يعقد الاتحاد الافريقي غداً في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا اول قمة افريقية استثنائية بعد إلغاء منظمة الوحدة الافريقية وإعلان "الاتحاد" بديلاً لها في قمة دوربان جنوب افريقيا في تموز من العام الماضي. وتسبق مؤتمر القمة إجتماعات للمجلس التنفيذي وزراء الخارجية الافريقي التي تنعقد أمس واليوم. واكد الناطق باسم الاتحاد الافريقي ديزموند أوجاكو ل"الحياة" ان "هذه القمة الاستثنائية الاولى للاتحاد التي تعقد في مقره الدائم في اديس ابابا، مخصصة لتثبيت الهياكل الجديدة للاتحاد ولاقرار التعديلات التي اقترحتها بعض دوله على ميثاقه الجديد. وسيبحث المجلس التنفيذي في هذه التعديلات قبل رفعها الى القمة الاثنين المقبل. لكن قضايا أخرى يمكن ان يناقشها القادة الافارقة في اجتماعاتهم في حال عرضها اي منهم. وعلمت "الحياة" ان مفوض الاتحاد الافريقي عمارة عيسى سيطلب من المجلس التنفيذي إقفال ملف "الميثاق الافريقي لحقوق الطفل ورفاهيته" عبر استكمال المصادقة عليه من قبل الدول التي لم تفعل ذلك حتى الآن. وكان عيسى عبر عن اسفه لاقتصار التصديق على "الميثاق الافريقي لحقوق الطفل" على 26 دولة افريقية فقط من بين الدول ال53 الاعضاء في الاتحاد، في حين وقعت 34 دولة على هذا الميثاق. وقال: "استخلصنا بعد 10 سنوات من تبني "الميثاق الافريقي للطفل"، ان كل الجهود التي بذلناها بهدف الوفاء بتعهداتنا حيال الطفل لم تكن مرضية ... فأوضاع غالبية الاطفال ما زالت مهددة ويتواصل انتهاك حقوقهم". وحض الدول الاعضاء التي لم توقع او لم تصادق على الميثاق على "الوفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في هذا الشأن". وشهدت اديس ابابا خلال اليومين الماضيين وصول وفود من منظمات وهيئات دولية تُعنى بحقوق الطفل، وبدأت اتصالاتها بهدف الضغط على اعضاء وفود دول مشاركة لحملها على تحسين اوضاع الاطفال في بلدانها وضمان حمايتهم. وتحمل هذه المنظمات والهيئات تقارير عدة في هذا الشأن تشير في إحصاءات الى اعمال العنف التي يتعرض لها الاطفال الافارقة او يشاهدونها، كما ذكرت مشكلات عدة من بينها "الاطفال العمال" و"تجارة الاطفال" واستغلال الفتيات منهم في ممارسة الجنس، وكذلك "الاطفال الجنود" الذين يحاربون في جيوش نظامية او يتم تجنيدهم بالقوة في صفوف حركات تمرد مسلحة. هنا تقرير من اديس ابابا عن حال اطفال افريقيا: ربما كان الاطفال اكبر ضحايا العنف الجسدي والنفسي في الحروب الحديثة في العالم، خصوصاً في القارة الافريقية حيث آلاف من الاطفال يُستخدمون جنوداً في النزاعات الكثيرة المندلعة في هذه القارة. ويقول المبعوث الخاص للامم المتحدة المكلف ملف "الاطفال في النزاعات المسلحة" اولارا أوتونو "ان مشكلة معالجة هؤلاء الاطفال باتت مستعصية ومخيفة في آن، فعملية تغيير مفاهيم العنف والقتل المنطبعة في عقولهم باتت اصعب مهمة في العالم، لأن اعينهم رأت مشاهد عنف اكبر بكثير مما يمكن لعقل طفل استيعابه، فتلتصق بذاكرتهم... بل تصير اهم ما تختزنه ذاكرتهم التي تعيق اندماجهم في المجتمع المدني وتؤثر في مستقبل حياتهم". ويشير أوتونو في تقرير له عن الاطفال في افريقيا عرضه أمام القمة الافريقية، الى ان حروباً عدة اندلعت في القارة خلال السنوات العشر الماضية "سجلت بعضاً من اسوأ اعمال العنف والمجازر المرعبة التي ارتكبها او شارك فيها اطفال تراوح اعمارهم بين 9 و15 سنة. إذ يستغل زعماء الميليشيات براءة الاطفال وبساطتهم فيوجهونهم ليصبحوا اكثر البشر قساوة فيفقد كثير منهم براءة طفولتهم وطبيعتهم الانسانية الفطرية ليرتكبوا افظع الجرائم والمجازر". "الاطفال الجنود" ويتفق عدد من العاملين في منظمات دولية تُعنى بحماية الطفل، على ان بعضاً من هؤلاء الاطفال الافارقة يُجندون بالقوة في صفوف حركات تمرد او عصابات مسلحة وهم تحت سن العاشرة، فيخدرونهم او يخطفونهم كي يشاركوا في الحروب. وآخرون ينضمون الى هذه الحركات والعصابات من طريق إغرائهم او خداعهم وتضليلهم. وفي حالات كثيرة يبدأ بعض من هؤلاء الاطفال باستيعاب ما حصل لهم وما يدور حولهم عندما يصبحون في سن 16 و17 و18 وينجح عدد قليل منهم في التخلص من ماضيه الدموي ويبدأ حياة شبه طبيعية. لكن الغالبية تعتاد على ثقافة العنف، فلا تستطيع الاستمرار في حياتها من دون مشاهدة دماء والاستماع الى أصوات طلقات الرصاص والانفجارات، فترتكب جرائم قتل لمجرد القتل. وهؤلاء الاطفال اعتادوا العيش ضمن دائرة يسودها العنف والاغتصاب والاعتداءات المسلحة التي تصبح أعمالاً طبيعية وعادية بالنسبة إليهم ... تلك اصبحت طريقتهم في العيش، فلا يطيقون حال الامن والاستقرار التي يعتبرونها تهديداً لحياتهم. ويرون في الخطر وعدم الاستقرار والعنف إشباعاً لما اعتادوا عليه، فيسعون الى تحويل كل دائرة استقرار وأمن الى دائرة قتل وفوضى ونهب واغتصاب. اوغندا ويروي احد اعضاء الوفد الاوغندي الى القمة الافريقية أمانا كانابي قصة اطفال شمال أوغندا و"جيش الرب للمقاومة" ويصف اعمال العنف التي ينفذها افراد هذا "الجيش" بأنها "حملات متواصلة من الرعب والمجازر". ويتابع كانابي عن اهداف "جيش الرب للمقاومة" ولماذا يشن "حملات الرعب" هذه، ويقول: "انه حركة اصولية مسيحية، ويبلغ عدد افراده نحو اربعة آلاف شخص يشكل الاطفال 80 في المئة منهم. ويتزعم هذا الجيش جوزف اوكوني الذي يقاتل الحكومة الاوغندية منذ عام 1987. واستناداً الى شهادات فارين من معسكراته، فهو يؤمن بالوصايا العشر ويريد إعتمادها لحكم اوغندا، لكنه مزج هذه الوصايا المسيحية مع معتقدات افريقية تقليدية". وتتخذ قوات اوكوني من مناطق في جنوب السودان متاخمة للحدود مع شمال اوغندا قواعد لها. وتعبر هذه القوات الحدود الى القرى الاوغندية الحدودية في مقاطعة غولو حيث تُفاجئ السكان الآمنين بهجمات سريعة وتنهب منازلهم قبل حرقها، وتشيع الرعب بينهم وتخطف أطفالاً تعود بهم الى قواعدها وتضعهم في معسكرات يتلقون فيها تدريبات على استخدام السلاح الى جانب تعبئة نفسية وعسكرية ضد التجمعات المدنية التي نشأوا فيها. وتستمر عملية تدريب الاطفال الذين تراوح اعمارهم بين 7 و12 سنة، فترة ستة شهور يرسلون بعدها في مهمات قتل ونهب مسلح داخل القرى الاوغندية. ويقول كانابي: "ربما كان ابشع ما تمارسه قوات اوكوني ضد المدنيين هو عمليات اغتصاب النساء وبتر اعضاء في اجساد السكان، خصوصاً انوفهم وشفاههم وألسنتهم". ويقدر "صندوق الاممالمتحدة لرعاية الاطفال" يونيسيف والحكومة الاوغندية عدد المخطوفين لدى "جيش الرب للمقاومة" ب26 ألف شخص بينهم تسعة آلاف طفل. ويعتقد بأن خمسة آلاف فقط فروا او عادوا الى مواطنهم، في حين سجل نحو ستة آلاف طفل في عداد المفقودين. الكونغو وأوغندا ليست البلد الافريقي الوحيد الذي يعاني من استخدام الاطفال في النزاعات المسلحة، بل تشهد دول عدة في القارة حالات مشابهة. ولم تستطع المنظمة القارية لافريقيا "منظمة الوحدة الافريقية" سابقاً والاتحاد الافريقي حالياً، إيجاد صيغة لتحييد الطفل من النزاعات المندلعة في افريقيا. ففي جمهورية الكونغو الديموقراطية حيث يستمر النزاع المسلح منذ عام 1998، اعلن صندوق الاممالمتحدة لرعاية الطفولة "يونيسيف" العام الماضي انه اكتشف 163 طفلاً كونغولياً في معسكر تدريب داخل اوغندا المجاورة. واكد ان كل الاطفال الذين تراوح اعمارهم بين 9 و17 سنة يريدون العودة الى عائلاتهم في بلدة بونيا على حدود الكونغو وحولها. وكان هؤلاء الاطفال بين مجموعة من حوالى 700 شخص نقلوا جواً من القرية لتلقي "تثقيف سياسي" وتدريبات عسكرية في معسكر كيانكوانزي الاوغندي. سييراليون وفي سييراليون، على رغم نجاح الحكومة في التوصل الى اتفاق سلام مع المتمردين منتصف العام الماضي، لكن آثار عقد من الحروب الاهلية تؤرق المنظمات الاهلية التي تحاول إعادة تأهيل الاطفال في المجتمع المدني بعدما كانوا يقاتلون الى جانب المتمردين. إذ كان زعماء المتمردين مثل جوني بول كوروما وادريسا كامارا يخطفون الصبيان ويحولونهم الى مجرمين وقتلة، في حين يتخذون الفتيات المخطوفات خليلات لعناصر قواتهم. وكان الاطفال الصبيان الجنود يتلذذون بممارسة اعمال العنف، خصوصاً بتر أيدي وأرجل ضحاياهم. تجارة الأطفال ويبدو ان الضغوط الاقتصادية والفقر المزمن والحروب في افريقيا زادت من حركة الاتجار بالاطفال وعرضهم للبيع، خصوصاً في دول غرب القارة حيث يعمل الاطفال خدماً في المنازل وفي المزارع والمصانع، وفي تجارة الجنس. وحتى فترة قريبة، كانت تجارة الاطفال ظاهرة معروفة في الدول التي تشهد حروباً مثل انغولا والسودان والكونغو الديموقراطية حيث الفتيات اللواتي لا تتجاوز اعمارهن سن العاشرة تعملن خادمات وخليلات في قواعد عسكرية للمتمردين. لكن هذه الظاهرة صارت منتشرة حتى داخل دول مستقرة نسبياً، مثل بنين وبوركينا فاسو والكاميرون وساحل العاجوالغابونونيجيريا وتوغو. وفي التقاليد الافريقية لدى بعض المجموعات العرقية، يوجد نظام للتكافل الاجتماعي داخل كل مجموعة اتنية، إذ يدفع الاثرياء نفقات التعليم والملابس للاطفال الذين يخدمون في منازل اولئك الاثرياء او في مزارعهم في اطار عرف عام داخل المجموعة الاتنية ولا يخرج عن إطارها. لكن تطور المجتمع في المدن الافريقية الكبيرة فتت التقاليد في المجتمعات الاتنية، فجذبت حاجة المدن الى العمل الرخيص، اطفال الارياف والقرى عنوة او بالاتفاق مع اهلهم. وظهرت مجموعات من التجار تعبر الحدود ناقلة مئات من الاطفال للبيع. ويتعامل بعض من هؤلاء التجار مع وسطاء محليين يخطفون اطفال وهم يلعبون خارج منازلهم او يجولون في نواحي قراهم. ويتفق تجار آخرون مع اهالي الاطفال ويقنعونهم بأنهم سيدربون اطفالهم على مهن حديثة او تعليم جيد قبل تشغيلهم لدى اسر ثرية. وتحت ضغط الفقر والحاجة توافق بعض العائلات على الحصول على مبلغ من المال عادة يعادل 30 دولاراً في مقابل تخليهم عن كل طفل لديهم. رحلة العذاب ورحلة نقل الاطفال عبر الحدود والغابات حافلة بالمخاطر يموت خلالها عدد من الاطفال الذين لا يتحملون مشاق الانتقال الذي يستمر اياماً يقضون بعضها سيراً على الاقدام وبعضها في حافلات. ويدفع التجار نفقات الانتقال والرشوة لعناصر من شرطة الحدود التي تتعاون معهم، ويستعيدون ما انفقوه خلال الرحلة من تجار آخرين او من الشخص الذي يشتريهم في البلد الذي ينتقلون اليه. ولا يحصل الاطفال على اموال من الجهة التي تشتريهم، بل يعملون في ظروف قاسية ولفترات طويلة كي يستعيد الشخص الذي اشتراهم امواله اولاً ويستثمر عملهم ثانية لجلب مزيد من المال. وينجح عدد كبير من الاطفال في الفرار من اصحاب العمل، لكنهم لا يستطيعون العودة الى بلدهم، كما لا يستطيعون ايجاد عمل بديل لائق، فتعمل الفتيات في البغاء والدعارة والصبيان في غسل السيارات وفي الباصات كمساعدين للسائقين يجمعون من الركاب ثمن تذاكر الرحلة. وذكرت تقارير منظمات انسانية تُعنى بالطفل، ان ثمة طلباً كبيراً على الفتيات من بنين وتوغو، خصوصاً من التجار في لاغوس نيجيريا ولبرفيل غابون. وكانت السلطات في بنين اكتشفت قبل عامين اكثر من 400 طفل على متن مركب راس في ميناء كوتونو. وقالت الشرطة ان المسؤولين عن هذه العملية خمسة تجار من غرب افريقيا كانوا يحاولون الابحار بالاطفال الذين تراوح اعمارهم بين 8 و11 سنة الى الغابون. وفي لاغوس نيجيريا دهمت الشرطة اخيراً سوقاً لتجارة الاطفال في مبنى مؤلف من خمسة طوابق حيث يأتي سكان المدينة ويختارون الاطفال ويشترونهم لاستخدامهم في منازلهم او اعمالهم الخاصة. وفي ابيدجان ساحل العاج كانت توجد سوق معروفة باسم "مارشيه دو بلاتو" حيث تأتي النساء الثريات نسبياً في العاصمة لشراء اطفال لمساعدتهم في الاعمال المنزلية. ومشكلة الاطفال الافارقة الذين يُستغلون في النزعات المسلحة او في الاعمال القاسية والاتجار بهم لممارسة الجنس، واحدة من مشاكل عدة تواجه الاتحاد الافريقي في قمته الاستثنائية الاولى المنعقدة في اديس ابابا. والسؤال الذي كان يتكرر مع كل قمة افريقية في منظمتها السابقة، يُطرح اليوم مجدداً أمام قمة المنظمة الجديدة: ماذا ستفعل لانقاذ أطفال القارة؟ اسوأ 20 مكاناً يتمنى الاطفال لو لم يولدوا فيها ذكر صندوق الاممالمتحدة لرعاية الطفولة "يونيسيف" في تقرير عن اسوأ الاماكن في العالم التي يمكن للاطفال ان ينموا فيها، ان انغولا هي الأسوأ. إذ شهدت حرباً اهلية استمرت 30 عاماً، ووقّعت في نيسان ابريل الماضي اتفاق سلام مع ثوار حركة "يونيتا" بعد شهرين من مقتل زعيمها جوناس سافيمبي. وخلال الأعوام ال30 الماضية انهار النظام التعليمي والصحي في البلد الذي كان يعاني طوال كل تلك الفترة من نقص حاد في الغذاء. واضطر عدد كبير من السكان الى هجرة منازلهم بسبب الحرب ليعيشوا في مخيمات غالباً ما كانت تنتشر فيها الامراض. الدول ال19 الاخرى التي وصفها تقرير "يونيسيف" بأنها سيئة للاطفال اضافة الى انغولا، هي على التوالي : سييراليون وافغانستان والصومال واثيوبيا وغينيا بيساو والنيجر والكونغو الديموقراطية وبوروندي واريتريا وليبيريا ورواندا وغينيا وتشاد ومالي وموزامبيق وجمهورية افريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وكمبوديا والسودان. فتيات جنوب افريقيا ذكر تقرير نشرته منظمة "هاوس غروب" المستقلة الناشطة في اوساط المومسات في جنوب افريقيا، ان نحو نصف المومسات العاملات في جوهانسبورغ، كبرى المدن الجنوب افريقية وعددهن حوالى عشرة آلاف، هن من الاطفال. وان ربع المومسات في الكاب، ثاني اكبر المدن والعاصمة التشريعية، اطفال كذلك. واشار التقرير الى وجود 28 ألف طفلة تمارس البغاء في جنوب افريقيا، وتجري عمليات تهريب فتيات في سن الرابعة من هذا البلد لبيعهن الى دول في اميركا الجنوبية والى اجانب في اطار تجارة الدعارة. واضاف التقرير ان تفشي الفقر وزيادة عدد العاطلين من العمل في جنوب افريقيا يدفع عدداً كبيراً من العائلات الفقيرة الى اقناع بناتها للعمل في الدعارة كمصدر سريع للدخل. الاطفال العمال تشير إحصاءات منظمة العمل الدولية الى وجود 250 مليون طفل في العالم بين سن 5 و14 اي بمعدل طفل واحد من كل اربعة، معظمهم في الدول النامية يضطرون للعمل قسراً وفي ظروف صعبة للبقاء احياء، والى ان 23 في المئة منهم في افريقيا 80 مليون طفل غالبيتهم تعمل بالاكراه. وذكر ان افريقيا تسجل اعلى معدل للنشاط الاقتصادي للاطفال في مجتمعاتها حيث يعمل طفلان من بين كل خمسة اطفال.