أمير الرياض يعزي في وفاة محمد السديري    وزير نفط سورية: رفع أوروبا العقوبات عن «الطاقة» يعزز اقتصادنا    تجمع الرياض الصحي الأول يُطلق برنامج "تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها"    أمير تبوك يترأس اجتماع الإدارات الحكومية والخدمية لمتابعة استعدادات شهر رمضان    أمير المنطقة الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني ويدشن مبادرة "مفيد"    العلي ل"الرياض": المملكة من أسرع أسواق الطيران نموًا في العالم    مركز التحكيم الرياضي السعودي يشارك في منتدى الاستثمار الرياضي    أمانة القصيم: مجانية مواقف وسط بريدة    مجموعة stc تحقق 86% نمواً في صافي الأرباح لعام 2024م و 13% في حال استبعاد البنود غير المتكررة    البرلمان العربي يمنح نائب رئيس مجلس الشورى السعودي وسام التميز    رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر يستقبل نائب وزير الخارجية    المسحل: شبابنا رجال.. خطوة نحو «التاريخ»    حكمي يحتفل بزواجه    البرد القارس يجمد الأشجار في حدائق عرعر    محافظ جدة يُكرّم الطلبة المبدعين في «تايسف 2025» وَ «أنوفا 2024»    سمو أمين منطقة الرياض يفتتح "واحة التحلية" ضمن سلسة واحات الرياض    أمير المدينة يؤكد على تحقيق أعلى درجات الراحة والأمن لقاصدي المسجد النبوي    أمير الرياض يستقبل سفير جمهورية مصر العربية المعين حديثًا لدى المملكة    الجيش يتقدم لتطهير وتأمين جنوب الخرطوم    تبوك: القبض على مروج 9893 قرصاً مخدراً    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال رمضان يوم الجمعة 29 شعبان    غداً.. تسليم 4 جثامين إسرائيليين مقابل 625 أسيراً فلسطينياً    تجمّع مكة الصحي يكمل تجهيز 8 مستشفيات و 43 مركزًا صحيًا    إقامة أسبوع التوعية بمرض الحزام الناري بالمملكة    ضبط 6 وافدين لممارستهم أفعالا تنافي الآداب العامة في أحد مراكز المساج بجدة    بموافقة خادم الحرمين.. توزيع 1.2 مليون نسخة من المصاحف وترجمات القرآن في 45 دولة    مدير الأمن العام يرأس اجتماع قادة قوات أمن العمرة    «صفقة القرن» بين واشنطن وكييف    لموظفيها العزاب : الزواج أو الطرد    5 عادات شائعة يحذر أطباء الطوارئ منها    الحسم في «ميتروبوليتانو»    تشغيل «محطة قصر الحكم» بقطار الرياض اليوم    لاعبون قدامي وإعلاميون ل"البلاد": تراجع الهلال" طبيعي".. وعلى" خيسوس" تدارك الموقف    القيادة تهنئ أمير الكويت بذكرى اليوم الوطني لبلاده    وزير الدفاع ووزير الخارجية الأميركي يبحثان العلاقات الثنائية    وسط ترحيب لا يخلو من ملاحظات.. البيان الختامي لمؤتمر الحوار: الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها.. وإعلان دستوري مؤقت    شهر رمضان: اللهم إني صائم    اليمن.. مطالبة بالتحقيق في وفاة مختطفين لدى الحوثيين    مملكة السلام.. العمق التاريخي    اجتماع سعودي-أمريكي موسع يناقش تعزيز التعاون العسكري    أكد ترسيخ الحوار لحل جميع الأزمات الدولية.. مجلس الوزراء: السعودية ملتزمة ببذل المساعي لتعزيز السلام بالعالم    خفاش ينشر مرضاً غامضاً بالكونغو    ليلة برد !    اختبارات موحدة    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت بمناسبة اليوم الوطني    سعود بن نايف يطلع على مبادرة «شيم»    أنشطة تراثية في احتفالات النيابة العامة    النائب العام يبحث تعزيز التعاون العدلي مع الهند    مدير الأمن العام يتفقّد جاهزية الخطط الأمنية والمرورية لموسم العمرة    ثورة الذكاء الاصطناعي ومحاولة محاكاة التفاعل الاجتماعي    «صراع وطني» في مواجهة الاتفاق والتعاون    فعاليات الشرقية.. حِرف وفنون أدائية    النحت الحي    جبل محجة    دونيس: مهمتنا ليست مستحيلة    تقنية صامطة تحتفي بذكرى يوم التأسيس تحت شعار "يوم بدينا"    155 أفغانيا يصلون إلى برلين ضمن إجراءات إيواء الأفغان المهددين في بلادهم    سقوط مفاجئ يغيب بيرجوين عن الاتحاد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باريس وبرلين تعبثان بأوراق الحرب الأميركية ضد العراق
نشر في الحياة يوم 03 - 02 - 2003

هل في الامكان قراءة تغيير ما في خريطة الحلف الغربي؟ باريس وبرلين تحتفلان بمرور 40 عاماً على معاهدة الإليزيه التي نظمت ومأسست التعاون الثنائي بين فرنسا والمانيا، فيما كان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد يعتبر أنهما تمثلان "أوروبا القديمة".
ويشير التباين في شأن الحرب على العراق بين ضفتي الاطلسي عموماً، وبين واشنطن من جهة وباريس وبرلين من جهة اخرى خصوصاً، إلى شرخ حقيقي في لحمة الجسم الاطلسي لم يشهد له مثيل على الاقل منذ انهيار الستار الحديدي وزوال الحرب الباردة.
الولايات المتحدة التي نجحت في اقناع الخصوم بمدى قدرتها على تزعم العالم، بما تملكه من امكانات اقتصادية وعسكرية وسياسية، تعاني من "تمرد" حقيقي من اطراف يفترض أنهم في معسكر الاصدقاء. والواضح أن توافق موقف برلين وباريس حول مسألة الحرب ضد العراق يعكس رغبة في وضع حد للاندفاع الاميركي لقيادة العالم من دون كثير اهتمام بمصالح التجمعات والقوى الدولية. فألمانيا لم تعد مضطرة للالتصاق بالمارد الاميركي خوفاً من مارد احمر يطل على نوافذها، وفرنسا اضحت قلقة على مصادرة دورها الذي لطالما تحرته كدولة كبرى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
بعد زوال الحقبة الهتلرية سعت المانيا إلى اعادة التشكل وفق قوانين ومصالح قوى ما بعد الحرب. المعاناة الاوروبية من الاحتلال النازي للقارة في غربها وشرقها، غذى دعوات نشطت، لا سيما في فرنسا، لتفتيت الكيان الالماني كونه يشكل خطراً حقيقياً على جيرانه ويهدد السلام الدولي. فالمانيا، كما كان يردد الجنرال شارل ديغول، خاضت ثلاث حروب ضد فرنسا ضمن فترة حياة انسان. والدعوة إلى تفتيت الكيان الالماني لم تكن تستند على أسس نظرية فقط، بل ان الحلفاء المنتصرين شرعوا في شكل او آخر في التمهيد له عبر تقسيم المانيا إلى مناطق احتلال تديرها روسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
غير أن ما انقذ المانيا من سرطان التلاشي نشوب الحرب الكورية عام 1942 وانبعاث المعسكر الشيوعي والدخول في حرب باردة لم تنته الا مطلع العقد الماضي. خسرت فرنسا رهانها في اخفاء الكيان الالماني واستعاد القسم الغربي من المانيا سيادة اجتُزئ منها الشق الشرقي في ظل الهيمنة السوفياتية. وتم لالمانيا بقيادة مستشارها كونراد اديناور اعادة تسليح نفسها والانضمام إلى الحلف الاطلسي لتصبح عضواً كاملاً في المعسكر الغربي.
اختارت المانيا الالتصاق بالولايات المتحدة لتتقي بمظلتها النووية شر الخطر الاحمر، وفي هذا الالتصاق استعادة لوزنها داخل القارة القديمة على قدم المساواة مع جيرانها، خصوصاً باريس ولندن. غير أن مصالح الزواج الكاثوليكي بين برلين وواشنطن وهنت. اذ زال الاتحاد السوفياتي بامبراطوريته وانقشعت اخطاره، والتحم شقا المانيا الغربي والشرقي ولم يعد تقسيم البلاد امراً واقعاً. ولذا تعيد المانيا رسم واقعها الجيوستراتيجي وتخيُّل دور طموح يتناسب مع وزنها الاقتصادي والسياسي ويتجاوز عار النازية الموروث واللصيق بحاضرها.
والامر بالنسبة الى فرنسا يتسق مع حال العلاقات التي وسمت البلدين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحال هذه العلاقات لم يتغير في المبدأ والمنهج عن تلك التي شيد أسسها شارل ديغول. فالضابط الذي لجأ إلى بريطانيا ودعا من هناك الفرنسيين الى المقاومة والالتحاق به من اجل التحرير، لم يقبل أن يكون دور بلاده ثانوياً ما أدى الى اصطدامه بحليفيه تشرشل وروزفلت. كان ديغول يريد أن يدخل باريس وفق روزنامته السياسية التي قد لا تتوافق مع تلك العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها.
لم تكن فرنسا ابان تلك الحرب وبعدها بالوزن الذي يتيح لها تبوؤ مركز قرين لحلفائها. حتى المانيا المنهزمة استنكرت وجود ممثل فرنسي عند التوقيع على وثيقة الاستسلام في ايار مايو 1945. بيد أن حنكة ديغول وتمسكه بسياسة فرنسا العظمى مكّنته من تحقيق مكتسبات رمزية اعاد من خلالها تأكيد مكانة بلاده كدولة عظمى. فرنسا غُيّبت عن مؤتمر يالطا الولايات المتحدة، بريطانيا، الاتحاد السوفياتي بيد أنها حصلت على منطقة إحتلال داخل المانيا المنهزمة شأنها في ذلك شأن كبار الحلفاء، كما تم لها الحصول على حق النقض داخل مجلس الامن كدولة من الدول الخمس الكبرى.
على أن ما كان منةًًَ صار واقعاً مكتسباً تسعى باريس إلى تدعيمه وتطويره. فرنسا المشاكسة وقفت حجر عثرة دائماً امام سياسة الولايات المتحدة التي تلامس مصالح فرنسا سواء على مستوى القارة او على المستوى الدولي. باريس كانت تدرك حاجتها إلى المظلة النووية للولايات المتحدة امام الاتحاد السوفياتي. الا أنها لم تستسغ الانصياع عسكرياً لمشيئة البنتاغون. وذهبت باريس في سعيها الاستقلالي حد الإنسحاب من مؤسسات الحلف الاطلسي عسكرياً من دون أن يصل ذلك حد القطيعة السياسية. ومهما تعددت اشكال الحكم في فرنسا ومهما تنوعت هويات الرؤساء في الاليزيه، فإن باريس كانت ترى في واشنطن شبهة هيمنة على قارة لطالما منّت باريس النفس بزعامتها ربما منذ نابليون. وهذا الحذر الفرنسي ازاء الحلف الما وراء الاطلسي يفسر التحفظ التقليدي لفرنسا ازاء بريطانيا التي اعتبرها ديغول حاملة طائرات اميركية في اوروبا ومنع دخولها إلى السوق الاوروبية المشتركة. وهو أمر لم تحظ لندن به إلا بعد انسحاب ديغول من الحياة السياسية.
اوروبا القديمة التي يتذكرها وزير الدفاع الاميركي تهكماً، تركزت حول المحور الفرنسي - الالماني الذي بنى الوحدة الأوروبية مدماكاً فوق آخر. وفي تلميحات رامسفيلد ايحاء ب"أوروبا جديدة" تتجه شرقاً قد تكون بديلاً عن تلك التقليدية التي حكمت ادارة القارة منذ نصف قرن. ولعل في التضامن الفرنسي - الالماني صورة لشكل القلق المشترك من جنوح جمهوريي واشنطن نحو ابعاد لا يمكن تدجينها في الاندفاع الاميركي.
فرنسا تعرف أن حرب واشنطن ضد العراق هي لعب في حقولها، فباريس أقرب في الجغرافيا إلى ساح الوغى واكثر التصاقاً بثقافة المنطقة بالواقع التاريخي والفعلي. وباريس تدرك أن الحرب الاميركية ضد العراق وما يستتبع ذلك مما هو مجهول، سيسقط الاوراق الاخيرة التي ما زالت تمسك بها في ادارة شؤون منطقة الشرق الاوسط. وفي رفض فرنسا للحرب بالطريقة الاميركية اتساق مع سعيها التاريخي إلى الحفاظ على مكانتها كدولة كبرى للحسم في شؤون الحرب كما السلم. لكن ما تملكه باريس من امكانات على الاقل على المستوى العسكري والاقتصادي، لا يتيح لها تغيير قواعد اللعبة الاميركية الا اذا نجحت في تصليب تحالفها مع المانيا واذا وفّقت في إدارة تفاهم دولي ضد الحرب واذا ما حظيت بمواقف عربية واضحة وصادقة من موضوع رفض هذه الحرب.
على أن موقف برلين أشد حزماً من موقف باريس. المستشار الألماني غيرهارد شرودر أعلن في شكل واضح أن بلاده لن تؤيد أي قرار في مجلس الأمن لشن حرب على العراق. ومن المقرر أن تتولى ألمانيا، التي انضمت إلى عضوية مجلس الأمن كعضو غير دائم لا يتمتع بحق النقض الفيتو، رئاسة مداولاته الشهر المقبل. أما فرنسا التي صعّدت في الأسابيع الأخيرة من لهجتها إزاء احتمالات الحرب فأعلنت على لسان وزير خارجيتها دومينيك دوفيلبان ان باريس لا ترى مبرراً للحرب، فيما لم ينف احتمال ان تذهب بلاده حد استخدام حق الفيتو لاجهاض قرار أممي داعم لحرب ضد العراق. وربما يدفع الإجماع الذي حظي به الموقف الرسمي الفرنسي من قبل الطبقة السياسية الفرنسية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها في إدانة تصريحات رامسفيلد الرئيس جاك شيراك وطاقمه الى مزيد من التصلب لوضع العصي في دواليب واشنطن.
على أي حال فإذا ما رأى وزير الدفاع الأميركي في موقف برلين وفرنسا تمثيلاً لأوروبا القديمة، فإن في أوروبا من يرى أن في القدم حكمة، لذا فإن حظوظ باريس وبرلين في تعديل وجهة السير الاميركية ازاء العراق ليست ضعيفة. فالولايات المتحدة التي تلوّح بالحرب وحيدة ومن دون قرار أممي لا تستطيع وحدها وبالطاقم الجمهوري الحالي على رأسها تحقيق انتصار في العراق من دون دعم سياسي وديبلوماسي على الاقل من عواصم القرار في العالم. فما انجزته عسكرتاريا واشنطن في افغانستان يعتريه شك ووهن على رغم أن 11 ايلول سبتمبر زوّد واشنطن وآلتها العسكرية بدعم جامع قد يكون الأخير من شرق البسيطة إلى غربها.
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.