تزعم واشنطن أنها تعمل في حربها ضد العراق في إطار تحالف دولي يضم ما لا يقل عن 45 دولة، وتريد بذلك أن تعيد إلى الأذهان التحالف الدولي الذي قادته ضد العراق العام 1990 لإخراجه من الكويت، وهي تقود تحالفاً مماثلاً لتدمير أسلحة العراق، وهما أمران مرتبطان، فالغزو وامتلاك الاسلحة انتهاك في نظر الولاياتالمتحدة للقانون الدولي، وهي الحارس على هذا القانون والساهر على احترامه. وربما اعتقدت واشنطن أن هذا التماثل المزعوم بين حالتي 1990 و2003 يمكن أن ينطلي على العالم، ولكن العالم يدرك تماماً أن العراق العام 1990 كان غازياً محتلاً، وكان التحالف الدولي يعمل لإنهاء احتلاله وغزوه بموجب قرارات واضحة من مجلس الامن. ويترتب على ذلك فساد الحجة الأميركية التي تقول إن هذا التحالف المزعوم، والذي لا يضم سوى بريطانيا المشاركة معها في العدوان، هو امتداد للتحالف الدولي الذي كان قائماً ضد العراق 1991، والقول بذلك ينطوي على استخفاف بعقول المراقبين وذكائهم، ولا يليق بالدولة الأعظم. فالتحالف الذي تم العام 1991 انقضى بتحرير الكويت. كما لا شك لدينا من الناحية القانونية أن الحجة التي تتذرع بها واشنطن للعدوان على العراق، وهي نزع أسلحته بالقوة، فإن القانون الدولي لا يحظر على العراق امتلاك اسلحة الدمار الشامل مثلما يبيح لواشنطن، وغيرها أن تمتلك هذه الاسلحة، ولم تذكر واشنطن للعالم من الذي أعطاها الحق في التسلح ثم العدوان لنزع أسلحة الآخرين، خصوصاً وأن العالم قبل بحسن نية من قبل تقسيم دوله إلى مجموعتين، الأولى تتحمل مسؤولية رئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، ولهذا السبب ولتمكينها من القيام بهذه المهمة سمح لها بالتسلح بكل أنواع الأسلحة على أساس أنها تحمي السلام، وتحفظ الأمن للمجموعة الثانية التي حظر عليها بإرادتها وبموجب الاتفاقات الدولية المختصة أن تحوز هذه الأسلحة، ولذلك لا ضير عليها إن تخلت عن هذا الالتزام مادام الشرط الأول اللازم لهذا الالتزام قد سقط، وهو عدم وفاء واشنطن بالتزاماتها الدولية. بل واستخدام قوتها للعدوان على من ينتظر الحماية منها. ونضيف إلى ذلك أن قرار مجلس الأمن الرقم 687، وهو الأساس القانوني الوحيد الذي يلزم العراق بتدمير أسلحته قد انقضى بتحرير الكويت، فضلاً عن أنه يخرج مجلس الأمن عن سلطاته الحقيقية التي لا تشمل نزع اسلحة الاعضاء. فإذا كان القرار المذكور استند إلى منطق معين، وهو أن العراق بأسلحته يمكن أن يكرر مأساة الغزو، فلا بد من تقليم أظافره أي أسلحته، مادامت نيته العدوانية قائمة. ونحن نعلم تماماً السبب الذي أوحى بهذا الالتزام في القرار، وهو اسرائيل، ومع ذلك قبلنا هذا الالتزام على أساس واضح، وهو أن يكون الالتزام عاماً لكل دول المنطقة بمن في ذلك الدولة العبرية، ولا يجوز تفريد العراق وحده. وفضلاً عن ذلك كله فإن واشنطن كما رأينا أسقطت صدقية سياستها الخاصة بمنع الانتشار النووي وغيره، وبدلاً من أن تحترم التزاماتها القانونية بحماية الدول غير الحائزة لهذه الاسلحة، فإنها تهدد هذه الدول نفسها باستخدام هذه الاسلحة. ادعت واشنطن أيضاً أنها تستخدم القوة ضد العراق في إطار قرار مجلس الأمن 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني نوفمبر 2002، وهذه الحجة الأميركية لا تقل شططاً في تعمد ما ادعته الولاياتالمتحدةوبريطانيا خطأ بالنسبة لمناطق الحظر في العراق لكي تبرر الدولتان عدوانهما المستمر على العراق. ولحسن الحظ، فإن القرار لا يزال محل نظر المراقبين والمتابعين والمحللين، ولا تزال تأكيدات وزير الخارجية الأميركي ومن قبله مندوب الولاياتالمتحدة في نيويورك، وكذلك كل ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن ترن في الآذان لكي تؤكد أن القرار المذكور قاصرٌ على عمليات التفتيش، وأنه لا يتضمن من قريب أو بعيد الترخيص لأحد باستخدام القوة، كما أكد هؤلاء جميعاً على أن فكرة انتفاء التلقائية والآلية في استخدام القوة بمعنى استخدام القوة بمجرد الاعتقاد أو الجدل حول عمل المفتشين، ودرجة تعاون العراق معهم، ومدى التطابق أو التنافر بين بيانات العراق حول ما بحوزته من اسلحة ونتيجة عمل المفتشين. ومعلوم أن التنافس الفرنسي -الأميركي كان يقوم أصلاً على هذه النقطة وعلى تأكيد الفصل بين نتيجة التفتيش واستخدام القوة لدرجة اصرار فرنسا على صدور قرارين منفصلين، فلما أصرّت واشنطن على قرار واحد تنازلت فرنسا عن الجانب الشكلي، وقبلت صدور قرار واحد، بشرط أن يخلو تماماً من أي إشارة إلى استخدام القوة. أما القول بأن عبارة "النتائج الوخيمة" التي تترتب على تقرير وجود العراق في حالة خرق مادي للقرار تعني استخدام القوة المسلحة. فهو تفسير خاطئ رفضه أعضاء المجلس. ولم يقدمه الوزير الأميركي بل أكد عكسه، ولذلك لا يجوز للولايات المتحدة أن تنفرد بتفسير معين للقرار، وأن تفرضه على غيرها لكي تبرر بذلك عدوانها، كما لا يجوز لها أن تناقض المفهوم العام الذي أحاط بالقرار، ولا بالتعهدات الأميركية عند صدور القرار. ويبدو أن الولاياتالمتحدة التي صدقت نفسها، وكذلك بريطانيا التي أكد رئيس وزرائها في بيانه إلى الأمة مساء يوم 20 آذار مارس 2003 على أنها تقوم بعمل مشروع، قد رتبت على هذا العمل آثاراً تتجاوز بكثير الآثار الطبيعية حتى لو افترضنا جدلاً أن هذا العدوان الصريح عمل مشروع من قبيل الافتراض. فقد أعلنت واشنطن مساء يوم 20 آذار مارس 2003 أيضاً أنها طلبت رسمياً من جميع دول العالم أن تقوم بإغلاق البعثات الديبلوماسية العراقية لديها إلى أن يتسلم الحكم الجديد في العراق مهام منصبه، وقد بادرت الكويت إلى تعيين سفيرها الجديد لدى الحكومة المرتقبة في العراق. من ناحية أخرى قررت واشنطن تجميد الممتلكات العراقية لدى الولاياتالمتحدة، ما عدا ممتلكات البعثات الديبلوماسية. ومن ناحية ثالثة قررت واشنطن طرد ثلاثة أعضاء في السفارة العراقية في واشنطن وعدد من أعضاء الوفد الدائم للعراق في الأممالمتحدة. هذه التصرفات الأميركية تعد مخالفات جديدة للقانون الدولي. فلا توجد قاعدة في القانون الدولي حتى في عصور الظلام والطفولة القانونية تبرر للولايات المتحدة أن تطلب من غيرها إغلاق البعثات العراقية، إلا إذا كانت واشنطن تعتبر دول العالم جميعاً ولايات أميركية تخضع لأوامر الحكومة الفيديرالية الأميركية على الأقل في مجال العلاقات الديبلوماسية. من ناحية أخرى لا يجوز للولايات المتحدة تجميد ومصادرة الممتلكات العراقية وفقاً للقانون الدولي الراهن، وإنما يجوز لها ذلك باعتبار العراق دولة معادية، وفي حالة حرب معها، وفق مبادئ القانون الدولي في القرن التاسع عشر الذي يبيح للدول استخدام القوة على النحو الذي تقدره الدولة دون ضوابط قانونية. وسيكون من حق العراق تحميل واشنطن المسؤولية القانونية عن هذه الأعمال التي تتم في إطار العدوان الأميركي على العراق بالمخالفة لأحكام القانون الدولي، ولميثاق الأممالمتحدة خصوصاً المادة 2/4 التي تحظر استخدام القوة والتهديد بها، ولنظام الأمن الجماعي في الميثاق، ولقرار مجلس الأمن الرقم 1441. ويترتب على ذلك أن مجلس الأمن يجب أن يتخذ الإجراءات المناسبة ضد واشنطن ولندن، وأن يعقد جلسة ويتخذ قراراً لا تشارك فيه الدولتان ما دام النزاع يتعلق بهما. ويجوز للمجلس أن يدين العدوان، وأن يقرر بعض الاجراءات غير العسكرية، ويرتب المسؤولية الدولية في كنف المعتدين، وما لم يقم المجلس بذلك، فسيكون العدوان والسكوت عليه إعلاناً عن إفلاس المنظمة الدولية والنظام الدولي الذي وثق فيه العراق واحترمه وامتثل لأحكامه، ولم يكن يريد أن يصدق أن الامتثال للقرار والإخلاص مع المفتشين لا علاقة له بالمخططات الأميركية والبريطانية. والحق أن العالم لا بد أن يواجه هذا الموقف بشجاعة حفاظاً على نظام كافح العالم كله لإرسائه، وتعهدت شعوب الأرض أن تنشئه لإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب، وأن يجمع على أن العمل الأميركي عدوان يجب إدانته ومقاومته وأن أي أثر يترتب عليه باطل، وأن كل حكومة تنتج عنه لا يجوز الاعتراف بها، وألا يكرر أخطاء تجربة أفغانستان، وأن يدرك أن السكوت على السلوك الباطل أياً كانت دواعي ومبررات هذا السكوت هو أهم معاول هدم النظام القائم والتمكين للفوضى وهزيمة القانون. وأخيراً لا يجوز السكوت على المنشور الذي وزعته السفارة الأميركية في بيروت باسم "التحالف الدولي ضد الارهاب وقوات التحالف البحرية تنذر فيه كل السفن في البحرين الأحمر والمتوسط وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي بأن تعرّف نفسها فوراً وبدقة وإلا تعرضت لنيران هذه القوات". ولم يحدد المنشور ما هو هذا التحالف المزعوم، وعلى أي أساس قام، ولذلك يعتبر هذا التحالف وقواته من قبيل أعمال القرصنة، ويتعين مقاومته وإصدار قرارات من مجلس الأمن لمكافحته. * كاتب مصري.