بعد أربع وعشرين سنة على تنحي الديكتاتور عيدي أمين دادا عن الحكم في أوغندا أصدر الروائي موسى إيزيغاوا، وهو مدرس أوغندي نشأ في عهد الديكتاتور هذا وخلفائه، رواية تسرد تفاصيل الابتزاز اليومي والخوف اللذين عاناهما الشعب الأوغندي بسبب بطش الحاكم ونظامه. وجاءت رواية ايزيغاوا لتزيح ستار الصمت ووطأته عن عاتق الأوغنديين. ففيما خلا الكاتب البريطاني جيل فودن لم يتناول اي كاتب اوغندي عصر الديكتاتور عيدي أمين دادا بالسرد الروائي. ومن خلال شخصية الرواية الرئىسة بات كاتانغا، وهو من متخرجي الجامعة البريطانية كامبريدج، يتوهم ان وظيفته في وزارة الطاقة والاتصالات ستوفر له الترقي في السلم الاجتماعي ورفاهية الأمان، يصور ايزيغاوا شروخ المجتمع الأوغندي الداخلية في عهد الديكتاتورية. فالوظيفة والزوجة الجميلة وسيارة الجاغوار، التي تعفي سائقها من الوقوف عند الحواجز العسكرية، تفاقم الكراهية التي يكنها الزملاء بعضهم لبعض والخوف الذي يقض مضجع الناس من بطش الديكتاتور. وينخر المجتمع الاوغندي التعصب الذي يجلب المصائب على الناس والسجن والعذاب لمجرد انتمائهم الى منطقة معينة. فالشمالي يكيد المكائد للجنوبي والشرقي للغربي. اما الخضوع فيوفره نظام عيدي أمين دادا بواسطة الاعتداء على زوجة الشخص، الذي يراد منه الامتثال للأوامر، وعلى افراد عائلته او باجبار الفرد على قتل شخص مقرب منه. ويروي ايزيغاوا، معتمداً حس الفكاهة الذي يملكه ليظهر المتسلط في شكل كاريكاتوري ونافل: "بات يكتشف محاولة أمين الديكتاتور ممارسة دور المعالج الجنسي والمستشار السياسي. ولكنه لا يلقى نجاحاً كبيراً بسبب حدة المنافسة! فأمين ارسل الى الرئىس الاميركي نيكسون نصيحة باعتقال المجرمين المسؤولين عن قضية ووترغايت وتعذيبهم. ولم يردعه عن نصح نيكسون باعدام المسؤولين، الذين تقدم ذكرهم، وعائلاتهم سوى فقده الرغبة في الظهور الاستعراضي امام الكاميرا. وعندما ترك الرئيس الاميركي السلطة بعث له امين برقية يهنئه فيها على خسارته وعلى الوقت الذي سيخصصه للعب الغولف". وعرض عيدي أمين دادا على الرئىس فورد تعليمه كيف يحسّن اداءه كعاشق. وليخرج "ليبيدو" فورد من السبات اقترح دادا تقديم ملابس غولدا مائير الداخلية له. ... لم يجب فورد على مكالمات دادا الهاتفية. ولم تخفف هذه الخطوة من همة أمين الذي نصح مارغريت ثاتشر بالرقص عارية في خلال الاستقبالات الرسمية". ويجعل ايزيغاوا من الديكتاتور الآنف الذكر لاعب دور بينيتو موسوليني في فيلم هوليوودي. ويضطر أمين الى اعتماد نظام حمية شديد يرتكز على الاعشاب المسببة للاسهال. وكذلك فإن السلطوي الذي يهابه شعب ليس إلا مدمن كوكايين وكحول واقعاً تحت سيطرة المنجم عليّ. وتدفع البارانويا أمين الديكتاتور العتيد الى الانزواء والى العزوف عن الظهور العلني لتفادي اغتياله المحتمل، فيخضع عدد من معاونيه الى عمليات تجميلية تجعلهم على هيئته. ويعرض الراوي الجرائم الفظيعة وهذيان عالم يسوده القتل والعنف. تندرج رواية موسى ايزيغاوا في سياق روائي يجمع الحوادث التاريخية عبر حبكة الخيال والسرد. ففي الوقت صدرت رواية ايزيغاوا عن الديكتاتور الأوغندي الذي قاد الحكم بين 1971 و1979 من القرن المنصرم اصدر كل من برونو آربايا ورافاييل شيربس روايتين تستقيان حوادثهما وإطارهما التاريخي في عهد فرانكو السلطوي. تجري حوادث رواية برونو آربايا "الوقت الضائع" خلال ثورة 1934 التي قمعها الجنرال فرانكو. وكانت حصيلة القمع هذا ألفي قتيل واعتقالات شملت 20 ألف شخص. اما العام الذي وقعت فيه الثورة هذه فآذن ببدء الحرب الاهلية الطاحنة والدموية. وعلى غرار الكاتب الفرنسي بلزاك، الذي جعل من بعض شخصياته ابطالاً يصادفهم القارئ في اكثر من رواية، جعل برونو آربايا، الايطالي الجنسية والمتخصص بالأدب الاسباني، من لوريانو بطل روايته السابقة "الحدود الاخيرة" الشخصية الرئىسة في روايته الجديدة الصادرة عن دار ليانا ليفي. ففي حين يضطر لوسيانو الى حرق المخطوطة، التي تركها فالتر بنيامين امانة لديه قبيل انتحاره، لدرء صقيع البرد القارس عنه في رواية "الحدود الاخيرة" يروي لوسيانو في "الوقت الضائع" تفاصيل المجازر التي اقترفها الكولونيل الرهيب ياغيس. وعلى خلاف آربايا فإن رافاييل شيربس اسباني عرف عهد فرانكو التوتاليتاري وخبره. وفي "سقوط مدريد" تجري الاحداث قبيل موت فرانكو وتنقل اثر احتضار الديكتاتور في حياة الناس اليومية. فجوزيه ريكار، مدير مصنع اثاث، يعاني القلق الناجم من حدسه بغزو التحول عالمه المنظم الذي عرفه طوال حياته. ويبني رافاييل روايته بواسطة الاحاديث التي تدور بين جوزيه وزوجته وبين شقيقين احدهما يساري والثاني موالٍ لفرانكو.