بدأ الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر أمس زيارته الأولى لبغداد، واعداً بالمساعدة على إعادة بناء ما دمّرته الحرب الأميركية لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. وكان اللافت انه بدأ زيارته، بعد شهر من الانتظار في الكويت، برفض الاعتراف بالقيادة العراقية التي أعلن المعارض السابق محمد الزبيدي تنصيبها للإشراف على إدارة شؤون العاصمة بعد سقوط النظام. وصل الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر، المشرف على اعادة بناء العراق، الى بغداد أمس ليرى بنفسه الدمار الذي لحق بالمدينة من جراء القصف الاميركي، ووعد باصلاح كل الاضرار التي لحقت بها. لكن في بادرة لظهور توترات مع زعماء عراقيين ظهروا على الساحة بعدما أطاحت الحرب نظام صدام حسين، اعلنت الولاياتالمتحدة انها لا تعترف بإعلان العراقي العائد من المنفى السيد محمد محسن الزبيدي نفسه رئيساً للإدارة المدنية في بغداد. وصرحت باربرا بوداين، منسقة قطاع وسط العراق في الادارة المدنية الاميركية التي تشرف على اعادة اعمار البلاد برئاسة غارنر، بأن واشنطن لا تعترف بالزبيدي، وتعتقد بأن نائبه السيد جودت العبيدي لا يمكن ان يمثل العراق في اجتماع لمنظمة الدول المصدّرة للنفط اوبك هذا الاسبوع. وقالت بوداين، وهي سفيرة أميركية سابقة لدى اليمن: "نحن لا نعرف في الحقيقة الكثير عنه الزبيدي سوى انه أعلن نفسه رئيساً للبلدية". واضافت: "نحن لا نعترف به. لم تكن هناك عملية اختيار. وبمجرد ان تكون هناك عملية اختيار فأياً كان من يجري اختياره سنعترف به". ويقول الزبيدي انه عضو في "المؤتمر الوطني العراقي" الذي يرأسه أحمد الجلبي وان اناساً يمثلون رجال دين مسلمين من الشيعة والسنة ومسيحيين انتخبوه. كما انتخبه أيضاً ممثلو اكاديميين وكتاب وصحافيون. وصرح بأنه على اتصال وثيق مع الجيش الاميركي. لكن على رغم ذلك لم يفصح الزبيدي او مسؤولون اميركيون عن متى وكيف انتخب رئيساً للادارة المدنية في بغداد ومن الذي نظم هذه الانتخابات. وكان جودت العبيدي، الذي اعلن نفسه نائباً للزبيدي، ابلغ "رويترز" أول من امس انه سيرأس وفداً عراقياً لاجتماع لمنظمة اوبك يبدأ الخميس في فيينا. وقالت بوداين: "لا يمكنه… لا اعتقد ان اوبك ستقبله. لن نمنعه لكن سنجد من الغريب ان تقبله أوبك كممثل" للعراق. كما شكك غارنر نفسه في شرعية عراقيين أعلنوا انهم يتولون مناصب في السلطة الجديدة. وقال: "هناك كثيرون من زعماء الأمر الواقع. لا اعرف من هم لكن هدفنا هو بدء عملية يتمكن خلالها الشعب العراقي من انتخاب زعمائه. نعتقد بأن الساحة ممهدة. لكننا لم نعين احداً ولم نعترف بأحد". ورفض الزبيدي أمس الموقف الأميركي. وقال لقناة "الجزيرة" الفضائية: "سأواصل ادارة شؤون بغداد. فنحن نمثل ادارة مدينتنا والشعب العراقي هو الذي انتخبنا". واضاف: "نحن في صدد اعادة ادارة مدينتنا وتقديم الخدمات لها من ماء وكهرباء واستشفاء واعادة الامن، لكننا لسنا حكومة كما تتناقل وسائل الاعلام. أنا لم يتم تعييني من قبل الولاياتالمتحدة، والرئيس الاميركي نفسه أكد مراراً ان على الشعب العراقي ان يختار ممثليه، وانا عراقي ولا تعارض في ذلك". زيارة غارنر وكان غارنر وصل صباحاً الى العاصمة العراقية لانشاء مكتب له، وانهمك فوراً في العمل بخطط لزيارة محطات المياه والكهرباء بالاضافة الى مستشفى. لكن لم يكن كل سكان بغداد مرحبين بالفريق الاميركي. وقال غارنر، عند نزوله من طائرة لنقل الجند من طراز "سي-130" في مطار بغداد الدولي: "انه يوم كبير للعراق ولي شخصياً". وأضاف للصحافيين: "هل هناك يوم أفضل في حياتك من ان تتمكن من مساعدة الآخرين؟ هذا هو ما ننوي عمله". وكان في استقبال الجنرال الأميركي الذي يرأس "مكتب الإعمار والمساعدة الانسانية" الذي تشكل لإعادة بناء العراق واعداده لتشكيل حكومة موقتة من العراقيين، مسؤولون عسكريون بعد رحلة بالطائرة استمرت ساعة و45 دقيقة من الكويت. وصرح بأن أهم اولوياته اعادة الخدمات الاساسية مثل المياه والكهرباء "بأسرع ما يمكننا". وحين سئل عن أكبر تحد يواجهه رد: "كل شيء يمثل تحدياً". وذكر ان هدفه هو انجاز المهمة والمغادرة بأسرع ما يمكن. لكنه لم يلزم نفسه بإطار زمني حين سئل عن احتمال اكمال العمل خلال 90 يوماً. وقال: "لن اضع 90 يوماً كعلامة على الحائط. سنكون هنا على قدر ما يستغرق الأمر. سنغادر سريعاً الى حد ما". ورافق غارنر نائبه البريطاني تيم كروس. وسيزداد عدد اعضاء فريقه من المساعدين المدنيين من 19 الى نحو 450 خلال الاسبوع المقبل. وسيرفع غارنر تقاريره الى الجنرال تومي فرانكس قائد الحملة على العراق والذي قام بزيارة قصيرة لبغداد الاربعاء الماضي. جولة ميدانية وزار غارنر في اطار جولته على بغداد مستشفى اليرموك الذي يعاني انقطاع كهرباء بعدما تعرض لعمليات سلب ونهب. كما زار مصنعاً لمعالجة الصرف الصحي. وسار غارنر في مستشفى اليرموك في اروقة مظلمة متربة تناثر على أرضها الزجاج المحطم وتفقد اقساماً نهبتها عصابات السلب ولم تترك فيها سوى الأسرّة. وقال غارنر في لقائه مع الاطباء العاملين في المستشفى: "ما نريد ان نفعله من اليوم هو مولد نظام جديد في العراق. الأمر يبدأ بنا نعمل معاً لكن العمل صعب ويستغرق وقتاً. سنساعدكم ما دمتم تريدوننا". وقال مدير المستشفى الدكتور زايد عبدالكريم لغارنر ان المشكلة الرئيسية في المستشفى هي نقص الكهرباء. واضاف ان المستشفى الذي يضم الف سرير كان المركز الرئيسي لغسل الكلى ومركز القلب الوحيد في المنطقة. وقال الدكتور زايد ان السارقين عاثوا خراباً في وحدتي القلب والتنفس، وان المستشفى يواجه صعوبة في الحصول على معدات جديدة لأن نظام الاقتصاد المركزي القديم الذي كان سائداً ابان حكم صدام تهاوى. وأضاف ان "النظام كان مركزياً جداً جداً … وهذا أحد أسباب الانهيار". وتحدث غارنر الى مجموعة من الموظفين والاطباء المتدربين. الا ان جواً من الحذر قد ساد، كما يو الحال في انحاء اخرى من العاصمة، في شأن نيات الولاياتالمتحدة المستقبلية في الوقت الذي يتولى فيه رجل عسكري السيطرة على البلاد في الاشهر المقبلة. وقال أحد الاطباء الذي قال ان اسمه رياض: "طبعاً سيساعدونا ولكن لا شيء يأتي بالمجان". وذكرت طبيبة قالت ان اسمها ايمان: "اشعر برغبة في البكاء لأن هذه مجرد كلمات". واضافت: "اذا اعطونا شيئاً فذلك ليس من حسابهم الخاص. انه من نفطنا. لقد كان صدام حسين حاكماً غير عادل ولكن ربما كان في استطاعتنا ان نتخلص منه في يوم من الأيام ولا يأتي هؤلاء الاجانب الى بلادنا". وقال غارنر إن القوات الاميركية والبريطانية ستعمل مع المهندسين العراقيين لإعادة الخدمات الرئيسية مثل الماء والكهرباء وتقديم المساعدة للمستشفيات. وأضاف: "استطيع ان أقول لكم بكل صدق اننا سنساعدكم ولكن ذلك سيستغرق وقتاً. سيبدأ فريقنا بالوصول الى بغداد خلال الايام العشرة المقبلة وفي بداية الاسبوع المقبل سنحضر رجالنا الى هنا للبناء". وزاد: "ما يجب ان نفعله من الآن فصاعداً هو ان نمنح الحياة لنظام جديد في العراق. ويبدأ ذلك النظام بعملنا معاً، لكن ذلك عمل صعب ويستغرق وقتاً طويلاً. سنساعدكم طالما رغبتم في مساعدتنا". وتواجه الولاياتالمتحدة غضباً متصاعداً بسبب نقص الطعام والماء والكهرباء وبسبب حكومة الاحتلال الاميركي التي ستحكم البلاد لفترة غير محددة. وخلقت حال الفوضى وموجة النهب وغياب الخدمات الرئيسية بعد سقوط نظام صدام حسين حال احباط عند الكثير من العراقيين الذي يرغبون من غارنر وفريقه ان يعيدوا الخدمات الرئيسية وان يسلموا السلطة بعد ذلك الى العراقيين ويغادروا البلاد باسرع وقت ممكن. وقال تيم كروس، نائب غارنر، ان اعادة الخدمات الصحية هي الاولوية الرئيسية. وقال: "سنحاول ان نجد راعياً للمستشفيات، ربما بلدين او ثلاثة بلدان للعمل من اجل احضار معداتهم وفرقهم". وقال كروس ان فريق غارنر موجود في العراق لتقديم المساعدة، واضاف: "لكننا نريد ان نفعل ذلك بافضل وسيلة لكم ولذلك نطلب منكم ابلاغنا مرة اخرى بما ترغبون. ومن الواضح ان وصول الاشخاص الى هنا سيستغرق بعض الوقت". وبصفته رئيساً لمكتب اعادة الاعمار والمساعدة الانسانية سيتولى غارنر العديد من المهمات من بينها الاشراف على شحنات الاغاثة والتنمية الاقتصادية وحتى اقامة حكومة مستقلة.