بدأ الرئيس فلاديمير بوتين أمس أول زيارة دولة "تاريخية" يقوم بها زعيم روسي لبريطانيا منذ 130 عاماً، وصفت بأنها ستشكل نقلة نوعية في علاقات البلدين. وينتظر أن يبحث الطرفان عدداً من الملفات الإقليمية والدولية، وتشغل قضايا التعاون الثنائي خصوصاً في مجال الطاقة حيزاً أساسياً من اهتمام الجانبين. وتأتي زيارة بوتين تلبية لدعوة وجهتها الملكة البريطانية إليزابيث الثانية بحسب تقليد بروتوكولي متّبع في المملكة المتحدة عند استقبال الضيوف الذين يقومون بزيارات عمل. وهي أول زيارة يقوم بها زعيم روسي إلى بريطانيا منذ عام 1874 حين توجه قيصر روسيا آنذاك ألكسندر الثاني في زيارة عمل للندن. واعتبر بوتين أن تنظيم زيارته على هذا الشكل يعد مؤشراً على المستوى الذي بلغته علاقات البلدين خلال المرحلة الأخيرة. ووصف في حديث إلى وسائل الإعلام قبيل مغادرته موسكو محادثاته المرتقبة مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأنها "نقلة نوعية" في علاقات الجانبين. وقال ناطق باسم الكرملين إن موسكو تولي أهمية كبرى للزيارة. وأضاف أن المحادثات ستتطرق إلى عدد من الملفات الإقليمية والدولية خصوصاً مسألتي العراق والشرق الأوسط إضافة إلى الأزمة الكورية وتطورات الموقف حول برامج إيران النووية. وينتظر أن تكون علاقات روسيا مع كل من حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي محور نقاش الزعيمين. وصرح بلير لوكالة "أنترفاكس" الروسية عشية الزيارة بأن بلاده تدعم بقوة جهود روسيا نحو التكامل الاقتصادي مع أوروبا لكنه اعتبر أن الوقت ما زال مبكراً للحديث عن احتمال انضمام روسيا إلى الاتحاد. وقال بلير إن بريطانيا ستعمل على تعزيز التعاون في شتى المجالات وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وأعرب عن أمله في أن تغدو الشركات البريطانية صاحبة أضخم استثمارات في السوق الروسي. وسيكون ملف التعاون الاقتصادي حيزاً أساسياً من اهتمام الجانبين ولاحظ المراقبون أن بوتين اصطحب معه وفداً كبيراً من رجال المال والأعمال بينهم رؤساء أبرز المصارف وشركات النفط والغاز في روسيا. وينتظر أن يوقّع الجانبان في ختام المحادثات عدداً من بروتوكولات التعاون كما سيصدر عن لقاء القمة إعلان مشترك عن التعاون البعيد المدى بين البلدين في مجالات الطاقة. واعتبر اقتصاديون روس أن الإعلان سيفتح الباب أمام استثمارات بريطانية ضخمة في روسيا خلال السنوات المقبلة. وكانت شركة "شل" البريطانية العملاقة أعلنت عزمها ضخ نحو عشرة بلايين دولار في استثمارات نفطية في حقول ساخالين الروسية، كما أعلنت شركة "بريتش بتروليوم" أنها تنوي استثمار نحو سبعة بلايين دولار في القطاع نفسه. وتشمل المحادثات عدداً من مجالات التعاون الأخرى في التقنيات المتطورة وأبحاث الفضاء. وعلى رغم الأجواء الإيجابية التي رافقت التحضيرات للزيارة لم يستبعد مسؤولون روس أن يثير الجانب البريطاني ملفات لا تحبذ موسكو مناقشتها في المحافل الدولية وعلى رأسها الملف الشيشاني. وكان بلير استبق الزيارة بالإعلان عن ترحيب بلاده بالخطوات التي اتخذتها موسكو أخيراً لتسوية الوضع في الشيشان، خصوصاً منذ الاستفتاء على الدستور. لكنه كرر معارضته محاولات التوصل إلى حلّ عسكري للصراع، وأكد ضرورة مواصلة الجهود من أجل الوصول إلى حل سياسي. ولمحت مصادر في الكرملين إلى أن طرح الموضوع الشيشاني في محادثات لندن لن يثير حساسية عند الجانب الروسي خصوصاً بعد أن سارت موسكو خطوات على طريق التسوية السياسية وحصلت على تأييد واسع من المجتمع الدولي. لكن المصادر لم تستبعد أن تتزامن زيارة بوتين مع تنظيم اعتصامات وأعمال احتجاجية ضد سياسة روسيا في الشيشان خصوصاً أن النشاطات المماثلة غدت ظاهرة طبيعية واجهها بوتين في كل الزيارات التي قام بها إلى عواصم أوروبية.