السيد ادوارد ووكر، سفير أميركا سابقاً في مصر، ومدير معهد واشنطن للدراسات، وجه رسالة مفتوحة الى "المقاطعة العربية غير الرسمية" على صفحات "الحياة". وأبدى، في رسالته، حرصه الشديد على اقتصاد دول الشرق الأوسط، وخصوصاً مصر. واهتم بالعمالة فيها، وكان مدخله إلى الحديث عن المقاطعة الشعبية "حال الإحباط الموجودة في الشارع العربي"، وإرادة العرب أن "يفعلوا شيئاً ما". ونحن نشكر السيد السفير السابق على مقاله. فهذا المقال أبلغ دليل على تأثير المقاطعة الشعبية في أميركا، والا فلماذا هذه الرسالة؟ أهو الخوف حقاً على المستثمر العربي؟ وأميركا دمرت العراق، وحاصرت ليبيا والسودان، وخسرت مصر - التي يتباكون على اقتصادها جراء المقاطعة - أكثر من بليوني دولار. وهو أعاد مصطلح المقاطعة الى عناوين الصحف، وذكرنا بخطورة هذا السلاح. إن ما يؤذي الأميركيين حقاً هو المقاطعة الشعبية المنظمة. ودفاعنا عن المقاطعة ينبع من واجب ديني وشرعي، وهو جهادنا، ومن دافع وطني هو تشجيع منتجات بلادنا العربية والإسلامية. وخبر هذه المقاطعة الشعبية عند الفلسطيني، تحت الحصار، يبعث فرحة وسعادة تعادل فرحتنا بعملياتهم الاستشهادية، بل تزيد، كما أخبرونا هم. فلماذا يعتقد الساسة الأميركيون ان المنتجات الأميركية وحدها هي القادرة على إحياء الاقتصادات الناشئة؟ أين السوق الأوروبية؟ أين جنوب شرقي آسيا؟ أين أميركا اللاتينية؟ أين الصين؟ أين الدول الثماني الإسلامية؟ الأسواق الكثيرة، والدول كذلك. فلماذا يظن هؤلاء ان العلاقات الاقتصادية مع أميركا هي النجاح؟ وإذا كانت الشركات الأميركية تعمل خلف الكواليس لوقف المقاطعة الأميركية لسورية، فلأن هذه الشركات تعلم حجم السوق العربية وحجم السوق الاسلامية. السيد ووكر، شأن كل متحامل على المقاطعة، يزعم أن المقاطعة تضر الشرق الأوسط، ولن يصل منها الى نيويورك "سوى أصداء باهتة". اذا كان الأمر كذلك، فلماذا الحزن اذاً؟ الأميركي غيور على الاقتصاد المصري؟ وهم دمروه بشروطهم وقيودهم على الحكومات المختلفة. من صاحب مشروع الخصخصة وتشريد 170 ألف عامل مصري؟ إنه صندوق النقد الدولي الذي يحكمون به العالم! حدثني، بالله عليك، عن منظمة التجارة العالمية، وأثرها على العمالة في بلادي! حدثني عن احتلال العراق، وعودة المصريين من هناك ووقف حركة التجارة بيننا وبين العراق! يبكون على محصول الخس والطماطم المصري والخبز المصري. هل يظنون أن إغلاق ماكدونالدز فروعها في مصر يحرم الطماطم والخس والخبز من الطاعمين؟ جميل من السيد ووكر ان يهددنا بما نريد ان تبحث الشركات الاميركية عن مكان أكثر ترحيباً، سنغافورة مثلاً. إن مبادئ علم الاقتصاد تقول انه لا يوجد مستثمر أجنبي يبحث عن حل مشكلة البطالة من بلد ما، أو يصلح اقتصاده المنهار، إنما هو يبحث عن أعظم ربحية، وعن الحوافز الضريبية والجمركية، وتكلفة الأيدي العاملة. فالاعتبارات الاقتصادية المرتبطة بالحسابات الرشيدة هي المحرك الرئيس للاستثمارات الاجنبية المباشرة. فوجود شركاتكم مرهون بأرباحكم، وخروجكم من اي بلد مرهون بخسائركم التي من المؤكد ان المقاطعة احد أهم أسبابها. اننا نسعى لخلق بيئة ترحب بالاستثمار، لا بالاحتلال، ولسنا على استعداد للسماح لكم باعطائنا الدواء بيد ملطخة بدماء أهلنا في العراق وفلسطين. إن الشعوب العربية أفاقت، وعرفت عدوها الحقيقي. وعلى الشركات الأميركية البحث عن مكان آخر. صعب جداً ان يكون هذا المكان أكثر ترحيباً، ولا يكرههم فيه أحد. وأخيراً، لسنا وحدنا نقاطع، بل العالم كله يقاطع وممكن لمن يريد ان يزور مواقع للتعرف عليها، فمنها www.boycotbushcom، وموقع the mother earth، كثر من المواقع المتخصصة في أنحاء العالم، في سبيل ان تعيد الخارجية الأميركية النظر في سياستها ومواقفها. والمقاطعة حركة ديموقراطية معترف بها عالمياً، رسمياً وشعبياً، وهي حركة لها تاريخ وانتصارات. ولكن المؤسف هو ازدواجية البيئة الدولية في شأن المقاطعة. وفي الوقت الذي تشن فيه أميركا هجوماً ضارياً، وتمارس ضغوطاً عنيفة لاسقاط المقاطعة بكافة درجاتها - ومنها هذا المقال -، تستخدم المقاطعة لعقاب الدول المختلفة معها. فأميركا استخدمت سياسة المقاطعة الاقتصادية ضد الدول المعادية لها اكثر من 70 مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تفرض العقوبة الاقتصادية الشاملة على كوبا، وهي المقاطعة التي بدأت عام 1961، وجرى تشديدها بقانون هيلمز الذي يلزم الحكومات الاميركية عزل كوبا، وتشديد الحظر المفروض عليها، وعلى صادرات السكر الكوبي، ويقضي بمعاقبة الدول والشركات والافراد الذين يقومون بالاستثمار في كوبا. كما تفرض أميركا مقاطعة اقتصادية، تتفاوت حدتها، على كل من ليبيا وايران وكوريا الشمالية والسودان، وهي نفسها، أميركا، أسهمت في إسقاط النظام العنصري في جنوب افريقيا من خلال مشاركتها مع الدول الغربية في فرض مقاطعة اقتصادية عليه استمرت من عام 1985 الى بداية التسعينات. هذه الازدواجية العجيبة تجعل السياسة الاميركية تبكي على العمالة في مصر ولا يهمها الاقتصاد الكوبي، وتهتم بالخس المصري ولا يهمها الاقتصاد الكوري. هذه الازدواجية مادة لدعم مواقفنا في مقاطعة المنتجات والسلع الاميركية. الاسكندرية - د. هشام علي الدين عبدالقادر أمين مساعد لجنة المقاطعة في النقابات المهنية