ما ان بدأت الحرب الأميركية على العراق قبل أقل من شهر، تنادى عشرات الشبان اللبنانيين الى الذهاب الى هناك من أجل "الجهاد" و"الاستشهاد" في قتال الغزاة. هذان هما دافعا معظم الذين ذهبوا الى العراق، وكثر منهم صمموا على عدم العودة الا "منتصرين أو شهداء". لكن ما حصل هو خلاف ذلك فلا عادوا "منتصرين" ولا سقطوا "شهداء"، بل "هربوا من الموت بنيران عراقيين"، وعادوا الى لبنان قبل ان تنتهي الحرب. اثنان من الذين ذهبوا هما سلام سلامة 23 عاماً واحسان الخطيب 20 عاماً تحدثا الى "الحياة" عما رأياه هناك وعن الأسباب التي حدت بهما الى العودة قبل انتهاء الحرب. فهذان الشابان اللذان تعارفا في بغداد، بعدما غادرا منطقتيهما الضاحية الجنوبية وعكار متحمسين لقتال الأميركيين، لم يخططا للذهاب، بل اتخذا قراريهما ارتجالاً وخلال مشاهدتهما صور المجازر والضحايا على شاشات التلفزة. ويقول سلام انه شعر عندما كان يرى تلك المشاهد بأن "دورنا آتٍ"، وقرر الذهاب الى العراق ل"قطع رجل العدو فيها ومنعه من المتابعة" اضافة الى "الجهاد" لكن ليس "محبة بصدام حسين". ذهب الشابان وآخرون براً وتهريباً أولاً من الحدود اللبنانية - السورية عبر وادي خالد وثانياً من الحدود السورية - العراقية عبر منطقة البوكمال. في هذه المنطقة التقوا عشائر عراقية ومسؤولين وأبلغوهم انهم "مجاهدون". أمضوا ليلتهم في مسجد ثم غادروا صباحاً في حافلة الى بغداد حيث نزلوا في فندق "سيدير". سلموا جوازاتهم، وتسلموا ثياباً عسكرية سوداً، ثم انتقلوا مع كثر من جنسيات عربية عدة، في اربع حافلات الى معسكر "خدمة العلم الأول". تلقوا تدريباً بسيطاً على الأسلحة الفردية والقاذفات وأمضوا ثلاث ليالٍ في حُفر وخنادق ل"نعتاد على الأمر". ثم نقلوا الى منطقة السماوة في جنوبالعراق. كان سلام مع مجموعة تتألف من 12 شخصاً بينهم لبناني واحد من رفاقه اسمه باسم قاسم. وضعوا للمرابطة في نقطة قال انها "حساسة جداً" وهي لا تبعد كثيراً عن الحدود الكويتية. ترأس مجموعتهم شيخ لم يعرف هويته، ربما كان عراقياً او سورياً لكنه لم يكن عسكرياً بل متطوعاً. أوصلهم الى المكان ضباط عراقيون وكانوا يأتون اليهم في فترات متباعدة يعطونهم تعليمات وذخائر. قالوا لهم ان "الحرس الجمهوري" يقاتل أمامهم وانهم ظهير المقاتلين. في اليوم الأول لمرابطتهم، تقدمت دبابتان اميركيتان في اتجاه مجموعتهم. وقال سلام انهم تصدوا لهما في شدة وأحرقوهما وانه أصاب واحدة بقذيفة "آر بي جي"، وما كاد الاشتباك ينتهي حتى حضرت مروحيات وطائرات حربية ودكت معظم انحاء الموقع الذي كانوا فيه، توقفوا عن اطلاق النار وانسحبوا من موقعهم. في هذه الأثناء حلقت مروحية مطلقة نداء تلاه "عربي": "يرجى الاستسلام. المكان محاصر. استسلموا ولكم العفو". ذهبوا الى موقع آخر ينصبون فيه كمائن. ويقول "كلما نصبنا كميناً للأعداء انهمر علينا رصاص من منازل من الخلف أي من معارضين عراقيين وكذلك لم يثبت ان الحرس الجمهوري يقاتل أمامنا وهذا ما أخافنا". وبعد ثلاثة أيام افتقد سلام رفيقه وقائد المجموعة. ذهب الى مركز يجتمع فيه المقاتلون وسأل عن رفيقه فقال له بعضهم انه رآه قبل فترة وجيزة وكان مسلحاً. ظن سلام ان رفيقه عاد الى موقع كان لا يزال يتعرض لقصف متقطع. لم يجده، بل وجد شاباً سورياً يقاتل وحيداً من دون ان يعرف ان أصدقاءه غادروا. أصيب سلام بجرح طفيف في رجله وعاد الى المركز، عندها اتصل رفيقه بالمركز وقال له انه اصبح في بغداد. كان الخوف من رصاص "المعارضين" تسرب الى صديقه قبل ان يصل اليه. قرر المغادرة قائلاً لضابط: "أتينا لنستشهد برصاص الأعداء وأنا لا أريد ان أموت برصاص عراقيين". عاد مع آخرين الى الفندق في بغداد فتسلم جوازه واستقلت مجموعة حافلات نقلتهم الى الحدود العراقية - السورية. أما إحسان فيقول انه قرر العودة بعدما شعر كأنه "يضحك على نفسه". قال: "وضعونا في مكان لا رماة محترفين فيه، بل عدد من المتطوعين الذين لا يعرفون ماذا يفعلون. يدبرون أمرهم بأنفسهم". وعلى رغم ذلك لا يتردد احسان في القول ان هؤلاء المجاهدين الذين توزعوا مجموعات صغيرة في تلك المنطقة "المهمة" حالوا دون دخول الأعداء خمسة أيام. وكذلك تحدث عن اطلاق النار عليهم من الخلف أي من منازل معارضين. ولا يخفي احسان ذهوله من سقوط بغداد، نظراً الى كثرة المضادات والمدافع التي رآها في طريقه. وقال: "لا يمكن لطير ان يحلق فوق بغداد، لكنني لا أعرف كيف سقطت". ورأى ان "النظام لم يحارب".