لن يتعرف معظم قراء "الحياة" بسرعة الى اسم جون ساورز، ومع ذلك فإن هذا الديبلوماسي المحنّك ذا الوجه الطفولي، الذي يبلغ 48 عاماً، يجد نفسه جالساً في قصر جمهوري سابق في بغداد ويمارس نفوذاً فعلياً على حياة 25 مليون عراقي. وعنوان المنصب الذي يشغله هو نائب رئيس "سلطة التحالف الموقتة". لكنه، حسب ما أرى، "نائب حاكم العراق"، حتى اذا كان التفوّه بذلك لا يعد موقفاً سياسياً لائقاً. الخبر السيىء بالنسبة الى ساورز هو ان مهمة التحالف تكاد تكون مستحيلة. والخبر الطيب بالنسبة الى العراقيين ولنا جميعاً هو انه رجل متميز، ونجم صاعد في وزارة الخارجية البريطانية. واذا كان هناك من يستطيع ان يلعب دوراً ايجابياً في وضع يائس كهذا فإنه سيكون جون ساورز. تخرج ساورز من جامعة نوتنغهام، حيث درس الفيزياء والفلسفة - وهي توليفة غريبة -، ثم التحق بوزارة الخارجية وخدم في صنعاء ودمشق وبريتوريا. والتقيته في المرة الاولى عندما كان السكرتير الخاص لتيم رينتون، الذي كان آنذاك وزير دولة لشؤون الشرق الاوسط. ورُقّي ساورز الى منصب سكرتير خاص اول لوزير الخارجية، وكان حينها دوغلاس هيرد. وفي اعقاب مهمة ناجحة كسفير بريطاني في القاهرة، عيّنه رئيس الوزراء توني بلير مبعوثه الخاص في العراق. تولى ساورز منصبه في العراق خلفاً لجنرال بريطاني كفيّ عمل تحت قيادة الجنرال جاي غارنر اذا كان هناك بعد من يتذكره!. وكان سلفه معرضاً بشكل دائم للانجرار الى قضايا سياسية بالغة الحساسية، وسيحتاج ساورز الى مهاراته الديبلوماسية الكبيرة اذا كان سيؤدي مهماته بنجاح تحت قيادة بول بريمر ومع التنظيمات العراقية الكثيرة والمتنوعة. وحسب آخر احصاء يوجد في العراق 80 حزباً سياسياً. وفي 3 حزيران يونيو الجاري، نشرت صحيفة "ذي تايمز" مقابلة صريحة مع ساورز. اذ انها تقدم تأكيداً اضافياً لمدى ضآلة استعداد واشنطن ولندن لمواجهة المشاكل المتعلقة بحكم هذا البلد الذي يقرب في حجمه من فرنسا. اذ يقول ساورز، عملياً، ان العراق ليس مهيئاً بعد للديموقراطية - وهو رأي صائب على الارجح لكنه لا ينسجم قطعاً مع موقف اولئك المحافظين الجدد في واشنطن - ويتعيّن على "السلطة" ان تنشىء بنية ديموقراطية وألاّ تبقى يوماً واحداً اكثر مما يقتضي الأمر. قال ساورز للصحيفة ان "الاحزاب السياسية لا تقوم على اساس وطني، ولا توجد بعد وسائل اعلام راسخة تتيح مناقشة الافكار. اذا كانت لديك عملية سياسية مفتوحة تكون فيها الاحزاب السياسية ووسائل الاعلام غير متطورة، ستكون مهدداً بتعريض المعتدلين الى ضغوط لن يتمكنوا من التعامل معها". ومع الإقرار بان التأخير سيولّد غضباً هائلاً، قال "اذا قُطع الطريق علينا، ودُفعنا الى وراء، سيتزايد نفاد الصبر. هناك مقاومة غريزية لفكرة الاحتلال...". واجرى مقارنة تاريخية مثيرة للاهتمام مع اسبانيا: "في السنة الاولى بعد موت فرانكو في اسبانيا، تشكل 200 حزب واقتضى الامر 18 شهراً حتى استقر الوضع. ولن استغرب اذا حدث الشيء نفسه هنا". كما ان الحقيقة المدهشة حقاً، والمقلقة، التي تفاقم مشاكل "السلطة" في بغداد هي انه بعد هذا الوقت الطويل على انتهاء المعارك الرئيسية، لا أحد يعرف ما اذا كان صدام حسين وولداه احياء او امواتاً. واوضح ساورز انه "لو كانت هناك صورة لجثة صدام، كما كانت هناك صورة لتشاوشيسكو، لأعطى ذلك احساساً بالثقة. انها مشكلة الى حد ما. ولهذا السبب فإن عملية ازالة حزب البعث تكتسب هذا القدر من الاهمية، لأنه اذا شعر الناس بأن قيادتهم العليا لن تتغير فإن ذلك سيغذّي خوفاً لا يزال موجوداً من أن البعثيين سيعودون". ومن المسائل العاجلة التي تشكل مصدر قلق لبول بريمر وجون ساورز العدد المتزايد للهجمات التي يشنها مؤيدو حزب البعث على القوات الاميركية. في نيسان ابريل الماضي، كان هناك 30 هجوماً، وارتفع العدد الى 85 في ايار مايو. وقتل اكثر من عشرة جنود اميركيين في هذه الهجمات. وفي مطلع حزيران يونيو الجاري، توجه 4 آلاف جندي اميركي مع دبابات الى الفلوجة حيث توترت العلاقات بعدما تعاملت القوات الاميركية برد فعل مفرط على اوضاع صعبة. وقال ساورز ان "هناك تهديداً واضحاً ضد قوات التحالف. لدي احساس بأننا نرى بقايا عناصر ضئيلة من النظام البعثي تنفذ خطة اُعدّت سلفاً بشأن ما ينبغي القيام به اذا انهار النظام. لا اعتقد انها تُدار من المركز، من جانب صدام". ونأمل بأن يكون مصيباً في تقديره. يعد جون ساورز رياضة تسلق الجبال كواحدة من هواياته. ولا بد ان وظيفته السياسية والادارية في العراق تبدو له اشبه بمحاولة تسلق سفح صخري يميل بزاوية حادة. ان اعادة الهيكلة السياسية والمادية لهذه الدولة المثخنة بالجراح والمنقسمة على نفسها ستستغرق سنوات. ولا نلمس حتى الآن رؤية واضحة من واشنطن ولندن بشأن سبيل التقدم الى امام، ولا أحد يعرف كم سيطول حكمهما للعراق. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.