في رواية "زوربا اليوناني" للكاتب نيكوس كازنتزاكس، يحتل اليونانيون قرية تركية، يحرقون ويدمرون، ثم يغتصبون النساء. لكن الأمر ليس اغتصاباً تماماً، ما دامت النساء لا يمانعن الا ظاهرياً إذ يستهويهن الفعل الجنسي من الرجل القوي، الغاصب، المحتل. المقهورون من رجال الشعوب المحتلة لا تغيب عنهم حقيقة ان نساءهن يفضلن الرجال المنتصرين، ويحتقرن رجالهن المهزومين، المخذولين في ساحات القتال. وبالفعل فإن تغلّب جيش على جيش، وانتصار أمّة على أمّة في ميادين القتال، يعبّر عنه عادة بكلمات تحمل دلالات جنسية. وقد يكون استعمال الخازوق مثلاً، في تعذيب الأسرى والمهزومين بعد الحرب، يحمل هذه الدلالة في قهر الاعداء جنسياً، حتى الذكور منهم. الحرب العالمية الثانية حفلت بالانتهاكات الجنسية التي مارستها الجيوش الغالبة ضد الشعوب المغلوبة. مثلاً ما فعله الألمان في فرنسا وفي بولندا وتشيكوسلوفاكيا. وقد تناولت السينما هذه القضية. وبعد احتلال المانيا جعلت قوات الحلفاء من نساء برلين مطايا لجنودها. ولم يكن الأمر اغتصاباً دائماً، بل كانت المرأة الألمانية تفضل الجندي الأميركي أو البريطاني على الرجل الألماني الهارب من الجندية، أو المصاب في الحرب، والمهزوم في كل الأحوال. في كتاب "أخبار النساء" للجوزي قصة امرأة جميلة متزوجة يتعرّض الحي الذي تعيش فيه للغزو أثناء غياب زوجها مع بقية رجال القبيلة. وتقع هي سبية في يدي أحد الشباب الأقوياء. وفي الطريق تستسلم المرأة لغازيها وتستطيب معاشرته. بل انها تقوم بتحذيره حين يقوم زوجها ورجال الحيّ بمطاردة الغزاة. وبالفعل يقع الشاب بيد الزوج الذي يقدم على قتله. ويسأل الزوج زوجته ان كانت قد نامت مع القتيل، فلا تنكر. ويسألها كذلك فتؤكد له فحولة الشاب غير العادية، فيقوم بقتلها أيضاً. وفي قطاع غزة، قبل الانتفاضة الفلسطينية، كانت الزانيات اليهوديات لا يتورعن عن العمل في غزة، وكن يمارسن عملهن وهن في لباس الجنديات الاسرائىليات. كان هذا الفعل يزيد من حماسة الرجال العرب. ويمكن وضع قاعدة ثابتة للتفضيلات الجنسية للنساء: انهن يرغبن عادة برجال القوات المنتصرة. وحتى في زمن السلم تفضّل النساء بين الذكور الأقوياء أصحاب السلطة والجاه والمال، على غيرهم من الرجال. في الولاياتالمتحدة الأميركية كانت النساء الزنجيات يفضلن ممارسة الجنس مع الرجال البيض، باعتبار ان هؤلاء ارفع مقاماً من الرجال بني جلدتهن. وفي مزارع البيض، بعد الهجرات الأوروبية المكثفة الى أميركا. كان الرجل الأبيض يخصّ نفسه بعدد من نساء البلاد الأصليات، ويعاشرهن معاشرة الأزواج. وفي اسرائيل، يندر ان تجد امرأة يهودية ترغب في الزواج أو ممارسة الجنس مع عربي. وإن كان هذا أرفع منها مقاماً، الا اذا كانت بغياً، أو في أسفل السلم الاجتماعي. واذا أرادوا في اسرائيل ان يعيبوا رجلاً قالوا عنه أنه أسوأ من عربي. اما اذا رغبوا في اهانة امرأة، فإنها بنظرهم تكون أسوأ من امرأة تمارس الجنس مع عربي. سقوط بلد عربي في قبضة الاحتلال، هو سقوط له أبعاد جنسية أيضاً. وعلى هذا الأساس يتعجب المرء كيف يمكن ان يقابل شعب عربي دخول المارينز بغداد، بل العراق كله، بالرقص والتهليل. ان احدى القواعد التي يعرفها المتزوجون الاذكياء ان لا يدخلوا الى بيوتهم ضيوفاً من الرجال، يمكن ان تعجب بهم زوجاتهم. فكيف بمن يدخل مئات الألوف من الشباب المارينز مفتولي العضلات الى بلادهم؟ واذا كان يهون على العرب من الذكور ان يفرطوا بالأرض أو السيادة، فهل يهون عليهم ايضاً ان يفرّطوا بنسائهم؟ احدى الحقائق التي يترتب عليها أي انتصار عسكري لشعب على شعب، هو ان يصبح رجال الشعب المهزوم أقل درجة من ناحية التفضيل الجنسي لدى نساء المغلوبين. وكل عربي يعلم ان الهزيمة التي حاقت بالعراق لم تختص بالشعب العراقي وحده، بل بجميع الشعوب العربية. فلو ان العراق اعتدى على ولاية ماين، لما بقيت بقية الولايات في أميركا مكتوفة الأيدي، كما حدث في بلادنا المصونة، ومع شعوبنا العربية الإسلامية، التي من المفروض ان يكون التراحم بينها والتلاحم أقوى وأشد - كونها عربية وإسلامية - من التلاحم بين ماين وبقية ولايات الولاياتالمتحدة. وعلى كل عربي أحس الهزيمة اخيراً، وقد أحسّ بها الكثيرون، ان يحس بأنه مهزوم أو مخترق جنسياً أيضاً. * كاتب فلسطيني - حيفا.