ربما لم يعد هناك سوى اسبوعين او ثلاثة تفصلنا عن موعد الحرب على العراق. ومع ذلك لا تزال شكوك كثيرة تكتنف حقيقة الاهداف الاميركية والبريطانية من هذه الحرب. فماذا يريد حزب الحرب؟ اية احلام وآمال تداعب اذهان جورج بوش وتوني بلير وانصارهما؟ وما هي الطموحات السرية لدى زمرة الصقور اليمينية في واشنطن التي هي القوة الدافعة والمحرضة على الحرب؟ هل الهدف، كما يقولون، هو نزع اسلحة العراق؟ ام هو التصفية الجسدية للزعيم العراقي صدام حسين ونظامه كله؟ هل يأملون بأن يحولوا في المستقبل دون الحصول على اسلحة دمار شامل؟ ام ان الهدف الحقيقي كما يشك الكثيرون، هو السيطرة على موارد العراق النفطية الضخمة، وابتزاز العالم الصناعي بأسره؟ هل الهدف الحقيقي هو حلم امبريالي بالهيمنة على العالم ام ان الرئيس بوش وشركاءه المتطرفين تحولوا فجأة الى رجال طيبين يريدون نشر "الديموقراطية" في بلاد العرب المغلوبة على امرها؟ يصح طرح هذه الاسئلة امام وضع غير واقعي، بل وضع سوريالي يصعب تفسيره، اذ نشاهد الدولة الاعظم في العالم تعد جيشاً جراراً من اجل سحق دولة صغرى باءت راكعة بفعل ربع قرن من الحروب والعقوبات القاسية. فهل لنا ان نصدق فعلاً ان العراق، بما يعانيه من شلل وضعف وما يخضع له من رقابة صارمة لم تعرفها دولة اخرى في العالم، يشكل خطراً قتالاً للجنس البشري؟ ام ان اصدقاء اسرائيل الذين يحتلون مراكز حساسة في الادارة الاميركية هم الذين يقودون عجلة الحرب ويتصورون بأن تدمير ما تبقى من هذه الدولة العربية الكبرى سيخدم مصلحة اسرائيل؟ من المحقق ان المتطرفين من اليهودالاميركيين اضافة الى الخصيات الاسرائيلية الرسمية المتطرفة الذين يسعون جاهدين للحرب ويتحدثون بإلحاح شديد عن الفرصة "التاريخية" لاعادة تشكيل الشرق الاوسط واعادة رسم خريطته السياسية. ففي خطاب القاه شاؤول موفاز وزير الدفاع الاسرائيلي في القدس أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، قال: "ان لنا مصلحة كبرى في اعادة تشكيل الشرق الاوسط في اليوم التالي لانتهاء الحرب". وتبعه رئيس جهاز الموساد السابق افرايم هاليفي الذي يعمل الآن مستشاراً للامن القومي لدى شارون ليشير في خطاب ألقاه اخيراً في ميونيخ، الى المكاسب التي تأمل اسرائيل بالحصول عليها. اذ قال: "ان آثار الصدمة التي ستهزّ "عراق ما بعد صدام" ستكون واسعة الشمول بحيث تصيب طهران ودمشق ورام الله". وكما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مراسلها في اسرائيل هذا الاسبوع: "ما ان يتم التخلص من صدام حتى تنهار احجار الدومينو". أحلام شارون الخطيرة من المفيد ان نحاول تصوّر ما يدور في ذهن ارييل شارون الذي أتم منذ اسبوع تشكيل حكومة من اقصى اليمين تضمن تأييد 68 صوتاً في الكنيست. فهو اليوم، كما في عام 1982 حين رسم ونفّذ خطة اجتياح لبنان، يحلم بإعادة تشكيل العالم العربي بصورة تخدم مصلحة اسرائيل . ويمكن تلخيص اهدافه كما يأتي: احراز نصر نهائي على الفلسطينيين، موت او نفي عرفات، وضع حد نهائي لكل امل بإقامة دولة فلسطينية، استمرار التقدم تحو تحقيق هدف "اسرائيل الكبرى" وذلك بضم معظم الضفة الغربية ان لم يكن كلها ومضاعفة بناء المستوطنات وطرد اعداد كبيرة من الفلسطينيين او اجبارهم على الهجرة، الاضعاف المستمر للعراق وسورية، وذلك لاستبعاد اي تهديد من جبهة عربية شرقية، قلب نظام الملالي في ايران ومحاولة بعث الرابطة الايرانية الاسرائيلية القديمة وتدمير حزب الله في لبنان، كل ذلك في سبيل تحقيق الهدف النهائي لاسرائيل على المدى البعيد وهو الهيمنة على عالم عربي "مدجّن" بفضل امتلاكها الحصري لأسلحة الدمار الشامل وبفضل تحالفها الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة وتحالفها التكتيكي مع تركيا. تُرى كم من هذه الاهداف خيالي وكم منها واقعي؟ قد ينقلب حلم شارون الى كابوس كما حصل عام 1982. فقد اثبتت الانتفاضة منذ نيف وسنتين بأن حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية هو وصفة لاستمرار المقاومة الفلسطينية وتصعيد وتيرتها. واذا ما أضحت حياتهم صعبة لا تحتمل فإنهم سيجعلون حياة الاسرائيليين كذلك. واغتيال الفلسطينيين اليومي وبدم بارد لن يمرّ من دون عقاب علماً ان عدد القتلى بلغ الخمسين في الاسبوعين الماضيين. وهنالك عدد كبير، من اقطاب يهود الشتات وكذلك من الاسرائيليين، يتفق مع الكثيرين في انحاء العالم على ان شارون مجرم متهور يقود اسرائيل نحو الكارثة. ولن تتخلى اوروبا وروسيا والاممالمتحدة بل حتى الولاياتالمتحدة في ظل حكومة أعقل من الادارة الحالية بسهولة عن رؤية دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنباً الى جنب مع اسرائيل. وما ان تنتهي الازمة العراقية بشكل او بآخر حتى يعود الاهتمام العالمي من جديد بالنزاع العربي الاسرائيلي في الوقت الذي ينهار حلم شارون بتحقيق نصر ساحق على الفلسطينيين. وتعكس الانقسامات في مجلس الامن خطورة الصعاب التي تعترض طريق الحرب، اذ يبدو الفريقان اللذان تقود اميركا احدهما وتقود فرنسا الآخر في حال تراشق قد يستمر طوال الاسبوعين القادمين. فاذا آلت النتيجة الى الحرب، سواء بموافقة الاممالمتحدة او من دونها، فمن المرجح ان تحمل العواقب نوعاً من الفوضى ولا تدع اي مجال "لإعادة تشكيل" المنطقة كما تدور في اذهان الصقور. فبدلاً من ان يتحول الشرق الاوسط الى منطقة مستقرة وديموقراطية على تناغم تام مع الولاياتالمتحدة واسرائيل، يمكن التنبؤ بوقوع اعداد كبيرة من القتلى ودمار هائل في العراق، وبانهيار الحكومة المركزية وقيام حكم العصابات والمافيا وبوقوع جرائم قتل على نطاق واسع في سائر انحاء البلاد، وبنزوح اعداد ضخمة من اللاجئين الى ما وراء الحدود، وبموت التجارة والاستثمار والسياحة في سائر انحاء الشرق الاوسط مسددة بذلك ضربة قاسية للاقتصاد الهش في مصر وسورية والاردن بل وفي اسرائيل نفسها، وبالتزاحم المحموم على نفط العراق من جانب حكومات الدول الكبرى وشركات النفط، وبنشوء حركات اسلامية ووطنية تعبر عن سخطها بهجمات فردية على اهداف اميركية وبريطانية ثم لا تلبث ان تتحول الى ميليشيات منظمة تحارب الجيوش المحتلة والحكومة الطيعة التي تأمل هذه الجيوش بتعيينها. التعامل مع الأطماع الايرانية والتركية قد تواجه التطلعات الاميركية وكذلك البريطانية والاسرائيلية اخطار نسفها وافشالها من جانب اقرب حلفائها تركيا. فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1920 وهي تشعر بالخطر يتهددها من الشمال والشرق اي من تركياوايران. اذ لم تتخلّ تركيا عن حلمها باستعادة شمال العراق الغني بالنفط والذي كان يخضع لسيادة الامبراطورية العثمانية حتى انهيارها في الحرب العالمية الاولى، الا بضغط شديد من جانب بريطانيا. وقد كانت تركيا تهتم بصورة خاصة بمحافظة الموصل التي يقطنها حتى اليوم مزيج من الأكراد والتركمان والعرب. فانهيار الدولة العراقية والفوضى التي ستتبع هذا الانهيار قد يبعث آمال تركيا واطماعها في هذه المنطقة. وأياً كانت الحال فان تركيا مصممة على سحق آمال اكراد العراق بالاستقلال، وهي تستعد لارسال عشرات الألوف من الجنود الى شمال العراق بمجرد اندلاع الحرب حتى اذا ما هزم العراق، كما هو الارجح، يسارع الجيش التركي نحو كركوك وآبار النفط لمنع وقوعها في ايدي الأكراد. ويتوقع ان تنشب اصطدامات دامية بين الجيش التركي والميليشيات الكردية الامر الذي يعقّد الخطط الاميركية في المنطقة. واذا ما حصلت تركيا على قطعة من العراق فإن ايران قد تحذو حذوها فتسعى الى السيطرة الكاملة على شط العرب الذي يشكل الحدود المتنازع عليها بين البلدين والذي كان من بين اسباب اندلاع الحرب العراقيةالايرانية عام 1980، وكان قبل ذلك يسمّم العلاقات بين الامبراطوريتين العثمانية والفارسية. وقد يطمح النظام الايراني الى مدّ نفوذه على الاماكن المقدسة المأهولة بالشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية والتي تستقطب الشيعة من كل مكان. وهناك تقارير توحي بأن وحدات عسكرية عراقية في المنفى مدربة في ايران، تسمى "فيلق بدر" وهي تابعة للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية ومركزه طهران، تستعد للتدخل في شمال العراق والوسط والجنوب. ومعنى ذلك ان الجيش الاميركي قد لا يواجه قوات صدام فحسب بل الاكراد والشيعة المشبعين بالاحباط والريبة والذين يخشون ان تخونهم الولاياتالمتحدة فتقيم نظاماً عربياً سنياً في بغداد. وبعد، فإن ذاكرة الشعوب في هذا الجزء من العالم قوية جداً… فما بين القرن الثالث والسابع كانت السلالة الساسانية الايرانية تحكم امبراطورية تمتد من نهر السند شرقاً حتى نهر دجلة ووديان الفرات غرباً الى ان هاجمها وهدمها العرب من عام 637 الى 651. ثم قامت سلالة الصفوية الايرانية تحت قيادة عباس الاول فهزمت العثمانيين واحتلت بغداد في عام 1603. وقد كان شاه ايران الاخير يحلم ببعث الامبراطورية الساسانية وجعل عاصمتها عاصمة له. فبدلاً من تدجين العرب كما يأمل الاميركيون واسرائيل، في حرب يراها العالم غير شرعية وغير مبررة، فإن ذلك قد يوحي لجيل عربي جديد، اكثر عناداً في نضاله من اجل الحصول على استقلال حقيقي، فشل الجيل العربي الحالي فشلاً ذريعاً في تحقيقه والدفاع عنه. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط.