على رغم الحصيلة البائسة للقمة العربية، وللقمة الاسلامية بعدها، يبقى أن حكومات هذه الدول لم تستطع إلا أن تقول ما لا ترغب الولاياتالمتحدة في سماعه، وهو "لا للحرب". هذه ال"لا" تعني أن هذه الحكومات لم تستطع أن تتجاهل ذلك الشيء "غير الموجود" وغير المعترف به، وهو الرأي العام في بلدانها الذي لا يناهض الحرب فحسب بل وجد نفسه في حال مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة التي استفحل عداؤها له وباتت تعتبر الشعوب العربية والاسلامية مشكلة يجب حسمها عسكرياً... من أجل اقامة ديموقراطيات من دون رأي عام! في المقابل، كان مفهوماً قبل القمتين، ولا يزال مفهوماً، ان كل دولة ستستمر في تدبير أمورها مع الأميركيين، بما في ذلك تقديم "تسهيلات" أو ما هو أكثر أو أقل من التسهيلات. وبذلك يحقق بعض الحكومات ما يعتقد أنه "توازن" يحمي المصالح في الداخل كما في الخارج. والواقع ان الولاياتالمتحدة كشفت بتصرفاتها وضغوطها وجهاً آخر للمعاهدات بينها وبين بعض الدول، وهو وجه لم تتوقعه هذه الدول اذ أن الطرف الآخر أراد ان تحول تلك المعاهدات من دفاعية الى هجومية بل عدوانية، ومن دون ان يتيح للشركاء إبداء الرأي أو الاعتراض. ومن اعترض أو رفض نال نصيباً من التهجم الإعلامي ومن التهديد والوعيد. في أي حال، يستطيع ارييل شارون وشاؤول موفاز ان يدعيا بأنهما أول من بدأ الحرب على العراق... من فلسطين. بل يمكنهما القول انهما قدما للولايات المتحدة بعض أثمن التجارب العسكرية والسياسية في التمهيد لهذه الحرب التي ستأتي كما لو أنها في السياق الذي رسماه في فلسطين: اجتياح واحتلال غداة قمة عربية في بيروت جعلت عنوانها الرئيسي "مبادرة سلام"، عشرات المجازر وآلاف البيوت المهدمة وآلاف المعتقلين، قرارات حكومية بالقتل والتنكيل والإذلال ومنع التجول المستمر، استهداف للأطفال والنساء والمدارس والمساجد والمستشفيات... من دون أي رد فعل عربي، أما رد الفعل المتمثل بالعمليات الاستشهادية فبات مثار جدل عند العرب بمقدار ما هو مثار قلق للاسرائيليين. وأصبح وقف هذه العمليات مطلباً عربياً ملحاً من دون أي ضمان لأي التزام اسرائيلي أو أميركي مقابل، أو حتى وعد بالتزام ما. هذا لا يعني فقط ان وقف العمليات لم يعد مجدياً، وانما يعني أكثر انه بات ضرورة لإدارة مريحة للعجز العربي. والأسوأ انه يُفهم "الاستشهاديين" انهم مدعوون للاستسلام بمقدار ما هم موعودون بأن تطاردهم عصابات شارون وموفاز لقتلهم. بين سياسات غير فاعلة حتى على مستوى القمة، وعمليات استشهادية غير مجدية ومطلوب وقفها، وعداء اميركي - اسرائيلي للجميع مصرّ على حسم كل صراع بالقوة العسكرية المتفوقة، تكرّس نهج عربي مائع ومليء بالتناقضات. والسيناريو يكرر نفسه منذ سنين: الدول العربية تواجه الأزمات متفرقة، أما أميركا واسرائيل فتتعامل مع الدول العربية على أنها كتلة واحدة. والحرب المعلنة الآتية لها هدف واحد: استئصال القضية الفلسطينية من عقول العرب وقلوبهم... بدءاً من العراق. ولم تثبت الولاياتالمتحدة الى أي حد هي متمسكة باسرائيل ووظيفتها في المنطقة أكثر مما تثبت الآن، وفي غد قريب ستقف دولتا الاحتلال الاميركية والاسرائيلية معاً لتفرضا على العرب شروط السلام الاستسلامي. معركة تقرير المصير التي خاضتها الانتفاضة الفلسطينية ستحسم عسكرياً في العراق، الذي سيكون مدعواً لقبول المصير الذي يحدده له الأميركيون أو يدخل في معركة ضد الأميركيين لتقرير مصيره. وبحروب أخرى أو من دون حروب ستدفع دول المنطقة الى معارك مشابهة لتقرير مصيرها. وحدها اسرائيل قررت مصيرها وتعمل على حمايته على حساب الآخرين، وبالنسبة الى واشنطن شكلت اسرائيل وتشكل أفضل حافز ل"بزنس" الهيمنة الأميركية. مثل هذا "البزنس" يسميه جورج بوش وكولن باول "إعادة رسم المنطقة".