شدّني الحنين إليه. اشتقت رؤيته كما عرفته، شامخاً، مشرقاً. اتعبتني رؤيته بثوب الدماء الذي ألبسوه إياه عنوة. أحضرت كتاباً يتصدر غلافه اسمه وصورة له. فتحته فملأ الجو عطراً يحمل عبق دجلة، وأشجار النخيل، فخلت نفسي في مقهى بغدادي قديم، أسمع موال الغربة لكاظم الساهر، وأقرأ قصيدة للسياب طبعت بحبر أعرق حضارة في التاريخ. حمّستني هذه الأجواء العراقية الجميلة للمزيد فقلبت صفحات الكتاب، علّني أرى الحدائق المعلَّقة، وآثار السومريين، بناة أقدم حضارة في التاريخ، والبابليين وبقايا مسلة حمورابي. هالني السواد الذي يكتنف صفحات الكتاب والحزن الذي يغلف وجه العراق، فصحت في جزع: - ما لي أرى الحزن يكسو وجه مهد أولى الحضارات، قبلة العلماء والأدباء؟ عهدتك يا عراق قوياً، صلباً، لا تهزمك الشدائد أو تضعف من عزيمتك. فلِِمَ سمحت للحزن ان يهزمك ويستوطن قسمات وجهك الجميل الجميل؟ - أما رأيت صورتي الجديدة التي يروجون لها؟ ألم تري كيف تحولت في نشرات الاخبار وصفحات الصحف والمجلات من مدينة سلام، وعلم وفن، الى ساحة قتال وحرب، الى مادة غنية تتناقلها وكالات الانباء وأحاديث العامة والخاصة؟ راهنوا على نصر سريع. كيف لا، وهم يخوضون حرباً ضد بلد أنهكته المحن، وأضعفته الصراعات الداخلية والحروب المتتالية، وقتلت روح القتال في شعبه سنوات الحصار الطويلة؟ هكذا يعتقدون. وهذا ما صدقه العالم. وحدي أدرك كم هم مخطئون، وكم حساباتهم ضعيفة! فهم لم يضعوا في الحسبان ان أبنائي لا يملكون خبزاً ودواء، جاعوا وجرحوا، غير أنهم يحملون الجرح بصبر الانبياء، أبنائي قوم يقف المجروح منهم جبلاً حين تناديه بلاده. حزني على أطفال ولدوا من رحم الألم وألفوه، حتى اعتقدوه طبيعة في هذه الحياة. بكائي على دم أطفالي الذي يسجل ضد مجهول. خوفي عليكم لا على نفسي. ما أنا سوى بداية لعهد جديد يأخذ من القوة وحدها دستوراً وتشريعاً. البحرين - أماني عبدالله [email protected]