في العاشر من حزيران يونيو عام 1948 أعلن وسيط الأممالمتحدة الى فلسطين كونت فولك برنادوت ان اليهود والعرب توصلوا الى اتفاق غير مشروط لهدنة تدوم أربعة أسابيع. وجاء الإعلان في رسالة رفعها برنادوت الى الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت تريغفي لي الذي قال ان خططاً بدأ اعدادها بسرعة لضمان مراقبة صارمة لوقف النار. واستدعت الاجراءات مشاركة فرنسا وبلجيكا والولاياتالمتحدة لدعم المراقبين العسكريين، وطُلب من كل دولة ارسال 21 عسكرياً. وشكل ذلك بداية أول عملية لحفظ السلام في تاريخ الأممالمتحدة، أطلق على الهيئة المسؤولة عنها تسمية "منظمة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة" يونتسو. ووصلت أول مجموعة من المراقبين العسكريين بين 11 حزيران يونيو و14 منه وانتشرت في فلسطين وبعض المناطق في الدول العربية المجاورة. إلا أن 29 أيار مايو 1948 اعتبر بداية العملية، عندما أعلن مجلس الأمن في القرار الرقم 50 نشر مراقبين عسكريين بتفويض لمساعدة وسيط الأممالمتحدة في مراقبة الهدنة بين اسرائيل والقوات العربية. ومع انتهاء مدة الهدنة، أي الأسابيع الأربعة، اندلع القتال من جديد. وأمر مجلس الأمن بوقف للنار غير محدد، وانتشرت المجموعة الثانية من المراقبين العسكريين. وبنتيجة أربعة اتفاقات على هدنة بين اسرائيل وكل من مصر والأردنولبنان وسورية عام 1949 توسعت مهمة "يونتسو" وصارت هذه المنظمة تتمتع باستقلال ذاتي، فهي تابعة لمجلس الأمن ولها قائد أركان. 55 عاماً مرت على وجود المراقبين العسكريين على خطوط الهدنة التي اهتزت بعنف في الأعوام 1967 و9731 و1982. وفي المقابل سجل توقيع اتفاقي سلام بين اسرائيل وكل من مصر والأردن وانسحاب اسرائيلي غير مكتمل من الجنوباللبناني. وبين هذه الأحداث ثمة خروق لاتفاقات الهدنة لا تحصى ولم تتوقف حتى الساعة، وعلى "ضفاف" الشرق الأوسط وفي خاصرته حرب باردة انتهت وحرب أخرى اندلعت متجاوزة الأممالمتحدة وموقفها بفعل أحادية القوة، ولا يزال مراقبو الهدنة يراقبون ويرفعون تقاريرهم الى الأمين العام للأمم المتحدة. ما الذي يفعله الضباط الدوليون ال153 الموجودون على الحدود العربية مع اسرائيل؟ وما علّة استمرار وجودهم في ضوء كل الانتهاكات المرتكبة على مرأى من ذوي القبعات الزرق ومسمعهم؟ وهل ثمة دور متبقٍ لهم في ضوء الخطط والخرائط المتداولة والكلام الأميركي الذي يستبعد أي دور فاعل للمنظمة الدولية باستثناء الشأن الانساني؟ أسئلة حملتها "الحياة" الى رئيس المنظمة الدولية لمراقبة الهدنة وقائد أركانها الجنرال الإيرلندي كارل دور الذي يتابع عمله من مقر القيادة الموجود في القدس ويتنقل بين الدول الخمس للإشراف على عمليات منظمته. وفي ما يأتي نص الحديث: بعد كل ما حصل في المنطقة منذ 55 عاماً، هل لا يزال ثمة شيء اسمه هدنة وما الذي تراقبونه؟ - صحيح ان حروباً ومفاوضات سلام جرت خلال هذه السنوات، وصحيح أن الأردن لم يعد يحتاج الينا لأن مهمة "يونتسو" انتهت على حدوده مع اسرائيل، إلا أن مصر التي وقّعت بدورها اتفاق سلام مع اسرائيل أبقت على مكتب لنا في القاهرة، وهي اشارة الى ابقاء الصلة مع الأممالمتحدة. وإذا كانت مهمة المنظمة حين انشائها تقتصر على غاية محددة تتمثل بمساعدة الأطراف المعنيين على التوصل الى تسوية نهائية فإن عملها ليس محصوراً بمكان محدد كما قوات "يونيفل" في جنوبلبنان أو "اندوف" في الجولان. أن قوتنا يمكن نقلها الى أي مكان يطلبه الأمين العام للأمم المتحدة. ما الذي بقي من الهدنة التي كنتم تراقبونها؟ - لا أعتقد بأننا فشلنا في مهمتنا. الناس تحكم على الأمر. صحيح ان ثلاثة أطراف لم تتوصل بعد الى اتفاقات سلام نهائية، لكن هل الأمر هو خطأ "يونتسو"؟ يجب تقويم نجاح مهمة الأممالمتحدة ليس بما يحدث وانما بما لم يحدث، في بعض الأحيان من الأفضل رؤية الأمور من وجهة النظر هذه. يمكننا أن نناقش الأمر من أننا لو لم نكن هناك كيف ستكون الأمور. نحن لا يمكننا منع الحرب لكن يمكننا المساعدة. عندما اجتاحت اسرائيل لبنان عام 1982، شكّل وجود "يونيفل" وهي قوة صغيرة وغير مسلحة عامل ضغط. وفي الجولان، مثلاً، فإن المهمة الدولية هناك تعتبر من أنجح المهمات. قد لا يكون السبب وجود قوات "اندوف" انما لأن الدولتين سورية واسرائيل قررتا عدم التورط، وشكل وجود الأممالمتحدة تأكيداً دولياً على ذلك وهذا مهم جداً. الأمر يختلف لو كانت هناك قوات متعددة الجنسية، فالتقارير التي يرفعها المراقبون الدوليون الى مجلس الأمن تعطي هذه المهمة صدقية دولية، في حين ان مرجعية القوات المتعددة الجنسية قد تكون البنتاغون مثلاً. قد لا نستطيع دفع الناس الى صنع السلام انما يمكن أن نجعل الظروف ممكنة لذلك. لكن كل أنواع التصعيد حصلت في ظل وجودكم فهل ثمة شيء لم يرتكب بسبب حضوركم على الأرض؟ - أشياء كثيرة حصلت بسبب نية الأطراف. ان عملية حفظ السلام في الفصل السادس ليست شيئاً يُفرض بالقوة، ما حصل في يوغوسلافيا السابقة هو سلام بالقوة، أما في الشرق الأوسط وإذا عدنا الى الماضي ونظرنا الى الوضع كان الجميع يخاف قبل انتهاء الحرب الباردة من احتمال التصادم بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي. وكان تقاريرنا تؤخذ في الاعتبار من الجهات التي كانت تؤيد الوجود الدولي. في عام 1979 عندما جئنا الى لبنان كان الوضع متفجراً وكان الاسرائيليون يرفضون الانسحاب من المنطقة التي احتلوها واخترعوا الشريط الحدودي وسعد حداد قائد الميليشيا المتعاونة مع اسرائيل، لكن فكرة مجيئنا كانت جيدة جداً لأنها أنقذت أرواحاً كثيرة وبقاؤنا هنا حتى المرحلة الأخيرة، بما في ذلك وحدتنا الايرلندية حتى انسحاب اسرائيل، كان عملاً معنوياً. خلال 55 عاماً من كان الطرف الأكثر خرقاً للهدنة؟ - لا أريد أن أدلي بتعليقات على المشهد الدولي في منطقة الشرق الأوسط. من وجهة نظر الأممالمتحدة فإن أكثر التدريب الذي حصلت عليه القوات الدولية هو في هذه المنطقة حيث اكتسبنا خبرة في حفظ السلام، نحن هنا منذ العام 1948، وكانت هناك أوقات سيئة وأخرى جيدة. ليست مهمتنا القول من بدأ الحرب. دورنا هو المراقبة والمساعدة على وقف النار ورصد الخروق وعندما نفعل فإننا لا نتجاهل أصغر خرق يرتكب. نحن نسجل مثلاً أن اسرائيل فعلت وان لبنان لم يرد الفعل، ونرفع ما نراه الى مجلس الأمن. من هو الطرف الشقي في الخروق التي كانت تحصل؟ - أنا أجول في المنطقة مند نحو سنة، وأعتقد بأن الوضع على الخط الأزرق مستقر جداً وهادئ لبعض الوقت، والوضع في الجولان هادئ جداً ومستقر منذ سنوات. والوضع على الجبهة الأردنية مستقر للغاية وهادئ، وهناك بعض الأشخاص حاولوا العبور لكن ذلك لم يؤد الى تصعيد. والوضع على الجبهة المصرية وتحديداً عند رفح لم يشهد مشكلة كبيرة. الوضع مستقر اقليمياً انما في الداخل هناك أزمة ومعاناة شعب. هل تعتقد ان الثقة ب"القبعات الزرق" لا تزال موجودة؟ - على المستوى السياسي لا أعرف، لكن عليّ أن أشير الى ان المراقبين العسكريين الذين يعملون تحت لواء هذه المنظمة هم من 23 دولة مختلفة بينها الولاياتالمتحدة والصين وروسيا وفرنسا ما يعني أربع دول من أصل خمس من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، اضافة الى أستراليا ونيوزلندا والشرق الأقصى وجنوب أميركا وكل الدول الأوروبية، وبالتالي فإن لهذه المنظمة صدقية واحتراماً. عندما ترسل الولاياتالمتحدة مراقبين للعمل ضمن "يونتسو" فلأنها تعتبر هذه المنظمة جزءاً مهماً في العملية، وعندما آتي الى لبنان مثلاً فإني أجتمع مع المسؤولين اللبنانيين كما مع سفراء الدول التي تأتي قواتنا منها، ويحرص السفير الأميركي، مثلاً، دائماً على وضعي ضمن جدول لقاءاته. والشيء نفسه بالنسبة الى السفير الأميركي في دمشق واسرائيل ومصر. الناس تعترف بوجودنا وعلينا أن نبرهن على أي شيء لأي شخص. هل ستكونون جزءاً من آلية المراقبة في "خريطة الطريق"؟ - لا، إذا عدنا الى التفويض المعطى لنا فإن فلسطين ليست ضمن مهماتي، لكن هذا لا يعني أن الأمر غير وارد. فأنا أعيش في القدس ومركز قيادتي هناك، ولدي مئة موظف فلسطيني، ومن جهة أخرى هناك المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى الشرق الأوسط تيري رود لارسن الذي يعيش في غزة، وهو مسؤول عن الموضوع الفلسطيني، لكن التواصل بيننا قائم ومن الصعب معرفة أين يبدأ الأول وأين ينتهي الثاني. هناك ضابط من منظمتي موجود لدى لارسن، ونحن نراقب الوضع، وإذا طلب منا أي مساعدة دولية في الأراضي الفلسطينية - الضفة الغربية، فإننا على استعداد للتحرك فوراً، لكن هذا يجب أن يكون معتمداً من السلطة الفلسطينية ومن الحكومة الاسرائيلية، وحتى الآن لا يوجد طلب. ستكون هناك آلية للمراقبة لكننا حتى الآن لسنا معنيين بها. الولاياتالمتحدة تتحدث عن دور حيوي للأمم المتحدة هل يعني ان يكون دوركم انسانياً؟ - سنبقى متفائلين بأن الناس ستتفهم بأن لدينا أكثر من دور انساني. حين أقابل السفراء الأميركيين فأنا لا أسمع أشياء سلبية عن عملنا، لدينا الكثير لنقدمه لكن يجب أن يطلب منا هذا الدور. من خلال الحرب على العراق بدا ان ثمة من لا يهتم لموقف الأممالمتحدة، هل تعتقدون بأن دوركم ما زال فاعلاً؟ - ان التصويت في مجلس الأمن لرفع العقوبات عن العراق دليل على أن مجلس الأمن يعيد التئامه من جديد وهو جاهز للعمل مرة أخرى. لكن مجلس الأمن أعطى الولاياتالمتحدة ما تريده؟ - أفضل الاعتقاد بأن الأممالمتحدة ستلعب دوراً مهماً في الشرق الأوسط. واجهتنا صعوبات مماثلة في الماضي، لكن الأمور تغيرت. أتذكرين بيروت والقوات المتعددة الجنسية التي جاءت، هي غادرت وبقيت القوات الدولية في الجنوب لحفظ السلام فيه. أي سلام كان في ذلك الوقت؟ - إذا قورن بعدد الحوادث التي كانت تحصل في جنوبلبنان فإنها كانت قليلة. ما تفعله هذه القوات انها تسجل الخروقات وتساعد على اجراءات بناء الثقة، انها تساعد الدولة اللبنانية على استعادة سلطاتها على الحدود، وفي بعض الحالات رأيت الجيش اللبناني عند نقطة قريبة من الحدود في رأس الناقورة، بالنسبة الينا هذا أمر نشجعه حتى لو كان عملهم يشمل تفتيشنا. مهمتكم المراقبة طوال الوقت. ألم تشعروا بالضجر أحياناً عن منع أي شيء يحصل؟ - انه أمر براغماتي، من المهم عندما يجري القتال ان يتدخل أحدهم ويقول أوقفوه لحظة. أنا خدمت في قبرص والتدخل كان يعطي الفرصة لوقف ما يقومون به لكنهم لا يفعلون إلا إذا كنت أنت هناك، لأنه يعطيهم طريقة مشرّفة لوقف الأمر. عملنا يعني أن نضع أرواحنا على أكفنا لتحقيق ما نحن في صدده. الأمر ليس كما يقيسه الأميركيون أسود وأبيض. ان ما نفعله هو الاسهام بجهد مشترك في الوضع الذي نحن فيه. وكل شخص نفقده هو خسارة كبيرة، لأن المراقبين هم ضباط وليسوا جنوداً. ما الذي تريد قوله في اليوم العالمي لقوات حفظ السلام؟ - انه لتذكير العالم والنظام العالمي بأهمية الأممالمتحدة، بأننا لا نزال موجودين واننا عنصر في العملية، لكن لا تبالغوا في توقعاتكم منا. هناك أوضاع يمكن أن نكون فاعلين فيها. مهمتنا هي من دون سلاح، والقلم في أحيان كثيرة أفضل من السيف. نحن فريق من قوات حفظ السلام لدينا مهارات نوظفها في عملنا كمراقبين. لكن صوت السلاح يبدو هذه الأيام أقوى من صوت القلم؟ - على رغم فشل مجلس الأمن في منع الحرب على العراق فإن ما جرى أوضح قدرة مجلس الأمن وحدوده، ان للأمم المتحدة قوة التأثير حتى في المناطق التي للآخرين مصالح فيها. ان مهمتي ان أراقب. كم مرة غضبت خلال مهمتك؟ - لا يمكنك ان تغضبي، عليك ان تكوني موضوعية الى أقصى حدود. هل يمكنك؟ - نعم، عليك ذلك، مهمتي ألا أساوم، يجب أن أكون فاصلاً، عندما يحاول أحدهم أن يخبرني عن شيء أنا رأيته، ويحاول أن يفهمني أن الأمر لم يحصل، أصبح أكثر قناعة بأني أمثل قوة الأممالمتحدة. من هو الطرف الذي يكذب أكثر من غيره؟ - لا يحصل معنا هذا. الحوادث التي تحصل في جنوبلبنان مثلاً الآن هي تحليق جوي ومضادات أرضية، انه فعل ورد فعل، من هو المخطئ في هذه الحال؟ الممثل الشخصي للأمين العام في جنوبلبنان ستيفان دي ميستورا يقوم بعمل جبار هنا. عليه أن يقنع الاسرائيليين بألا يخرقوا الخط الأزرق لأن الخرق يتم رصده ورفعه في تقرير الى نيويورك. ماذا عن الحدود السورية - الإسرائيلية؟ - ان معظم التقارير عن هذه الحدود تتعلق بعبور قطعان ماشية. لا يوجد أي حادث آخر. حصل حادث واحد في كانون الثاني يناير الماضي قتل فيه سوري. يبدو ان لبنان أكثر جبهة تشغلكم في المنطقة؟ - لدينا عمل هنا، لكن إذا أخرجنا المراقبين من هنا هل تعتقدون بأن شيئاً لن يحصل؟ ليس ثمة ثقة موجودة. في قبرص الوضع يتحسن على الخط الفاصل والأبواب تفتح، والناس يعبرون في الاتجاهين لرؤية الأماكن، وثمة تغييرات تحصل، وأعتقد بأن هذا يجب أن يحصل في هذه المنطقة. لا شك في أن تغيرات تجرى، هناك أمل بأن الناس أصبحت أكثر انفتاحاً. هل تعتقد بأن فتح الأبواب في الشرق الأوسط قريب؟ - ما نأمله اننا سنكون هنا للمساعدة في اتفاق سلام نهائي مهما كان. الى متى تعتقدون بأنكم باقون في المنطقة؟ - ليس لدينا مفتاح للغز، قد يحصل الأمر غداً، أعني ما يحصل بالنسبة الى "خريطة الطريق" والوضع الفلسطيني. إذا كان الأمر مرتبطاً باتفاق سلام، لا يمكن التنبؤ بالأمر الآن. الجميع يعتقد بأن من المبكر تحديد ذلك، أنا أقابل سفراء الدول ومعظمهم يرى ان من المبكر القول، لكن هؤلاء يحاولون ان يحددوا تصوراً للأمر لأن ثمة تغيرات في المشهد، ثمة ارادة وادراك وتعاط مع الأمور في صورة مختلفة، قد يكون تعليقي ان من المبكر تحديد الأمر، لكننا هنا لدعم أي شيء يحصل، وجاهزون لنكون في أي وضع يريدوننا فيه. هذه مرونة مهمتي، على عكس "يونيفيل" و"اندوف" اللتين بمجرد التوصل الى سلام ستنتهي مهمتهما، فيما أنا ومجموعتي نستطيع التحرك والمساعدة بأي طريقة.