين يجب ان يستندوا الى حلقة داخلية ضيقة"... وعليه فإن اعضاء الحلقة باتوا يرون ان الحقيقة يجب ان تنحصر بهم وبالتالي من الضروري قول الأكاذيب للناس عن الواقع السياسي". وهذا ما يجعل شتراوس يعتقد ان "الانتظام السياسي يجب ان يقوم على توحيد عناصر المجتمع ضد تهديد خارجي... فاذا لم يكن موجوداً وجب اختراعه...". هكذا، يصبح التلاعب بالوقائع الاستخباراتية، ونصائح وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، عبر أجهزة البنتاغون، الى وكالة الاستخبارات المركزية، ب"اعادة النظر" في تقاريرها المشككة بالمعلومات عن امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل، وتجاهل نائب الرئيس ديك تشيني نتائج التحقيق في صحة المعلومات من النيجر عن سعي صدام حسين لامتلاك اليورانيوم، والتي اثبت السفير المكلف بالتحقيق جوزف ويلسون انها مزيفة في شباط / فبراير العام 2000، قضية ثانوية... بل ان مؤيدي بوش يقفزون فوق كل المعلومات التي تنشر في بعض الصحف الأميركية عن ان تشيني ضغط مرات عدة على "سي آي أي" كي تعدل من تقاريرها التي تضعف الحجة من أجل الحرب... قد لا تشكل فضيحة اليورانيوم خطراً على بوش، كما يتمنى البعض، في العالم العربي خصوصاً، قبيل الحملة الانتخابية الأميركية. الا ان هذه الفضيحة تدل الى ان الدول الاخرى كافة، الكبرى والصغرى في العالم، لديها ما يبرر مخاوفها من المدى الذي يمكن ان تذهب اليه واشنطن في ظل سياسة هذه الادارة الخطرة على العالم ككل... وهذا ما يفسر الشروط التي تضعها هذه الدول على مساعدة أميركا في العراق...