حاول وحيد عبد المجيد أن يطبق فكرة "القطيعة المعرفية" على ما بين الجماعات الإسلامية المعتدلة وتنظيم "القاعدة" من تماثل في بعض التصورات الفكرية والأنماط السلوكية حيال الذات والعالم، في مقاله الذي نشرته "الحياة" في 8 شباط فبراير الجاري، هذه الفكرة، التي استعارتها الإنسانيات على استحياء من الطبيعيات، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تنطبق على تلك الحال، التي كرس عبد المجيد جهده في سبيل معالجتها، ساعياً إلى أن ينأى بالنشاطات ذات الطابع الإسلامي، سواء كانت سياسية أم دعوية، من الوقوع التام في فخ إنتاج العداء المستمر للمحيطين المحلي والدولي، والاستسلام لمنطق مغلوط يقدم الإسلام، في حركته الجهادية والمعرفية والروحية، وكأنه لا يفرز سوى عمليات قتل منظم ومستمر، وهذا من دون شك يضير كل مسلم حتى لو لم يكن منخرطاً في أي من الجماعات التي ترفع الإسلام شعاراً سياسياً لها. والقطيعة المعرفية تعني إنتاج أفكار أو منظومات وأشياء غير مسبوقة ولا مطروقة، تختلف بالكلية عما هو سائد، فتقاطعه وتدشن لاتجاه مغاير، وليس فقط متمايز، ومثالها الأنصع هو اختراع المصباح الكهربائي، الذي لم يكن خطوة ذات طابع تراكمي، أي مجرد تطوير لمصابيح الزيت التي كان العالم لا يعرف غيرها آنذاك، بل كانت قطيعة مع هذا النوع من المصابيح. وإذا طبقنا مثل هذا التصور على الحركة الإسلامية، نجد أنه من المستحيل أن تحدث قطيعة معرفية بين فصيل وآخر، أو بين جماعة وأخرى، مهما كان التباين بين المتطرفة منها والمعتدلة، أو المنكفئة منها والمنخرطة. فالكل ينهل من نص واحد، يغالب الزمان والمكان باقتناع الجميع، بمن فيهم المسلمون غير المسيسين. وهذا النص المؤسس، وأقصد به القرآن الكريم، تراكمت بعده عشرات النصوص من الفقه والتأويل، حتى باتت قراءة النص الأول الإلهي، تتم عبر المرور بطيات متلاحقة من نصوص بشرية أنتجها الفقهاء على مر التاريخ الإسلامي، وتمثل معيناً لأسامة بن لادن ومن يحذو حذوه. وهي مسألة يبرهن عليها تحليل مفردات خطاب بن لادن وتأويلاته للنص المؤسس، بطريقة خاصة تخدم أهدافه، وتحاول أن تضفي على هذا صبغة عامة، فيبدو ما يقوله بن لادن يعادل ما يفرضه الإسلام، ومواجهة هذه الحال لا تكون بقطيعة، إذ إنها تعني إزاحة هذه النصوص جميعاً، وهذا مستحيل أن يحدث لأسباب عقدية وإيمانية راسخة، ولا يبدو التفكير فيه أمراً مقبولاً بالنسبة الى النص الأول، ولا أمراً واقعياً بالنسبة الى النصوص الشارحة والمفسرة، خصوصاً في ظل النزعة الأصولية، التي تجتاح العالم. لكن المواجهة الأكثر ملاءمة تكون بإعادة قراءة النص المؤسس في شكل يواكب زماننا وظروفنا، فيصبح لدينا فقه جديد للواقع، وعلم كلام جديد، وتصورات جديدة في السياسة تناسب أمة مستضعفة ذات حضارة ذاوية، ولا تنفع التصورات التي كانت سائدة أيام عزتها وتحضرها في أن تدير علاقاتها الدولية مع القوى الكبرى في الوقت الراهن. ونحتاج كذلك إلى تفكيك ما خلفه الأسلاف من تراث، لبناء رؤية عصرية، يتم تجذيرها عبر المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية، بما يجفف المنابع التي ينهل منها بن لادن ومجايلوه، شيئاً فشيئاً، وبذلك يختفي الخطاب، الذي لا ينتمي إلى هذا الزمن، سواء من حيث البنية أم الأسلوب، وتعالج مع الأيام الورطة، التي كانت ردة على مشروع تنويري عرفه العالم العربي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتتغير لهجة أجيال جديدة قد تنضوي تحت لواء جماعات إسلامية تختلف كثيراً عن تلك التي تتزاحم على الساحة حالياً. من دون هذا فإن دعوة عبد المجيد ستنتهي إلى الحال التي حذر منها، وهي إعلان بعض الإسلاميين اختلافاً تكتيكياً مع بن لادن، واتباع نهجه حين تحين الفرصة، وبذلك تدور هذه الجماعات في حلقة مفرغة، لا تتيج لها إنتاج فعل أو قول يمكنها من أن تشكل رقماً في معادلة القوة بآلياتها وركائزها المعاصرة. * كاتب مصري