بدأت الحرب قبل موعدها. انطلقت الصواريخ تزمجر، والطائرات تهدر، وتحيل ليل بغداد، عروس العروبة، نهاراً. تلقت بغداد الضربة. غاصت الصواريخ في دجلة. امتص العراقيون الهجمة، لم يهتز لهم جنان، ولم ترتعش لهم يد، ولم يطرف لهم رمش. قالوا: سينهار العراقيون، سيستسلم الجيش، سيهرب الشعب. جهزوا الملاجئ على الحدود، وأقاموا الخيام والمشافي. قالوا: سنأتي بكرزاي جديد يقود تحالف الشمال من الجنوب، ويشكل حكومة من العملاء. صمد الجيش. ازداد تماسك الشعب. لم يهرب أحد من الداخل، بل عاد من كانوا في الخارج، والحركة على الحدود عكسية: أفواج تدخل ولا أحد يخرج، خمسة آلاف عراقي يعودون من الأردن، ومثلهم من سورية، وغيرهم وغيرهم. الديبلوماسيون العراقيون يُبعدون من سفاراتهم، فيسارعون في حزم أمتعتهم، والعودة الى وطنهم. لا أحد يتلكأ، لا أحد يطلب اللجوء كما كانوا يراهنون. الناس في شوارع بغداد، كما في كل مدن العراق، يتجولون، يتسوقون، يتنسمون عبير دجلة بعد انقشاع دخان الرصاص الأسود. بحثوا عن كرزاي عراقي فلم يجدوا. جهزوا جنرالاً متقاعداً لا يزال في انتظار دخول العراق سيطول انتظاره، ولن يدخل. العراقيون يداعبون طائرات الأباتشي الجاثمة بلا حراك. والأطفال يلهون بصواريخ لم تنفجر. ولم يعد أحد يهتم حتى بالقنابل العنقودية. قالها العراقيون، كل العراقيين: قد يتمادى الغازي في غيه، ويزيد في عنفه، ويتوسع في قصفه، ويتفنن في ضربه، ولكننا لم نستسلم، وأبداً لن نستسلم. لله دركم أيها العراقيون! لقد أثبتم أننا - العرب - ما زلنا أحياء، نستطيع أن نرفض، نستطيع أن نقاوم، نستطيع أن نردع. هل ترون ما أرى؟ هل تسمعون ما أسمع؟ نعم، ها هم العرب! الرياض - رمضان عبدالعظيم