هل يُعتبر تهريب الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأموال العراق طوال سنوات حكمه، وإيداعه الأموال في مصارف أجنبية، وقيامه هو وبعض من مسؤولي نظامه بإخفاء مئات الملايين من الدولارات وربما البلايين في مواقع سرية، في "أوسع عملية دفن لأموال شعب حي"، هل يُعتبر ذلك كله من قبيل عمليات غسل العملة، وما يتصل بها، لتحقيق مصالح خاصة على حساب اقتصاد شعب تعداده 25 مليون نسمة؟ هذا سؤال أجاب عنه قاضٍ، وخبير مالي، وآخر اقتصادي، اتفقوا جميعهم على أهمية وصف غسل العملة، وتحديد مفهومها في العراق. ويعرّف خبير مالd أكاديمي، غسل العملة بأنها عملية ناجمة عن تحصيل مال بطرق غير مشروعة. ويصف الدكتور غازي العبادي، وهو خبير مالي، غسل العملة من منظور أوسع، حيث قال ل"الحياة" إنها "عملية تبييض أموال قذرة بهدف إظهارها في صورة أموال محصّلة من مصادرها المشروعة. والأغرب في هذه اللعبة، hن من يمارسها رؤساء دول ومسؤولون، ولا ينافسهم في ذلك إلا مافيا المال". وأضاف: "نادراً ما يمارسها الفقراء. hنها جريمة اقتصادية ترقى إلى جرائم التخريب الاقتصادي التي تستهدف الأمن الوطني للبلاد". من جهته، قال قاضٍ، فضل عدم كشف هويته: "لم يشهد تاريخ البشرية جريمة تهريب للعملة بشكل منظم كتلك التي جرى تهريبها من العراق في فترة حكم النظام السابق"، لافتاً الى "أن قراءة سريعة لأوراق القوانين العراقية قديمها وجديدها، لا تشير بين سطورها، الى مصطلح اسمه غسل العملة". وأضاف: "غير أن مواد tي هذه القوانين jqlkj ما يقابل هذا الاصطلاح إخفاء أشياء محصّلة من جريمة كما أوردها قانون العقوبات النافذ. وهي بذلك تُعتبر الأصل لما يُعرف حديثاً بغسل العملة، التي شاع استخدامها للمرة الاولى في الولاياتالمتحدة في الأربعينات، عندما نشطت عصابات معروفة بتهريب المال، وتوسعت نشاطاتها في ما بعد لتتخطى حدود تلك الدولة الى عالمنا الفسيح لنشر جرائم أخرى غير جرائم المال، ومن قبيلها جرائم الاحتيال المالي بمختلف أنواعه، وجرائم الاتجار بالمخدرات والأسلحة والتحف الآثرية". وأكد ان تحصيل عملة أو تهريبها يُعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون العراقي. وذكر ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين ظل طوال سنوات طويلة "يحترف في خطوة غير مسبوقة نهب أموال العراق، وظل دائماً ينظر إليها وكأنها جريمة بلا ضحايا. ولعل ذلك ما يفسر تصديه بحزم لمحاولات تشريعية كانت تستهدف إثارة موضوع غسل العملة، فقرر مجلس قيادة الثورة، وهو أعلى سلطة كانت تتولى التشريع في العراق سابقاً، الاستعاضة عن هذا الموضوع بالنص الآتي: تُصادر الأموال المنقولة بما فيها النقود والذهب، والأموال غير المنقولة التي آلت ملكيتها إلى شخص بصورة غير مشروعة، وقام بنقل ملكيتها إلى الغير بقصد التهرّب من القانون". ويتساءل خبير مالي آخر في القطاع المصرفي العراقي: "لماذا لم يشجع النظام السابق المؤسسات المصرفية على اتخاذ إجراءات تضمن مساهمة المصارف العراقية المعروفة محلياً وعربياً ودولياً بنزاهتها على صعيد تعاملاتها، في التصدي لجرائم العملة؟". ويقول: "لم يكن رئيس النظام وحده الذي يمارس جريمة النهب لأموال العراق. فقد كان لنجليه، عدي وقصي، قبل أن يُقتلا في حزيران يونيو الماضي في مواجهة مع القوات الأميركية في مدينة الموصل 400 كلم إلى الشمال من العاصمة بغداد، دور في هذا المجال. وتاجر مسؤولون آخرون في السلطة بممنوعات لا تتسع حتى رقعة العراق الجغرافية لتدوينها، منها تهريب الأموال وإيداعها في مصارف أجنبية، وتهريب الآثار ونوادر التحف، وتوظيف الأموال في غير استخداماتها الاقتصادية". وأضاف: "إذا كانت هذه الجرائم جرائم غسل، لم يكن ولن يكون بمقدور أحد تحديد مقاديرها واتجاهات تهريبها على وجه الدقة. وقد يكون من المناسب التذكير هنا بضرورة سعي كل القوى السياسية في العراق وعقوله الاقتصادية الى دعم شريان الحياة الجديد في رحلة لا يبدو فيها هذا السباق صعباً لكنه ليس سهلاً على الإطلاق، ويقف في مقدم ذلك، كما يرى المراقبون، تجنيد كل الطاقات لمكافحة آفة الإرهاب والاتجار بالمخدرات وتفعيل الجهود لتحقيق الأمن وسيادة سلطة القانون".