أخبرني الزميل نزار ضو النعيم منذ مدة أن الأديب عبدالله الطيب المجذوب يعاني مرضاً أصابه بعد جلطة دماغية، وقد عُولج في لندن وتحسنت أحواله، فنُقِل إلى الخرطوم، ثم غادر المستشفى إلى منزله، وتعطل جهاز نطقه، وصار يتفاهم مع زواره كتابةً بناءً على نصائح الأطباء. وأخيراً فاجأني الزميل نزار بورقة نعوةٍ نَعَتْ فيها السفارة السودانية في لندن الفقيد الراحل عبدالله الطيب المجذوب، وجاء في النعوة: "ودّع السودان علماً فذّاً جليلاً من أعلام الثقافة العربية والإسلامية، وشاعراً فصيحاً مُلهَماً، وناقداً ومُفسّراً أصيلاً، هو الأديب المربي أستاذ اللغة العربية، عبدالله الطيب المجذوب، الذي وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض... ولد عبدالله الطيب في الثاني من حزيران يونيو سنة 1921 في بلدة "التميراب" غرب مدينة الدامر "ولاية نهر النيل" ونشأ حول بريق "الخلوات". وتنقل عبدالله في تعليمه بين مُدُن السودان. فبعد دراسته في "الخلاوي" درس في مدارس كسلا والدامر وبربر، وكلية غردون التذكارية، والمدارس العليا جامعة الخرطوم حالياً ومعهد التربية ببخت الرضا. و تخرج في المدارس العليا في الخرطوم سنة 1942. ثم التحق بمدرسة الآداب وتخرّج فيها سنة 1942. ثمَّ أُرسل في بعثة إلى جامعة لندن، وحصل على شهادة المعادلة في البكالوريوس في الآداب من كلية الدراسات الشرقية والافريقية سنة 1948، ثم حصل على الدكتوراه سنة 1951، وكان موضوع أطروحته: "أبو العلاء شاعراً" ولم يكتف بالدرجة العلمية من بريطانيا بل تزوج بامرأته الإنكليزية الوحيدة السيدة غرازيلدا، وهو لم يتركها في لندن حينما عاد إلى السودان، على رغم أنهما لم يُرزقا أطفالاً، بل اصطحبها معه، ووقف معها وقفة رجل شجاع ونبيل في زمن كان الزواج بالأجنبية مشكلة اجتماعية في بلاد العرب والمسلمين. وبعد التخرُّج أصبح عبدالله محاضراً في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن ثم عاد إلى السودان، فعمل رئيساً لقسم اللغة العربية ومناهج المدارس المتوسطة في معهد بخت الرضا لتدريب المعلمين في السودان، ثم صار أستاذاً في قسم اللغة العربية في جامعة الخرطوم سنة 1956، ثم صار عميداً لكلية الآداب فيها سنة 1961. كان الطيب عضواً في هيئة تحرير الموسوعة الافريقية في غانا، وعضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة منذ سنة 1961، ورئيساً لمجمع اللغة العربية في الخرطوم، ورئيساً لاتحاد الأدباء السودانيين، وكان أستاذاً زائراً لعدد من الجامعات العربية والافريقية والبريطانية. صدرت لعبدالله الطيب دواوين شعرية عدة هي: "أصداء النيل" 1957، و"اللواء الظافر" 1968، و"سقط الزند الجديد" 1976، هذا الديوان يُذكّرنا بديوان "سقط الزند" لأبي العلاء المعري الذي أولع به عبدالله الطيب، و"أغاني الأصيل" 1976، و"أربع دمعات على رحاب السادات" 1978، وصدرت له مسرحيات شعرية عدة. ومن دراساته الأكاديمية: "المرشد إلى فهم أشعار العرب"، و"من حقيبة الذكريات" و"القصيدة المادحة" و"مع أبي الطيب"، ومن أعماله الإبداعية الأخرى: قصّة "نوار القطن" 1964، وله عدد من الكتب التي تجمع بين الشعر والنثر مثل: "بين النير والنور" 1970، و"التماسَةُ عزاء بين الشعراء" 1970، و"ذكرى صديقين" 1987. وحصل عبدالله الطيب على جائزة الملك فيصل العالمية للآداب مناصفة مع الناقد المصري عز الدين إسماعيل الذي قال مُعلقاً على المناصفة: "حاشا أن أتقاسمها مع أستاذي". وكان ذلك في أيار مايو 2000، وسبب الحصول على الجائزة هو ما أنجزه الطيب من دراسات أدبية ثرّة، وما بذل من جهود علمية متميّزة في مجالات البحث المتعدّدة، وفي حقول الفكر والأدب عموماً. ومن كتبه المميزة كتاب "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها" المكوّن من أربعة مجلدات، وهو يحلل فيه جوانب الشعر العربي وخصائصه منذ العصر الجاهلي وما تلاه من عصور. وقد استغرق تأليفه 35 سنة، وصدر الجزء الرابع منه سنة 1990. وتضمّن الكتاب إشارات كثيرة لدّوْرِ النقاد العرب في العصور المتتالية، وأرّخ لتطوّر القصيدة العربية، وتأثيرها في الشعر العالمي في الغرب والشرق، وقد قلّده طه حسين قبل وفاته سنة 1973 وسام النبوغ احتفالاً بصدور المجلدات الأولى من هذا الكتاب الموسوعي وكتب له مقدمة. ولعبدالله الطيب الكثير من المؤلفات والكتب الأخرى التي تتناول قضايا الشعر والنثر باللغتين العربية والإنكليزية، ومن كتاباته فصل باللغة الإنكليزية عن "الشعر الجاهلي"، وقد نشرته جامعة كمبردج البريطانية، وشارك في بحوث الموسوعة البريطانية بمواد: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ومصطفى المنفلوطي، وعباس العقاد" وألف كتابين آخرين هما "أبطال الجزيرة العربية" و"قصص من رمال الجزيرة العربية". ولُقِّب عبدالله الطيب عن جدارة في السودان بعميد الأدب العربي.