خلص بحث سيكولوجي جديد، هو الأول من نوعه الذي يجريه عالم نفس اسرائيلي عن العمليات الاستشهادية، أو الانتحارية على ما يرى آخرون تسميتها، التي نفذها فلسطينيون الى الاستنتاج القاطع انه لا يوجد أي وجه شبه بين الانتحار، بمفهوم قتل النفس عمداً، وبين العمليات "الانتحارية" الفلسطينية، وان منفذي هذه العمليات "يقدمون عليها ليس رغبة بالموت، انما بدافع ارادة الحياة". ويقول الدكتور اسرائيل اورون، المختص في بحث حوادث الانتحار والخبير النفسي في الشرطة الاسرائيلية ان الفرضية السائدة بأن "الانتحاري" ينطلق لتنفيذ العملية التفجيرية "مصمم على الموت"، فرضية مغلوطة وخاطئة. ويقارن الباحث بين ظاهرة الاستشهاديين الفلسطينيين و"حرب الانتحاريين" التي اعتمدها الطيارون اليابانيون الكاميكازي في مواجهة الجيش الاميركي إبان الحرب العالمية الثانية، ويعتمد في بحثه على تحليل الرسائل التي تركها انتحاريو "الكاميكازي" والانتحاريون الفلسطينيون وعلى أقوال أدلى بها من اعتقلتهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي قبل ان ينفذوا "عمليات انتحارية" خططوا لها. ويقارن هذه النصوص مع رسائل تركها أشخاص عاديون أقدموا على الانتحار ليستنتج ان الدوافع النفسية تختلف اختلافاً جذرياً لدى "منفذي العمليات" عنها لدى "العاديين". ويتابع ان الحافز لدى منفذي العمليات الانتحارية الفلسطينيين، أو لدى قسم منهم، مشابه لحافز طياري "الكاميكازي" الذين رأوا انهم يشكلون الدرع الأخير والأمل المتبقي لليابان وانهم اذا ما رفضوا التطوع للمهمة، فإن النتيجة ستكون هزيمة اليابان وموتهم. وبالنسبة الى الفلسطينيين عموماً فإن الشعور العام لدى "القنابل البشرية" هو ان الفرصة الوحيدة لتغيير أوضاع ابناء شعبهم تتاح من خلال عملياتهم التفجيرية وان تفويت هذه الفرصة سيبقيهم يعيشون حياة ذل وخطر دائم "بل حياة لا تستحق وصفها بالحياة". ويقتبس الخبير النفسي من أقوال لفلسطينيين خططوا لعمليات تفجيرية ورأوا في الفريضة الدينية الاستشهاد الدافع الأبرز والأهم، لكن من دون ان يغيّبوا واجب مقاومة الاحتلال والشعور بعدم قيمة الحياة وفقدان الأمل "بمعنى ان نية الموت لم تكن الدافع المحرك لديهم لأن من يريد وضع حد لحياته يبذل كل جهد لتنفيذ خطته ولا ينتظر من أحد ان يخطط له عملية الانتحار". ويستشهد بحديث لأحد الشبان الفلسطينيين قال فيه انه لو اقيمت دولة فلسطينية، لما كانت هناك حاجة لتنفيذ عمليات، لكن طالما تواصل الاحتلال فسيبقى الاستعداد لمقاومته وبالتالي الاستعداد لاختيار الشهادة "وهذا الحديث يدل على ان هدف هذا الشخص ليس قتل نفسه". ولا يغفل الباحث دور مجندي منفذي العمليات الانتحارية "الذين يعملون بناء على حدس أو شعور يثبت في احيان كثيرة صحته، مثل البحث عن شبان يعتريهم الحزن"، مضيفاً ان التهيئة تستهدف ضمن اشياء كثيرة تعميق الشعور لدى المنفذ بالتضامن والتعاطف مع المهمة "ما يسهل عليه ان يكون مستعداً للتنفيذ على رغم انه لا يرغب بالموت لكن من منطلق التسليم التام بالأمر".