انعكست أجواء التهدئة السياسية التي لا تزال تحكم حركة المسؤولين في لبنان إيجاباً على مناقشات الجلسة النيابية التشريعية العامة التي عُقدت أمس. وانسحب ذلك على المحادثات الجانبية المطولة بين الحريري ونائبه عصام فارس الذي جلس الى يمينه داخل القاعة بعدما سبقها لقاء عرضي في بهو المجلس عندما بادر الحريري بمخاطبة فارس قائلاً: "أعرف انك صاحب مواقف وقرارات أما كان الأجدى أن تعلن موقفك الذي أطلقته البارحة داخل جلسة مجلس الوزراء؟". في إشارة الى اعلان فارس ان مشاركته في الجلسات مرهونة بتغيير النهج السائد. وأقر المجلس 22 مشروعاً واقتراح قانون ولم يتبق سوى 14 اقتراح قانون أبرزها المتعلق بإنشاء محافظتين جديدتين في منطقتي بعلبك - الهرمل وعكار. وعلمت "الحياة" ان هذا الاقتراح سيقر اليوم بخلاف ما كان متوقعاً اذ ان التحفظات عن استحداث المحافظتين أزيلت نتيجة اتصالات أجريت، خصوصاً بين الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس كتلة اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، وتوضيح ان لا خلفيات انتخابية وراءه. كانت المداخلة الأولى في الجلسة للنائب نسيب لحود الذي أشار الى "ان اهل السلطة قدّموا لوحة صارخة وصريحة عن عمق الأزمة التي قادوا اليها البلاد وعن عمق الاختلال والتشويه الذي ألحقوه بالحياة الدستورية والسياسية وعن عجزهم وعجز هذه التركيبة". ورأى ان هذا الاختلال وهذا العجز تجليا في مظاهر اربعة هي: اختصار وظيفة الحكم والسلطة بالنزاع على المواقع الادارية والحصص والمصالح الشخصية والفئوية التي تعزز رصيد هذا المسؤول او ذاك في الاستحقاقات والمعارك المقبلة والاستعداد الواضح لتعطيل مجلس الوزراء ومؤسسات الحكم وتهميش الدستور والقانون، والإقرار بذلك عبر تمنين الناس بالعودة اخيراً الى أحكام الدستور". ولاحظ ان هناك "اختزالاً للمواقع الدستورية بالاشخاص، واستمرار الاحتكام الى خارج لبنان، وتحديداً الى الاشقاء السوريين من اجل بت أمور داخلية بحتة يفترض ان تكون الاجوبة عنها من ضمن آليات سياسية ودستورية لبنانية بحتة لأنها أمور لا تمت بصلة الى التعاون الاستراتيجي بين البلدين ولا الى المصالح الحيوية المشروعة لسورية". ورأى في ذلك "أوجهاً عدة لجوهر واحد هو اختلال صيغة الحكم وابتعادها المتمادي عن نصوص اتفاق الطائف وروحيته". وقال: "ان ما يشكل تحدياً للصدقية السياسية لهذه التركيبة هو استمرار وقوع الاعتداءات المتعددة الاهداف، خصوصاً تلك الت تستهدف الاعلام والحريات الاعلامية والثقة الاقتصادية بالبلاد ووقوف السلطة عاجزة عن الكشف عن ملابساتها ومحاسبة فاعليها، في حين لا يتوانى بعض هذه السلطات عن ممارسة أساليب القمع والتسلط عندما يتعلق الأمر بمواطنين عاديين أو بالحريات الاساسية لبعض المعارضين". واعتبر لحود ان الترقيع لم يعد مجدياً والتغيير بات أمراً ملحاً واحداث صدمة ايجابية تحيي الاقتصاد وتعيد الثقة الى المواطنين وتنقذ النظام من ممارسات أهل السلطة". ودعا النائب علي الخليل الى إنجاز ملف التشكيلات الديبلوماسية بالسرعة الممكنة والا فلا بد من الاحتكام الى المؤسسات الدستورية وطرح مشروعه على التصويت في مجلس الوزراء". وأعلن النائب نقولا فتوش "انه ضد التمديد لأي كان ولأي سبب كان. ورأى ان التجديد للمجلس الدستوري هو مكافأة للقانون الذي يهدر هنا وهناك. ورأى ان القانون ينحر ويداس وكل حديث عن التمديد هو مخالفة قانونية". ودعا النائب أكرم شهيب الحكومة الى التفكير بجدية في معالجة الازمات بدلاً من المخرج المخيف بين الخاص والعام". وقال: "المبكي ان الحكومة تستعجل في كل شيء قانون الشراكة الأوروبية الذي أقر بعيداً من التوازن وقريباً من التسرع بين مصلحة لبنان ومصلحة الشركاء الأوروبيين". وسأل: "هل الاندفاع سيستمر بالوتيرة نفسها في موضوع الخصخصة والاستملاكات وقصور المؤتمرات والأوتوسترادات في مقابل التباطؤ بالملفات الاقتصادية والاجتماعية؟". ورأى النائب ايلي عون "ان الحكومة استهلكت صدقيتها وزخمها وسقطت في الاختبار الأول". ولاحظ ان هذا المناخ السياسي "اذا ما استمر كفيل بتعطيل اي حكومة جديدة في حال وجودها". وقال النائب نعمة الله ابي نصر: "لقد شبع الناس وعوداً وباتوا يتشوقون لرؤية مجموعة عمل سياسية متحررة من عقلية صراع النفوذ والمحسوبيات لأننا نحتاج الى خطة انقاذية ينفذها اناس صادقون من أجل وقف التدهور على الصعد كافة". واعتبر النائب عباس هاشم "ان الانماء المتوازن غير ذي فائدة وأن التوازن يعني في قاموس أهل الحكم توازن المصالح الخاصة والقوى". وقال: "ان حكماً لا يحقق العدالة الاجتماعية لابنائه، باطل وسيسقط لا محالة". ولفت النائب سامي الخطيب الى ان "الشعب اللبناني يعيش حال قلق وخوف، ومما زاد الأوضاع تعقيداً الصراعات والسجالات الداخلية المتفاقمة وخارج اطار المؤسسات الدستورية وعلى حسابها". وقال: "ان ثقة الناس اصبحت معدومة بالحكم والحاكمين". ولاحظ النائب بطرس حرب "ان المجلس النيابي غائب عن هموم الناس ومشكلاتهم وعن صراعات السلطة وعن ادارة دوره في المحاسبة والمساءلة". وأضاف: "توقفت الحكومة عن العمل بسبب اختلاف اعضائها فتعطل مجلس الوزراء وبدل ان ينعقد للحل اعتمد رئيسا الجمهورية والحكومة السفر حجة لعدم الانعقاد". وسأل: "أين الناس ومصالح البلاد والمجلس النيابي مما حصل؟". ورأى ان "نظامنا مريض لأنهم عطلوا أحكامه وخرقوا دستوره وضربوا قوانينه وتطاول موظفوه الأقوياء على مؤسساته الدستورية". وسأل: "لماذا يتحرك القضاء بناء لطلب او إخبار رؤساء الأجهزة الأمنية أو الوزراء ولا يتحرك اذا لم تلتق مصالح هؤلاء مع مصلحة البلاد؟". مستطرداً "ان ما يجري لن نقبل به ولن نسكت عليه وسنسعى للإطاحة به واذا ما قصّرنا عن ذلك فلأننا ندرك اننا بنتيجة التركيبة السياسية القائمة سنعجز عن ذلك". ورأى النائب ناظم الخوري "ان الحكومة مشلولة والوزراء متخاصمون والمجلس النيابي مغيب". وطالب النائب غسان مخيبر المجلس النيابي بمحاسبة الحكومة. وسأل النائب أنور الخليل عما ورد في تقرير التفتيش المركزي عن "مبلغ 19 بليون ليرة لبنانية مستحقة لخزينة الدولة عن الطيران المدني؟". وبرر وزير المال فؤاد السنيورة بأن الشركة مملوكة للدولة. وأكد النائب ابراهيم بيان عدم قانونية قرار وزير المال خفض موازنة الجامعة اللبنانية. وأيده في ذلك الرئيس بري والنائب مروان فارس. واعتبر النائب فريد الخازن ان الحكومة الحالية هي أقل من حكومة تصريف أعمال. وانتقد عدم حسم موضوع المازوت. وهنا تدخل الرئيس نبيه بري مدافعاً عما قام به المجلس النيابي من تشريعات في هذا الشأن محملاً الحكومة مسؤولية عدم تنفيذها، خصوصاً في شأن التعويضات المالية. وقال: "إما مازوت للجميع أو لا مازوت للجميع". واعتبر الرئيس الحريري ان البلد استفاد من وقف المازوت، مشيراً الى وجود لجنة وزارية برئاسته تعمل لمعالجة موضوع الحافلات الكبيرة. وطالب النائب جورج قصارجي بتشكيل لجنتي تحقيق برلمانيتين في ملفي الكسارات والخلوي. ولدى انتهاء المداخلات بدأت مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين وتركزت حول مشروع القانون المتعلق بتمديد العمل بالاعفاء من المعاينة الميكانيكية. فعارض فتوش وطلب إعادته الى الجهة المختصة لأن القانون تحوم حوله علامات استفهام. وسأل النائب حرب: "أين أصبح الإخبار في قضية فضيحة الميكانيك كان أثاره نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي وأين اختفى هذا الموضوع؟ وما هي عناصر الإخبار والقواعد المتبعة حتى تتحرّك النيابة العامة لاتخاذ الاجراءات اللازمة؟ وما مصير الإخبارات التي يتقدم بها الناس ونحن منهم حتى تسلك طريقها الى التحقيق، وهل كل الناس وزراء ورؤساء أجهزة حتى يؤخذ بإخباراتهم؟". وبعد التوافق على تمديد العمل بالقانون حتى آخر العام الجاري تبين فقدان النصاب القانوني للجلسة، فرفع بري الجلسة على ان يتم التصويت على القانون اليوم من دون مناقشة.