قال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة "نيويورك تايمز" أمس ان العراق هو الاختبار الأول للاستراتيجية الأميركية الجديدة التي وضعها فريق العمل المحيط بالرئيس الأميركي جورج بوش، مشيراً إلى أن نجاح الحملة على العراق سيدفع دولاً كإيران وكوريا الشمالية إلى تسريع برنامجهما النووي، مما سيضع واشنطن أمام تحديات أكثر جدية. ويلقي النجاح الذي حققته القوات الأميركية في العراق الضوء على مجموعة المسؤولين الذين يلتفون حول الرئيس بوش وأهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تتعدى حدود العراق بكثير وفقا لتطلعات هؤلاء المسؤولين الذين يطلق عليهم إسم "المحافظون الجدد" أو "الصقور"، وأهمهم بالطبع نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومسشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، الذين حثوا بوش منذ دخوله البيت الأبيض على انتهاج سياسة راديكالية بتدشين عصر جديد قوامه "الاحتواء والردع" استنادا إلى القوة العسكرية التي يتمتع بها بلدهم. وتم تكليف رايس في أيلول سبتمبر الماضي وضع وثيقة أطلق عليها اسم "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة" جاءت في 33 صفحة فقط وتضمنت بنداً ينص على أن الرئيس الأميركي مخول لاتخاذ قرار بعمليات وقائية ضد دول معادية ومجموعات إرهابية تطور أسلحة كيماوية وبيولوجية ونووية من دون ذكر للعراق. وأشارت في بند آخر إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بأي تحد لتفوقها العسكري على نحو شبيه بما كان عليه أيام الحرب الباردة، وفي هذا إشارة إلى أن التوجه الأميركي الجديد ينظر إلى ما هو أبعد من العراق بكثير. وكان بوش عندما توجه إلى الأممالمتحدة بشأن العراق طلب من الهيئة الدولية العمل على نزع أسلحة الدمار الشامل لهذا البلد محذراً من أن الولاياتالمتحدة ستفعل ذلك وحدها إن لم تنجح الهيئة في مهمتها. ونصت وثيقة رايس التي جاءت بعد خطاب بوش في الأممالمتحدة بشهرين على أن الولاياتالمتحدة لن تتردد في العمل بمفردها إذا اقتضى الأمر وممارسة حقها في الدفاع عن النفس بعمليات وقائية. وبدت القوة العسكرية الاميركية بسيطرتها على بغداد متفوقة اكثر منها في اي وقت مضى، وتجد الولاياتالمتحدة نفسها واقعة في حيرة ما بين الميل الى تأكيد هيمنتها من دون اي منازع على العالم والتجاوب مع الدعوات الى التعامل مع الاسرة الدولية واشراكها في تحركاتها. وتتردد إدارة بوش منذ اشهر عدة في سياستها حيال العراق ما بين المقاربتين، فطرحت الملف العراقي على الاممالمتحدة في ايلول سبتمبر الماضي لتعود في نهاية الامر وتشن الحرب من دون الحصول على الضوء الاخضر من المنظمة الدولية. واليوم تواجه واشنطن مجددا المعضلة ذاتها ما بين احلال "سلام اميركي" في العراق ولو بدا الامر اشبه بفرض وصاية عليه، او اشراك الاممالمتحدة عبر دور كبير، ولو ادى الامر الى عودة اخصام الامس من فرنسيين وروس والمان الى الساحة. وقلما وصل الجدل بهذا الشأن الى هذه الدرجة من الحدة بين المحافظين الجدد المؤيدين لتأكيد الهيمنة الاميركية بدون اي خجل، ودعاة التحرك الدولي الحريصين على عدم انقطاع اميركا عن باقي العالم. ورأى توماس دونيلي من معهد "اميريكان انتربرايز" للدراسات القريب الى صقور الادارة الاميركية ان "الحرب في العراق باتت بمثابة اختبار للنظام الدولي ولصدام حسين على حد سواء". واضاف في دراسة حول نتائج النزاع ان "النظام العالمي الجديد" الذي سينبثق عن هذه الحرب سيكون "احادي القطب وسيتميز بتفوق وزعامة اميركيين اقوى مما مضى". وكتب دونيلي: "يبدو اننا خرجنا من حقبة ما بعد الحرب الباردة لنتجة الى عهد مستديم من السلام الاميركي"، معبراً عن امله في ان يتم تعديل المنظمات الدولية لتعكس هذا "الواقع الجديد". غير ان محللين آخرين لم يشاطروه هذه النظرية، معتبرين انه ازاء المهام الهائلة التي يتحتم انجازها لإعادة اعمار العراق وضرورة مواصلة حرب بعيدة الأمد ضد الارهاب الدولي، ستضطر واشنطن الى تهدئة طموحاتها على الساحة الدولية والبحث عن تعاون واسع لدى الاممالمتحدة. واعتبرت رايتشل برونسون من مجلس العلاقات الخارجية، معهد الدراسات النيويوركي، ان "من مصلحة الولاياتالمتحدة ان تعود الى الاممالمتحدة. فالاممالمتحدة وحدها قادرة على اعطاء صفة شرعية ستجعل الامور اسهل بكثير" من اجل اصلاح الاوضاع في العراق ومواجهة ازمات اخرى على المدى البعيد. واقرب الحلفاء الى الولاياتالمتحدة في هذا النزاع وعلى الاخص رئيس الوزراء البريطاني توني بلير هم الذين يمارسون اكبر الضغوط على واشنطن من اجل ادراج اعادة اعمار العراق في اطار دولي وطي صفحة الانقسامات في صفوف الاممالمتحدة. واوضح هلموت زوننفيلد خبير الشؤون الدولية في معهد بروكينغز ان المنحى الذي ستتخذه المناقشات في الاممالمتحدة خلال الاسابيع المقبلة سيكون له تأثير حاسم على توجهات الرئيس الاميركي. وقال زوننفيلد المستشار السابق للرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون انه "اذا ما تجددت المشاجرات التي حصلت خلال الاشهر الماضية حول قرارات مجلس الامن، عندها ستبحث الولاياتالمتحدة عن حلول اخرى لمعالجة شؤون العراق". وتابع انه "في المقابل، اذا ما ابدى الجميع قدراً من الاعتدال، سيكون عندها من الممكن مواصلة العمل في اطار مجلس الامن".