على رغم الخضّة التي انتابت علاقة المطرب فضل شاكر بشركة الانتاج الوحيدة التي تعامل معها منذ بداية شهرته الجدية قبل سنوات قليلة وهي "الخيول"، فإن فضل استطاع بأغنية واحدة، جديدة، هي "يا غايب"، ومن انتاجه الخاص، ان ينسج حول نفسه جمهرة إعلامية وشعبية زادت من عمق تواصله مع محبي صوته وأغنياته، الى درجة ان ثمة محللين فنيين واستفتاءات رأي عدة ومحطات تلفزيونية واذاعية تقول بوضوح ان "يا غايب" هي الأغنية الأكثر انتشاراً اليوم ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربي أيضاً. وفي حين يرى بعض المراقبين أن "يا غايب" هي في حلبة سباق مع "طب ليه كده" للمغني راغب علامة، فإن آخرين يميّزون الأغنية الأولى عن الثانية بمجموعة من المميزات الأدائية والنوعية، ويستندون الى دليل قاطع في التمييز هو ان "يا غايب" بلغت شهرة نادرة من دون "فيديو كليب"، و"الفيديو كليب" معروفة تأثيراته الاعلامية، بينما أغنية "طب ليه" حفلت بفيديو كليب جمع "الجمال" الغربي كتجديد في الشكل النسائي المرافق للرقص الشرقي ومع ذلك لم تحقق الانتشار الذي تحقق ل"يا غايب"، ليس بضربة حظ كما يقال في حالات النجاح بل بضربة معلّم. فالمطرب فضل شاكر الذي يلوّن في ادائه الغنائي بين أغنية وأخرى، بل ويلوّن ادائياً حتى في الأغنية الواحدة، أراد كسر الحلقة المفرغة التي يدخل فيها كل مطرب بعدما يثبت وجوده ويطمئن الى نجوميته، فاختار لحناً يونانياً جاهداً هادئاً وجميلاً وبثّ فيه من شجن الصوت وبهاء الإحساس فكانت أغنية "يا غايب" التي وان نقلت دفئاً في الموسيقى والصوت، فإنها لم تنقل في النص الغنائي الا كلمات مكرورة وروتينية على رغم ان امتدادات اللحن وثناياه وتركيبته كانت قادرة على حمل معانٍ شعرية - غنائية أكثر انتماءً للجمال، وأكثر تناسقاً مع مضمون ذلك اللّحن. وفي اختيار "يا غايب" ضربة معلّم هو فضل شاكر الذي بنى علاقته بالجمهور على قاعدة التعبير العاطفي الجوّاني بالصوت، لا على قواعد التعبير الراقص الخارجي الشائع هذه الأيام... أما المطرب راغب علامة فقد ارتأى ان يواظب على السكّة التقليدية التي عرف بها، فكانت "طب ليه كده" الإيقاعية التي تسابق الريح في اهتزازاتها الحركية كما يبدو مع رقص الاجنبيات الغربي الذي يحاول تقليد الشرقي، وكما يُظهر عمل الكهرباء تقنياً وعمل الكومبيوتر على أجساد الراقصات المتمايلات بسرعة قياسية حيناً وببطء "مدروس" تقنياً حيناً آخر، فوصلت الأغنية الى الناس، ولكن ليس كأغنية تأتي بتجديد للنمط السائد في تجربة راغب علامة، وإنما كأغنية من النمط نفسه مع اضافات... كومبيوترية. وحتى الآن لم يجد المطرب فضل شاكر منتجاً يصور له اغنية "يا غايب"، وهناك من يقول انه سيصوّر لها "فيديو كليب" من جيبه الخاص، على رغم ان تكاليف "الفيديو كليب" لا يستطيع تحمّلها مطربو المال والأعمال فكيف بمطرب كفضل وصل الى طرب الصوت والحب مع الجمهور بقوّة، ولم يصل الى خانة مطربي المال والأعمال بعد؟ ومع ان ثمة من يأخذ على فضل شاكر القادر على أداء المقامات الشرقية بتميّز واتقان ودراية، توجّهَهُ الى "اليونان" فنياً، الاّ ان هؤلاء انفسهم يدركون ان الصوت الجميل انما يحرّك نفسه ويبث فيها روحاً وحيوية عندما يغيّر الاشكال والمضامين الغنائية التي اعتادها جمهوره، لا سيما عندما يخفق في اقناع شركات الانتاج بأن خططها ينبغي ان تلحظ مستوى راقياً في ما تقدم لا ان تركض خلف سراب نجوم يتناسلون بعضهم من بعض من دون أي لمسة اختلاف وفرادة. وفضل شاكر، كما يعترف هو، "فاشل" في العلاقات العامة التي تحاول ان تفرض عليه سلوكاً انحنائياً يرفضه ولو قبل به الآخرون وتلذذوا بالانتاج المسرف، ولا يشغل باله ذلك. السباق بين "يا غايب" و"طب ليه كده" ليس سباقاً بين فضل شاكر وراغب علامة، بل بين نوعين من الغناء، الأوّل يمارس مساحة من التغيير، والثاني يرى التغيير مشكلة تنتظره على المفترق!