المتحفّظون عن الحرب الأميركية أسبابهم وجيهة. أحداث اليومين الماضيين ربما أعطتهم أسباباً أخرى. هذا كله مفهوم. لكن لا بد من قول "الحمد لله على السلامة" للعراقيين. لا بد من الانتباه الى وجود عراق وعراقيين. دولة ومجتمع. قرابة 25 مليون شخص. هؤلاء ينبغي أن نسألهم رأيهم قبل أن ننوب عنهم. لقد نجوا من صدام. يستحقون "مبروك" كبيرة من دون "لو" ومن غير "إنما". العرب، للأسف، لم يقولوا لهم ذلك. دعوا العراقيين الى... المقاومة. نعم الى المقاومة بعد حكم بعثي دام ثلث قرن وأخذ شعبه الى حربيين كبريين، وتسبب بمقتل مليون عراقي فضلا عن غير العراقيين، ودمر اقتصاد البلد، وهجّر 4 ملايين... هل يمكن أن يُدعى بشري من لحم ودم الى المقاومة مباشرةً بعد هذه التجارب، أم أننا نتحدث عن كائنات إيديولوجية وهمية ومتوهّمة؟ سببان على الأقل يسمحان لنا بالقول إن "العرب" في تعاطيهم مع العراق لم يروا الا "القضية". لم يروا العراق لأنهم لا يرون العالم مؤلفاً من بلدان. من شعوب. في المقابل: اغتنموا الفرصة ليجددوا الاعلان عن إصابتهم بمرض المقاومة. بالمقاومانيا. أولاً، "المقاومة العربية". نعم هي عربية، أي غير عراقية. ثم أنها عربية بمعنى انها لا تنتمي الى أي بلد. هي كل شيء، أي لا شيء. انها مقاومة ناتجة عن خليط من الوهم و... التجارة: الوهم الايديولوجي وتجارة أنظمة وأحزاب و"شخصيات" تبيع وتشتري بهم وبالمقاومة وبالقضية. وهؤلاء المقاومون ضحايا الوهم والتجارة معاً. لكنهم أيضاً يكررون آه لو نعلم تجربة "نصرة العراق" في 1941 و"جيش الانقاذ" في 1948، ويذكّرون، ولو على نطاق أضيق وأصغر، ب"الأفغان العرب" الأكثر إسلامية من "طالبان". من أبناء البلد. وهؤلاء "العراقيون العرب" أكثر عروبةً بكثير من العراقيين. العراقيون عراقيون. هم... عرب!؟ ليس صدفةً، بالتالي، أن هؤلاء غير عراقيين لأن الدعوة الى المقاومة مسكونة بأجندة غير عراقية. بروحية اللامكان. ثانياً، لم يُشتم صدام عربياً، بهذه العلنية والوضوح، الا عندما لم "يقاوم". حين ارتكب ارتكاباته الكبرى، قبل الأنفال وبعدها، لم يُشتم. كانت العواطف العريضة معه. وقفت معه حتى وهي تتنصل منه شخصياً: وقفت معه في غزو الكويت. في رفض الرقابة عليه الخ... وقالت انها ليست واقفة معه. والآن يستمر العمل بمنطق تهريب صدام حين لا يُراد التوقف عند سقوطه. سقوطه ليس تفصيلاً يجوز إغفاله. وإيجابية سقوطه ليست، بالضرورة، أقل من سلبية الدور الأميركي الجديد في العراق. المقاومانيا العربية هي التي خلقت مناخاً يستهجن الدعوة الى "تنحي" صدام قبل الحرب وتجنباً للحرب. لماذا؟ لأنها لا تريد أن تفوّت عليها وليمة مقاومة! 370 جثة و158 إمعاء و219 جمجمة مثلاً! لكنها اكتشفت ان عروس "أدامز فاميلي" ليست حاضرة رغم افتتاح العرس. والنقلة كانت أشبه بالفضيحة لعقل وعقلية. فضيحة تتجاوز السياسة وكل سياسة: في البدايات، حين نشط علي حسن المجيد في الجنوب "دخلنا التاريخ" و"فتحنا أكثر من فيتنام" و"استعدنا كرامتنا". هذا لم يعش غير أيام ثلاثة بعدها خرجنا من التاريخ في غضون ساعات، وأغلقنا الفيتنامات التي فتحناها وخسرنا كرامتنا! لم تبق الا الأصداء الخافتة ل"بالروح بالدم". ثم: لندع صدام جانباً. لندع جانباً التدمير المنهجي للعلاقات العربية-العراقية تحت عنوان الدعوة الى المقاومة وشتم المعارضين العراقيين. لنتساءل: لماذا لا نحوّل بعض الجهد لقطع الطريق على الأميركان في بلدان عربية أخرى، بلدان فيها مستبدون يستحقون بعض جهد العروبة وبعض طاقتها على المقاومة؟