تشغل المزارع الخاصة بالورود مساحة لافتة في دمشق وخصوصاً بالقرب من حي التجارة أو الشارع المعروف ب"أوتوستراد العدوي" حيث تنتشر عشرات المشاتل المتخصصة في زراعة مختلف أنواع النباتات من محلية ومستوردة أو مهجنة. وصارت هذه المساحات الخضر تشكل رئة ومتنفساً للعاصمة، وتعطي أيضاً مسحة من الجمال ورائحة عطرة جعلت من الطريق القريب منها مقصداً لمن يمارس رياضة المشي من سكان الأحياء القريبة منها. موسم الورد يبدأ مع فصل الربيع ويكاد لا ينتهي إلا بنهاية فصل الصيف. وتشهد المشاتل إقبالاً من أحياء دمشق أو من زائري المدينة من لبنانيين وأردنيين وغيرهم، ويقبل على تلك المشاتل باعة الزهور الجوالون الذين يتخذون من الحارات الشعبية المنتشرة حول دمشق سوقاً لبضائعهم الملونة الجميلة والنضرة. لكن يبدو أن للأغنياء أزهارهم وللفقراء أزهار أخرى، وكل بحسب دخله وأولويات ما يشتريه. ولكن على رغم ذلك ينفق الفقراء في دمشق بعض مدخراتهم لشراء أنواع من الزهور ربما تناسب ما يستطيعون دفعه، فالوردة الشامية والكزانيا وأنواع الرياحين وفم السمكة والمنثور أنواع يستطيع الفقراء اقتناءها بسهولة نظراً الى رخص ثمنها إذ لا يتجاوز سعر النبتة منها الخمسين ليرة سورية دولار أميركي، بينما يفضل أغنياء دمشق مزروعات غالية الثمن تشبه كل ما هو غالٍ ونفيس في فيلاتهم وبيوتهم الواسعة، بحسب ما يقول مازن عربي كاتبي صاحب مشتل "الوردة البيضاء": "يأتي الينا الفقير ونعرفه من هندامه وعرقه المتصبب لأنه غالباً ما يقصدنا مشياً على الأقدام على رغم حرارة الجو المرتفعة، ويخبرنا بأنه يحمل خمسمئة ليرة سورية ويريد ان يشتري بها أزهاراً ووروداً متنوعة فنعطيه ما يرغب به ونكرمه، وعادة ما تميل هذه النوعية من الزبائن الى النباتات الرخيصة الثمن، وسعر هذه الأزهار المنخفض لا ينقص من جمالها، والفقراء لا يساوموننا على السعر بينما الرجل الغني يشتري أنواعاً مختلفة تماماً عن ما يأخذه الفقراء وخصوصاً الأنواع المشهورة بارتفاع أسعارها مثل التوت المستحي والسرو العطي والعفص والتويا والمانوليا والسيكا والشوح والأرز والغاردينيا. وقد يبلغ ثمن بعض تلك الأنواع نحو 25 ألف ليرة سورية 500 دولار أميركي، ولكن من يشترون تلك الأنواع نجد صعوبة في بيعهم ويدققون معنا على القرش". وأضاف: "في هذا الموسم تطلب غالبية الزبائن بعض أنواع الزهور الناعمة الخاصة بشرفات البيوت التي لا يتجاوز سعرها 25 ليرة سورية، ونحن نقدم لزبائننا النصيحة الزراعية من أجل أن تحافظ النبتة على شكلها ورونقها الجميل". ويقول أبو عبدو موسى صاحب مشتل "الهدى" أن مشتله من النوع الشعبي الذي لا يتجاوز سعر النتبة فيه 3000 ليرة سورية مثل نبتة "الأروكاريا"، أما الأنواع الأخرى فرخيصة الثمن وجميلة في الوقت ذاته. وأضاف موسى "أكثر ما يباع عندنا الحوليات والسمكة والقرنفل والمنثور وأسعارنا تناسب كل الشرائح وخصوصاً الفقيرة التي تشتري كل أنواع الزهور، لكن لا يمكن أن نقول ان تلك الزهور خاصة بالفقراء لأن الأغنياء يشترون مع النباتات المرتفعة الثمن أنواعاً رخيصة. وأكرر رخص سعرها لا يعني مطلقاً أنها ليست جميلة، الزبائن في شكل عام يقصدوننا من كل أنحاء دمشق وأيضاً من بعض البلدان العربية المجاورة، وكل النباتات - مهما كان مصدرها - موجودة في مشاتل دمشق". وترى نور القطان التي كانت تشتري مع والدتها بعض أنواع الزهور من مشتل "الربوة الذهبية" أن أجمل ما في هذه المنطقة من دمشق المشاتل، وعادة ما تأتي مع أهلها لشراء زهور يضيفونها الى حديقة منزلهم. فاديا عنكاش دمشقية تسكن أحد الأحياء الشعبية حول المدينة قالت: "منزلنا من دون شرفات ويقع ضمن حي شعبي تشبه المنازل فيه الكتل الاسمنتية التي لا توحي أبداً بوجود حياة بشرية، ففكرت في أن أفضل طريقة للالتفاف على هذه المناظر المؤذية للعين هي تحويل سطح المنزل الى حديقة خضراء، لذلك عملت على توفير بعض النقود وجئت الى هذا المشتل لأشتري بعض النباتات، مثل الرياحين والمنثور واشتريت كذلك ياسمينة لأتذكر بيت أهلي، ولأنها تضفي عند المساء رائحة عطرة. وسأعمل على اقتناء المزيد".