يبدو عالم اليوم وكأنه يعاني انفصاما جماعيا: اميركا تريد ديموقراطية في الشرق الاوسط، لكنها تعمل على تهميش رئيس فلسطيني منتخب لمصلحة رئيس وزراء معين، تريد ديموقراطية على الطريقة الغربية، لكنها ترفض اعطاء دور اساسي للغالبية الشيعية في العراق. حاربت الشيوعية بالاسلاميين، ثم عادت لتحارب الاسلاميين بإسم مكافحة الارهاب. اسرائيل تريد من "حماس" ان تضمن امن اسرائيل بعدما هشمت وهمشت السلطة الفلسطينية، لكنها لا تريد انهاء الاحتلال الذي تسبب بالمشكلة الامنية مع السلطة ومع "حماس" وغيرها. دمرت المؤسسات الامنية الفلسطينية ثم طالبتها بحماية امنها نيابة عنها. الارهاب يعالج وكأنه مجرد ظاهرة مرضية منعزلة لا علاقة لها بأسباب ومسببات سياسية واقتصادية موضوعية. دول عربية تتحدث عن الاصلاح لكنها تحارب الاصلاحيين. مؤتمر دافوس انعقد في البحر الميت... اعلن تنظيما "حماس" و"الجهاد الاسلامي" امس "هدنة". ليس واضحا تماما ما إذا كانت الهدنة مع اسرائيل ام مع السلطة الفلسطينية ام مع اميركا. اميركا تفاوض السلطة على ضبط المعارضة لمصلحة اسرائيل في مقابل وقف اسرائيل حربها على السلطة والمعارضة وكل من يتحرك في الاراضي الفلسطينية. اسرائيل، بدورها، تفاوض اميركا على السلطة والمعارضة وفلسطين معا! اميركا واسرائيل لا تعترفان ب"حماس" و"الجهاد الاسلامي" وتريدان تفكيكهما، لكنهما تطلبان منهما التزاما بوقف العمليات الانتحارية تمهيدا لتفكيكهما. منطق اللامنطق ينسحب على الحرب ضد الارهاب: انعدام الامن يعالج بمزيد من الاجراءات التي تسببت بالارهاب اصلا. لا يبدو ان هناك من يريد ان يتعامل مع اصل البلاء. الحال هي ان منطق القوة يسود على قوة المنطق. قرارات الشرعية الدولية وضعت على الرف. كوندوليزا رايس تهدد ب"العلاج الاميركي" وليس القانون الدولي للتعامل مع ايران وكوريا الشمالية. الموقف العربي ليس اكثر عقلانية او منطقا: لا نريد تدخلا اميركيا في شؤوننا الاقليمية او الداخلية على رغم اننا لسنا قادرين على معالجة مشاكلنا الاقليمية والداخلية. نريد من اميركا ان تحرر فلسطين ولكننا نعارض تدخلها لتحرير العراق من نظام اسوأ من الاحتلال. اليست فلسطين عضوا في الجامعة العربية؟ لماذا لا نطالب اميركا بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية؟ ليس اسوأ من ازدواجية المعايير الاميركية سوى الازدواجية العربية. اميركا تطالب بمكافحة الارهاب لكنها ترفض تعريفه خوفا من ان ينطبق التعريف عليها وعلى اسرائيل. العرب لا يريدون تدخلا اميركيا في الشرق الاوسط، إلا إذا كان لتحرير الفلسطينيين من حليفتها الاستراتيجية الوحيدة في المنطقة. وكأن اميركا لا هم لها سوى خدمة المصالح العربية. وكأن اللوبي العربي هو الذي يتحكم بالقرار الشرق اوسطي في واشنطن!