استناداً للمعطيات الراهنة يبدو ان الحرب على العراق آتية لا ريب فيها، ومن المرجح انها ستحدث في النصف الثاني من آذار مارس الجاري او الاسبوع الاول من نيسان ابريل. ويفترض ان لا تستغرق هذا الحرب وقتاً طويلاً من اسبوعين الى اربعة اسابيع، وستتم اقامة حكومة جديدة في العراق لم يتضح شكلها حتى الآن لكن الهيمنة عليها ستكون للولايات المتحدة. ولعل الحرب على العراق من الحروب القليلة في التاريخ التي لم يتفق المحللون ولا السياسيون على تحديد اسبابها، كما يصعب التكهن بنتائجها خصوصاً على المدى المتوسط أي بعد سنة من نهاية الحرب وقيام نظام جديد في بغداد. بالنسبة الى الاسباب، يتداول المعلقين اربعة دوافع لهذه الحرب. فالرأي الاول يقول أن هدف الولاياتالمتحدة هو السيطرة على العالمين العربي والاسلامي عن طريق تغيير النظام في العراق، ثم ايجاد تحالف جديد يضم بالاضافة الى العراق كلاً من اسرائيل وتركيا، وافغانستان، وربما دولاً اخرى، وذلك من اجل احكام السيطرة التامة على المنطقة. ويشير اصحاب هذا الرأي - على سبيل المثال - الى دراسة اعدها معهد اسرائيلي للاستراتيجيات المتطورة والدراسات السياسية، وقدمها الى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نتانياهو بعد توليه السلطة عام 1996، وهي تدعو الى تغيير النظام في العراق واقامة نظام جديد مستعد للتحالف مع كل من اسرائيل وتركيا والاردن للسيطرة على المنطقة. تلقف المحافظون الجدد النافذون في حكومة بوش هذه الدراسة وقبلوا اطروحاتها، وما لبثت ان اكتسبت اهمية خصوصاً بعد احداث 11 ايلول سبتمبر. ويذهب المعتقدون بهذا الفكر الى ابعد من ذلك بالحديث عن تقسيم بعض دول المنطقة كالسعودية، واجراء تغييرات جذريه على المستويات كافة في منطقة الشرق الاوسط. اما الرأي الثاني المحلل لاسباب الحرب ونتائجها فيقول ان الانظمة الحالية في المنطقة تعتبر سيئة جداً من حيث انعدام الديموقراطية على الخط العربي، ووجود حكومات متسلطة، وانعدام الحرية بجميع اشكالها، وتدهور الاوضاع الاقتصادية، واحادية التعليم وعدم قدرته على مواجهة متطلبات العصر، او تحمل الرأي الآخر. وهذا الوضع يؤدي الى عدم الاستقرار والى نمو الحركات المتطرفة والحركات الارهاربية، التي تؤدي بدورها الى زعزعة السلم والاستقرار العالمي، ومن هنا لا بد من تغيير هذا الوضع من خلال تغيير الانظمة الشمولية في المنطقة، وقد تكون نقطة البداية العراق، ثم بعد ذلك التوسع الى دول اخرى اما عن طريق الاقناع او عن طريق القوة. وهذا الرأي يؤيده بعض المستشرقين وبالذات في وزارة الخارجية، وبعض العرب الاميركيين المعروفين بتحالفهم مع المحافظين الجدد، كما يعتقد به الباحثون عن بعد انساني وديموقراطي لسياسة بوش تجاه العراق. ويشير اصحاب الرأي الثالث الى البترول. فالعراق لديه ثاني اكبر احتياط بترولي في العالم، كما ان بإمكانه زيادة انتاجه بشكل كبير، وبالذات على المدى الطويل خمس سنوات واكثر، ونظراً الى ان البترول سيستمر في كونه أهم مصدر للطاقة خلال السنوات العشرين المقبلة على اقل تقدير، كما ان هناك نمواً مستمراً للطلب العالمي عليه، فإن سيطرة الولاياتالمتحدة على البترول العراقي ستعزز مقدرتها على توفير البترول بسعر رخيص من ناحية، واستمرار السيطرة على الاقتصاد العالمي من ناحية اخرى. ويعتقد بهذا الرأي في الغالب بعض الاشخاص المنتمين فكرياً لفترة الستينات والسبعينات الميلادية، والذين لم يواكبوا حتى الآن التطورات الكبيرة في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك التطورات الخاصة بسوق وصناعة البترول. اما الرأي الرابع، وهو الرسمي، الذي نسمعه كثيراً من حكومة بوش، وكذلك حكومة بلير في بريطانيا، فيدعي ان حكومة صدام حسين تمثل خطراً على المنطقة وعلى النظام الدولي لما تملكه من "اسلحة الدمار الشامل" وتحالفها مع الحركات الارهابية، والذي قد يؤدي الى استخدام هذه الاسلحة بما ينطوي عليه من كوارث بشرية وبيئية اذا لم يتم ايقافه الآن نظرية الضربة الوقائية. وهذا الرأي لا تعتقد به الجهات والافراد المطلعون والمتابعون، الا ان الهدف منه اقناع الرأي العام المشغول بالقضايا العادية. وحظيت الآراء الاربعة السابقة بالكثير من التحليل، الا أن هناك سبباً خامساً للحرب لم يحصل على ما يستحقه من تحليل، على رغم اهميته، هذا العامل مبني على التحليل النفسي لتصرفات الدول... فأي دولة تتصرف بشكل عام حسب مصالحها المختلفة، إلا أن تصرفاتها تتأثر بالوضع النفسي للدولة او قيادتها. ومن الواضح ان الولاياتالمتحدة وبحكم انها القوة العظمى الوحيدة في العالم، كانت تعتقد انها بمنأى عن اي هجوم خارجي، الا انها واجهت في 11 ايلول سبتمبر 2001 اكبر هجوم خارجي في تاريخها بعد ضربة "بيرل هاربر" في عام 1945، والذي عجل في دخولها الحرب العالمية الثانية. وحدث الهجوم الاخير على اكبر رموزها الاقتصادية والعسكرية مركز التجارة العالمية ووزارة الدفاع، وحدث هذا خلال قمة نشوتها بعد زوال عدوها الاول والوحيد الاتحاد السوفياتي بعشر سنوات، وبعد تحقيقها نمواً اقتصادياً كبيراً خلال التسعينات يعتبر الاكبر منذ عقود عدة، والذي ضمن موقعها كأكبر وأهم قوة اقتصادية في العالم، بعد سنوات من الشك والخوف خلال الثمانينات. اضافة الى ذلك حصل هذا بعد ثمانية اشهر من تولي رئيس جديد للولايات المتحدة، هو رئيس وصل الى البيت الابيض بقرار من المحكمة العليا، كما ان الرئيس بوش، كان يسعى منذ اليوم الاول لوصوله الى البيت الابيض الى الفوز بولاية ثانية وذلك عن طريق التركيز على الوضع الداخلي للولايات المتحدة، وترك القضايا الدولية كمواضيع ثانوية لوزرائه، وبالذات منطقة الشرق الاوسط وعدم الاحتراق فيها كما حصل لوالده، او للرئيس جيمي كارتر، اللذين لم يحصلا على فترة رئاسية ثانية لعدة اسباب لعل من اهمها التطورات السياسية في منطقة الشرق الاوسط والانشغال بها. وبعد هزّة 11 ايلول تصرف الرئيس بوش بشكل اكسبه تأييد وتعاطف دول العالم، وحصل على تأييد شعبي داخل اميركا لم يحصل عليه أي رئيس اميركي قبله. ونجحت اميركا في غزوها لافغانستان، إلا أن الغنيمة افغانستان كانت صغيرة وفقيرة وسهلة مقارنة بالأثر النفسي لاحداث 11 ايلول على اميركا. ويساوي هذا في الاهمية ان زعيمي الحدث اسامة بن لادن والملا عمر لا يزالان طليقين، حسب اغلب التقارير، كما ان "القاعدة" وحركة "طالبان" استمرتا في الوجود وقامتا بعمليات جديدة ضد اميركا. ومن هنا، فلا بد من البحث عن جائزة اثمن ونصر اكبر، وليس هناك افضل من صدام حسين والعراق... فالعراق دولة قوية ومهمة مقارنه بأفغانستان، والعراق يمثل عقده مستعصية للولايات المتحدة منذ حرب الخليج الثانية في عام 1990/ 1991م، ويبدو كقوة مهمة من الخارج، إلا أنه ضعيف من الداخل، والرئيس العراقي صدام حسين رجل مكروه من شعبه وجيرانه وغيرهم... ومن هنا، فإن الحرب على العراق وهزيمة حكومته الحالية وتغييرها وربما القبض على صدام ومحاكمته ستمثل نصراً للولايات المتحدة وللرئيس بوش، يخفف الاثر النفسي لصدمة 11 ايلول... وقد تم تبني مخطط الهجوم على العراق في وقت مبكر، على رغم عدم وضوح توقيته، وتم بناء الحملة على العراق بشكل تدريجي خلال الاشهر العشرة الماضية، حتى وصلت الى درجة متقدمة، وبحيث يصعب في الغالب التراجع عنها، بل ان التراجع قد يمثل نكسة للرئيس بوش. ان العامل النفسي، الذي لعب دوراً اساسياً في اتخاذ الولاياتالمتحدة قرارها بالحرب، لعب دوراً مهما في التأييد البريطاني المطلق للولايات المتحدة... فلندن تشعر بقرب من واشنطن اكبر من باريس او برلين.. فلعل العامل الثقافي الانغلو سكسوني له دور في ذلك، الا ان الامر يذهب ابعد من ذلك، فبريطانيا من خلال اوروبا لات عتبر في صف القيادة الذي تتولاه فرنسا والمانيا، بل انها تنتمي الى قوى الدرجة الثانية ايطاليا واسبانيا، ومن هنا، فإن تحالفها مع الولاياتالمتحدة يعطيها شعوراً بالاهمية قد لا تحصل عليه في حال عملها من خلال المجموعة الاوروبية. وهذا يفسر التصاقها بالسياسة الاميركية، ليس فقط في ما يخص العراق، بل خلال العشرين عاماً الماضية. ان التركيز على العوامل المادية او المصالح الوطنية المجردة، او الخطط المستقبلية المتوقعة لا يعتبر كافياً في معرفة تصرفات الدول، بل لا بد من النظر للبعد النفسي. وهذا يساعد ليس فقط في معرفة اسباب الصراع على العراق، بل الأهم من ذلك، كيف ستتصرف الولاياتالمتحدة خلال الحرب، وبعد انقضائها. * مستشار في وزارة النفط السعودية.