بصراحة، اشتقت لمحمد سعيد الصحاف، هو المسؤول العراقي الكبير الوحيد الذي اعتقد أنه يستحق عفواً شاملاً عن كل ما تقدم من ذنوبه وتأخر، بسبب ظرفه وهو يكذب في وجه المأساة. لكن أين محمد سعيد الصحاف؟ أين صدام وولداه؟ أين طارق عزيز؟ أين بقية الشلة؟ سمعت ان الصحاف أُسر، وأصدر بياناً أنه لم يؤسر، وانه في الواقع هو الذي أسر الأميركيين. ثم سمعت انه عندما دمر تمثال صدام في بغداد أصدر الصحاف بياناً يقول ان التمثال كان لبديل لصدام. أما صدام حسين فسمعت انه تحت أنقاض أحد قصوره، أو في روسيا أو سورية أو كوبا، أو في تكريت. لا أعتقد أنه وأركان نظامه سيختفون الى الأبد، وهناك دائماً امكان ان أكتب ذات صباح، فلا ينشر ما أكتب في الصباح التالي حتى يكون صدام حسين قد طفا الى السطح بطريقة أو بأخرى. ولكن لنفترض ان صدام حسين اعتقل، كيف نعرف أنه هو وليس بديلاً له؟ الأميركيون يقولون ان عندهم ما يثبت. فقد حصلوا على الحمض النووي دي إن إي، ولكن هل هم واثقون انهم يملكون الحمض النووي لصدام نفسه، وليس لهذا البديل أو ذاك. ربما كانت أسوأ وظيفة في العراق اليوم هي بديل صدام حسين، أو عدي أو قصي. وأتصور أن البديل أسرع لحلق شعر شاربيه، وتغيير ما أمكن من معالمه لإبعاد الشبهة. غير أنني أذكر من حرب تحرير الكويت أن الأميركيين شكوا من أن العراقيين يشبهون أحدهم الآخر، وأن الرجال من عمر صدام وطوله يصعب تفريق بعضهم عن بعض، فلون العينين والشعر واحد، والشاربان لهما شكل واحد، وربما زدنا "طبعة الماء" المعروفة عند العراقيين ليكتمل التمويه. بانتظار العثور على صدام وقصي وعدي وبقية العصابة أشعر بالحزن لتدمير تماثيله في بغداد ومدن العراق الأخرى. وكنت أفضل لو جمعت هذه التماثيل في مكان واحد يتحول الى متنزه يقصده الناس ليروا ويعتبروا ويتعظوا، وبما أنني أزور هنغاريا كل سنة للصيد، فقد لاحظت بعد سقوط الشيوعية انهم جمعوا تماثيل رموزها، ووضعوها في متنزهات يقصدها الناس ليتذكروا العهد البائد. اليوم هناك حملة في العراق لإزالة آثار نظام صدام، غير أن الذي لا يتذكر التاريخ محكوم عليه بإعادته، كما قرأنا. نقول عن أيام صدام حسين "تنذكر ما تنعاد"، ونزيد أن أعمال النهب والانتقام مفهومة وهي مرفوضة، غير أنني كنت أرجو لو أن قوات الاحتلال حمت المتحف الوطني في بغداد، بدل وزارة البترول، لأن حضارة العالم كله بدأت في بلاد ما بين النهرين، لا في الصين أو وادي النيل، وحتماً ليس في لوس انجليس. قال لي صديق عراقي مكابراً ونحن نتفرج على التلفزيون والنهب جار على قدم وساق ان الشعب العراقي بعيد عن مثل هذه الممارسات، إلا أن بعض الناس يحاول أن يحصل على "تذكار" من النظام الساقط. وأشرت الى رجل على التلفزيون يحمل براداً كبيراً ويركض به، وقلت له انني لا أعتقد ان البراد تذكار من أي نوع. خارج نطاق العواطف، أعتقد ان الذين كانوا يهتفون لصدام حسين قبل أسبوع، هم الذين رحبوا بالقوات المحتلة بعد أسبوع، وهم الذين قاموا بأعمال النهب والسرقة والاعتداء، أما الغالبية العظمى من العراقيين فقد لزمت بيوتها، وهي تدعو أن يحميها الله من صدام وأعدائه. لا أحتاج أن أدعو على صدام حسين، فأنا واثق أنه في طريقه الى جهنم حطباً، وبئس المهاد، مع ذلك أعترف بأنني غاضب عليه لسبب اضافي، فقد كرهته في الحكم، لكن رجوت ان يقف وقفة عز في النهاية تعوض عن بعض ما اقترف. إلا أنه فر كفأر مذعور، مع انه كان يقول في مقابلة تلفزيونية أميركية قبل أسابيع انه سيصمد ولن يموت إلا في بلده محارباً. ربما كان أغرب ما في أمر صدام حسين انه لا يزال هناك من يبكي عليه ويحزن لفراقه، ما يثبت صدق مقولة انك تستطيع ان تخدع بعض الناس كل الوقت. اليوم صدام حسين يعيش في الوقت الضائع، ولا يهمني من وجوده سوى القضاء عليه، ليغلق الفصل الدامي عليه الى الأبد. غير أنني أطالب بالعفو عن محمد سعيد الصحاف فقد أثبت انه وزير اعلام عربي بامتياز. كذلك أطالب بالعفو عن هدى عماش، عالمة البيولوجيا العراقية الحسناء والمتهمة بلعب دور في بناء أسلحة الدمار الشامل في العراق. وعندنا في بلادنا حسان، وعندنا ذكيات، إلا أن هدى تجمع الحسن والذكاء وفي شكل نادر، طبعاً التهمة ضدها أكثر كذباً من محمد سعيد الصحاف نفسه، إلا أنهم انتصروا وهو انهزم مع رئيسه، والمنتصر يكتب التاريخ بما في ذلك الجزء عن أسلحة غير موجودة لم يعثر عليها مفتشو الأممالمتحدة أو جنود الاحتلال. هدى، وهي ابنة صالح مهدي عماش، اسمها هدى، ألا أن آلة الدعاية الغربية الكاذبة أطلقت عليها اسم "سالي الكيماوية"، لأن الإسم هذا تلفزيوني وجذاب. أما الحقيقة فهي أصيبت بصاروخ في أحد قصور صدام، أو في موكب السفير الروسي ذات يوم.