قبل عقدين وعندما كنا في الجامعة، كان الشاب المرغوب لدى معظم الفتيات هو ذلك الذي يرتدي "فيلد" بلون كاكي ويلف على رقبته كوفية، وعادة ما كان يحمل كتباً أو صحفاً ويكون قد أطلق لحيته في شكل فوضوي، هذا ما تتحدث عنه المدرّسة نورا ديب حين تسألها عن الموضة التي يتبعها شباب اليوم. وتضيف: "في شكل دائم كان ذلك النموذج من الشباب في تلك المرحلة التي عشناها في الجامعة يعني لي ولبنات جيلي انه من الطراز المثقف المهتم في الشأن السياسي العام، ولكن الآن وبعد مضي نحو أكثر من عقدين، تغيرت المفاهيم وفق الشرط الاجتماعي الذي نخضع إليه، فربما هي الموضة التي دفعت البعض لإطلاق شعره أو هو نوع من الضياع في ظل مجتمع أعتقد أنه لا يعرف أين وجهته، أو أنهم شبان يبحثون عن ذاتهم من خلال تلك الأشياء التي يرتدونها أو الأقراط، أو حتى تلك المصطلحات الخاصة التي يستخدمونها". إنعام صالحة، طالبة في كلية الحقوق، تقول: "بداية أود أن أشير الى انني لا أحب هذا النوع من الشبان، فأكثرهم يميل الى الاهتمام الشديد في شكله الخارجي، وعادة ما يكون ذلك على حساب الداخل أو آفاق التفكير، وهؤلاء الشبان عددهم قليل في كليتنا ويتواجد معظمهم في كلية الفنون الجميلة أو معهد الموسيقى وحتى في الفنون المسرحية، ومنذ فترة قصيرة سمعت مع بعض أصدقائي شباناً يتحدثون عن نوع الكريم المفضل الذي يستخدمونه لبشرتهم وكأنهم بنات حتى أن إحدى زميلاتي التي جاءت من الريف للدراسة في دمشق دهشت من هذا الحديث. وفي كل الأحوال أرى أن من يضع قرطاً أو يطول شعره لا يذهب في الاتجاه الصحيح إذا ما أراد التميز، وأعتقد أنها ظاهرة لا تنسجم مع الأعراف والتقاليد السائدة في مجتمعنا وهو تقليد غير موفق للغرب". ريما س.، طالبة جامعية، ترى ان وضع أقراط في الأذن أو إطالة الشعر عند الشبان "غالباً ما يكون نتيجة ردة فعل من ظروف أو مشكلات يعانون منها، ويمكن أن يكون البعض قد ذهب في القضية كي يتميز ويبعث رسالة من خلال شكله الى الجنس اللطيف يقول من خلالها "شوفو أنا متحرر" وليس عندي عقد من شيء، ولكن الحقيقة هو يقول "أنا معقد ومريض"، أعتقد ان الأمر كذلك". الاقراط "فشة خلق" وتضيف: "منذ مدة كان عندنا طالب شعره كثيف وطويل أجعد يصل الى منتصف ظهره، وقد قام بعض الزملاء بإطلاق التعليقات عليه فقام بحلاقة شعره بالشفرة، ألا ترون ان هذا التصرف هو الجنون بعينه، ولا أعرف لماذا يحب هذا الزميل أن يكون مختلفاً ومن خلال شعره تحديداً". ماجدة سلامة، صاحبة محل لبيع المستلزمات المكتبية للطلاب، تروي: "يحضر الى المحل الكثير من هؤلاء الشبان وخصوصاً ممن يطيلون شعرهم ويضفرونه وهم شبان ظرفاء ويتعاملون في شكل محترم مع الجميع، ولا أعتقد أن لديهم عقداً أو مرضاً، هم مثل باقي الطلاب ولا يختلفون إلا بهذا الأمر فلماذا نحملهم الكثير، ونقوم بتقييمهم". وتضيف سلامة: "لدي صديق شعره طويل وقد أقنعته في إحدى المرات بضفره وقد صار أجمل وأهيب، وأقول لكم الرجولة ليست لها أي علاقة بهذه الموضة ولكن مجتمعنا يربط بين هؤلاء الشبان والشذوذ من دون التأكد من طريقة تفكيرهم وتعاملهم". سارية سيف النصر، طالب سنة رابعة هندسة معمارية في جامعة دمشق، يقول عن السبب الذي دفعه لإطلاق شعره وربطه إنها "فشة خلق". ويوضح "ربما نتلقى تعليقات من البعض لكنني أواجههم أحياناً وأتساءل هل إطلاق الشعر حرام في الدين؟ أعتقد لا وبالنتيجة ما العيب في ذلك طالما أن الرجولة لا تقاس بطول الشعر أو قصره، ولكن المستهجن الآن في ما يخص كليتنا أو غيرها وجود بعض الشبان ممن يشتغلون بحواجبهم وينتفون الشعر الزائد منها في الكلية وأمام الجميع، فهذا الأمر أرفضه تماماً وأعتبره تشبهاً بالبنات، وفي النهاية أقول لكم تربية شعري وإطالته بهذه الطريقة كان ردة فعل على كل ما هو موجود بدءاً من رسوبي في السنة الرابعة وانتهاء بمشكلات الدراسة وغيرها وأؤكد أن الرجولة لا تقاس بهذه المظاهر". ويضيف: "بالنسبة الى الأقراط التي يضعها البعض لا أفضلها وأشعر أنها غريبة عنا، فمنذ فترة قصيرة جاء الى منزلي صديق لي خريج جامعة دمشق في الأدب الإنكليزي ويضع حلقة في أنفه وأخرى في اذنه فاستغرب والدي ذلك، استفسرت من صديقي عن السبب فأوضح انه ذهب ببعثة الى بريطانيا وعندما عاد أعجبه هذا التقليد هناك فمشى عليه، أعتقد أن مجتمعنا يمكن أن يتقبل الشعر الطويل ولكن الأقراط مرفوضة وتعطي إيحاء في كثير من الأحيان بالشذوذ". البعض يعتقد أن هذه المظاهر مجرد حالات طارئة ربما وصلت بعد "العولمة" وتهدم الجدران بين القوميات والشعوب والثقافات، والبعض الآخر ربما لا يرى فيها سوى مجرد "موضة" وصلتنا بفعل الغزو الثقافي. مهما يكن، تبقى الظاهرة محصورة في نطاق ضيق.