يثير منظر السحب البيضاء وهي تتجمع في آخر الأفق، مشاعر متناقضة وأحاسيس عارمة بالدعة والراحة. وتبسط بحيرة كومو أمام السياح الذين يتقاطرون اليها الزرقة المفرحة لمياهها الشاسعة المترامية الأطراف التي تغمر النفس بشعور عميق بالراحة والامتلاء. وتعتبر البحيرة أحد أجمل المعالم السياحية المائية الداخلية في أوروبا. ولا يسع أي سائح احترف مهنة التجوال والاسترخاء تجنب القدوم اليها لحط رحاله على ضفافها ولو ليوم واحد. يمتد المسطح المائي الأزرق لبحيرة كومو بين جبال الألب من جهة، وبين وادي "بوو" من جهة أخرى. وتقوم البحيرة وسط انهدام جيولوجي كبير يشبه عصا تنحدر منها ساقان. ويستمرالصدع الجيولوجي بمحاذاة سلسلة جبال الألب والحدود السويسرية، في شكل متواز تقريباً مع بحيرة لوغانو الشهيرة التي تنزرع في القاطع الجبلي المواجه داخل سويسرا، على بعد 25 كيلومتراً، لتبدو وكأنها نسخة مصغّرة عن بحيرة كومو. وتُقسم منطقة البحيرة إلى محافظتين الأولى وتدعى كومو، والثانية ليكو. وهي تميزت على مدى قرون طويلة بكونها لعبت دوراً وسيطاً بين وسط أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. وأدى التأثير الثقافي الكبير للتداخل الذي حصل بين هذين العالمين الى دمغ منطقة البحيرة وسكانها وفنون البناء فيها، بطابع خاص يميزهم عن بقية المناطق المجاورة، إن في سويسرا أو في شمال ايطاليا. وتعتبر البحيرة أبرز ملامح منطقة كومو، وعلى ضفافها قامت مجموعة متنوعة من البلدات والمناظر الطبيعية الساحرة، حيث تراكمت على مدى القرون فنون عمارة راقية وجدت طريقها بين مشاهد الحياة الفطرية والطبيعية وسط الغابات التي تسحر الألباب. ويبلغ طول بحيرة كومو 46 كيلومتراً. ويقوم أعرض نقاطها بين بلدتي كادينابيّا وفيوميلاتّيه حينما يصل امتداد المسطح المائي الى 3،4 كلم، في حين تضيق الى عُشر هذا العرض، أو ما يعادل 430 متراً، بين بلدتي توّيجيا وكارينو. أما المساحة الكلية لبحيرة كومو فتبلغ 146 كيلومتراً مربعاً، في حين تصل أعمق نقطة فيها الى 410 أمتار. وتعصف بها موجات من الريح يطلق عليها السكان بريفا وتيفانو. ومما يزيد من جمال الطابع العذب للبحيرة احاطتها بسوار من الجبال الشاهقة التي تنزرع بينها هضاب منخفضة تغطيها الأشجار الخضراء التي تنعكس ألوانها الزاهية في مياه البحيرة وصفحتها الزرقاء الشفافة. وتصب عند الضفاف أنهار عدة صاخبة، تنحدر في مواضع كثيرة في شكل شلالات بيضاء ترصع الواجهات الصخرية العالية. العبّارات وتحفل البحيرة بخدمة عبّارات نهرية تربط بين ضفافها. وبوسع السائح وهو يمخر عباب البحيرة على متن إحدى هذه العبّارات أن يكحل ناظريه بالمشهد الطبيعي الساحر الذي تمتزج فيه الشمس والسحب البيضاء. وتضفي النسائم المنعشة للبحيرة خفة على الجو لا يمكن وصفها، وإن كانت تتسلل الى أعماق النفس مولدة شعوراً لا يقاوم بالراحة. ويتيح الصعود الى العبّارات مشاهدة الوديان والجونات الصغيرة عند الضفاف، والسهول الزراعية التي اختارها أغلب السكان منذ قرون طويلة مقراً لاقامتهم، لا سيما في المناطق المجاورة لمحافظة "اريسيه"، وحيث تنحدر السفوح لتمتزج مع سهل لومباردي الكبير. منازل غالية وأضفى الطابع المميز للمنطقة، والخصوصية التي تتميز به مقارنة بما يحيطها من مدن وبلدات، قدراً من العراقة والنبل لا تعرفه بقية مدن الشمال الايطالي. كما جعل مناخها العذب وجمال مناظرها الطبيعية منها قبلة لتنظيم المنتديات والمؤتمرات الدولية في فنادقها العريقة الفخمة التي تحيطها حدائق غناء - وبعضها كان قصوراً باذخة - والتي يطلق عليها مجازاً كلمة "فيللا"، كما هي الحال مع فندق "فيللا ديسته" فيللا الشرق التي شهدت انعقاد عدد كبير من المؤتمرات الدولية، والتي تعتبر أفخم المنشآت الفندقية على ضفاف بحيرة كومو. وساهم استخدام الحجارة الجبلية في بناء المنازل في المنطقة في جعلها تتحول الى استثمار يتميز بقدر من الديمومة. وتنافس أسعار العقارات في البلدات والقرى الفاتنة التي تنتشر على ضفاف بحيرة كومو وفوق هضابها أسعار العقارات في العاصمة البريطانية، والتي تعتبر من أعلاها في أوروبا في الوقت الحالي. ويراوح ثمن شراء شقة صغيرة بين 150 ألفاً و250 ألف دولار. وترتفع الأسعار حسب نوعية العقار وحجمه، بالاضافة إلى موقعه. إلا أن السعر لا يشكل مع ذلك عائقاً أمام إقبال المشترين، لا سيما أفراد الطبقات الموسرة ممن يريدون الحصول على مقر إقامة مميز للنزول فيه كلما حلا لهم الابتعاد عن زحمة المدن أو المنتجعات السياحية المكتظة. ومن شأن شراء منزل عند ضفاف البحيرة أن يسمح أصحابه بالتمتع بمناخ معتدل أغلب أيام السنة باستثناء فصل الشتاء حينما تزحف ثلوج الألب الى ضفاف البحيرة. كما يتيح في الوقت ذاته قضاء إجازة ممتعة تفوق متعة الاقامة في أجمل المنتجعات الجبلية أو الشاطئية معاً. ولا يعتبر سكان البحيرة من الأثرياء، بل ينتمون إلى الطبقة المتوسطة في أفضل الأحوال، وكثيرون منهم يزاولون أعمالاً موسمية، أو ينتقلون للعمل يومياً في مناطق مجاورة، أو في المنتجعات السياحية والمنشآت الفندقية التي يتوافد اليها السياح.