بمساندة الرئيس جورج بوش لتأسيس دولة فلسطينية، يبقى هناك أمل بأن تُستأنف عملية السلام على رغم الجمود في تنفيذ خريطة الطريق إلى السلام. لذا، قد يكون من الضروري أن تسخر اللجنة الرباعية جهداً جديداً لكسر حلقة العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلى رغم أن الخبرة السابقة لا تدعو إلى التفاؤل، ظهرت مؤخراً دلائل مشجعه تشير إلى حدوث تغيير في إسرائيل، بدأت بمهرجان السلام الحاشد الذي دعا إليه معسكر السلام الإسرائيلي في 22 أيلول سبتمبر الماضي. أما على الجانب الفلسطيني، فاستقالة حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس فتحت الطريق أمام حكومة جديدة برئاسة أحمد قريع، قد تكون قادرة على التعامل مع مسألة الأمن بطريقة أكثر كفاءة، تحشر حماس والجهاد الإسلامي في الزاوية، على رغم أن ذلك غير مرجح. في ظل هذه الظروف، هل يمكن لمبادرة السلام العربية أن توفر من جديد مشروعاً لتحقيق السلام؟ لقد ارتكزت مبادرة السلام العربية التي تبناها مؤتمر القمة الذي عقدته جامعة الدول العربية في بيروت في 22 آذار مارس 2002، على اقتراح لولي العهد السعودي الأمير عبدالله. وينص الاقتراح على أن مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية المحتلة، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ستعتبر الدول العربية الصراع العربي الإسرائيلي منتهياً وستوقع على اتفاقية تنشئ بموجبها علاقات طبيعية مع إسرائيل. ويشكل نص المبادرة، التي تعرف بإعلان بيروت، منعطفاً تاريخياً في الاستراتيجية العربية نحو إسرائيل، ومن الضروري إبقاؤها حية باعتبارها دعوة صادقة للسلام. وقد أبرز الأمير فيصل، وزير الخارجية السعودي، أهمية هذا الإعلان في اختتام قمة بيروت حين صرح ب"أن المبادرة تشكل إعلاناً عن الرغبة العربية في السلام يتطلب من إسرائيل أن تتقدم بخطوة مماثلة تعرب فيها عن رغبتها في السلام". إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت العرض ولم تحقق آمال سعود الفيصل في أن تعلن إسرائيل عن رد إيجابي واضح العبارات كتلك التي وردت في المبادرة العربية. ويوفر تحليل المبادرة، والتفسير الذي تم تقديمه في ختام أعمال قمة بيروت دعوةً واضحةً للقيادة الإسرائيلية للقاء القادة العرب في منتصف الطريق لتحقيق سلام شامل ودائم. إلا أن هذا النداء، بكل أسف، وقع على آذان صماء لحكومة شارون اليمينية. وقد توقع القادة العرب، في سياق هذا العرض، خلق أجواء جديدة وتحويل الانشغال بالمواجهات الدموية إلى انشغال بالعملية السياسية. وأظهرت المبادرة، للمرة الأولى، رغبة وإجماعاً عربيين لتحقيق السلام وتوفير الأمن لكافة الأطراف المعنية في المنطقة. إلا أن الترحيب بالمبادرة العربية الذي أعرب عنه في البداية المجتمع الدولي، بما فيه الولاياتالمتحدة، تراجع خلف دخان دائرة العنف المحتدم. ويبقى الأمل في أن تقود اللجنة الرباعية جهداً لتضمين المبادرة العربية ضمن جهودها الرامية لإحياء عملية السلام. ويبدو أن لجنة المتابعة العربية للمبادرة قد انصرفت عن مهمتها، نتيجة لضغوط ناتجة عن غزو العراق وعملية البحث عن قيادة فلسطينية جديدة قادرة على التعامل مع القضايا الأمنية التي تمليها خريطة الطريق. لذا لم يتم ذكر هذه اللجنة إلا نادراً في أي من التحركات الديبلوماسية خلال الشهور القليلة الماضية. إلا أن من الملح أن تتبنى القيادة العربية موقفاً عقلانياً جديداً يتسم بمنطق الاعتدال، حتى تتمكن من احتواء تداعيات ما آل إليه الوضع في العراق، ولاحتواء سياسة تصعيد الهجمات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. عند نشر إعلان بيروت، كان العنف على أشده، ولم يكن الرئيس بوش قد أتمّ صياغة رؤيته حول كيفية تجديد عملية السلام. لكن الوضع الحالي مختلف: فقد باشرت الأطراف بتطبيق خريطة الطريق في لقاء قمة العقبة. ويجب ألا يوقف اندلاع موجة جديدة من العنف العملية التي باشرها الرئيس بوش واللجنة الرباعية، بل يجب اتخاذ خطوات ديبلوماسية جديدة من قبل كافة الأطراف. وعلى الديبلوماسية العربية، وخاصة لجنة المتابعة العربية أن تركّز عملها في اتجاهين: أولاً، اتجاه الولاياتالمتحدة لإعادة التأكيد على الالتزام العربي بالسلام ولإظهار أن سياساتها تدعم قرار الولاياتالمتحدة. وثانياً، اتجاه الفلسطينيين لضمان اعتدالهم ووحدتهم خلف أهداف السلام. كما يجب العمل على أن يدرك الجمهور الإسرائيلي أن المبادرة العربية تمثل عرضاً جدياً للتأثير على إحداث تغيير في اتجاه النزاع الحالي - من نزاع مفتوح إلى عملية سياسية يتم فيها دفع المتشددين على طرفي النزاع جانباً. ويجب أن يدرك الإسرائيليون أن الإطار الجديد لا يهدف إلى تحقيق هدنة مؤقتة، بل فرصة لا يمكن العودة عنها نحو سلام مشرف مع كافة الدول العربية. ويجب أن يكون هدف الديبلوماسية العربية جهداً متواصلاً مركّزاً لشرح هذه المبادرة للجمهور الإسرائيلي، وكذلك للجاليات اليهودية حول العالم، وخاصة في الولاياتالمتحدة، وألا يقتصر الجهد على الديبلوماسيين العرب، بل يتضمن خلق حركة سلام عربية موازية لمعسكر السلام الإسرائيلي، من أجل توفير إجماع شعبي يدعم عملية السلام على طرفي النزاع. فالاعتدال والجهود المشتركة في دحر الإرهاب هما العنصران الرئيسان في تعزيز التصالح والسلام. كذلك يجب تشجيع وسائل الإعلام المختلفة، بما فيها محطات التلفزة الفضائية، على الابتعاد عن كل أشكال التحريض وبدء حملة لتعزيز السلام، لا تستهدف الحكومة الإسرائيلية فقط، بل الجماهير في إسرائيل والعالم العربي والولاياتالمتحدة الأميركية. ويجب بذل الجهد لإقناع الفلسطينيين بالتخلي عن العمليات الانتحارية والتوقف عن تغذية التطرف في الشارع الفلسطيني. ومن المهم التأكيد، في هذه الحملة الموجهة إلى الشعبين، على أن النزاع لا يمكن حله داخل حدود الضفة الغربيةوغزة وحدها، وأن هناك دوراً مهماً تلعبه الدول العربية ضمن إطار المبادرة العربية. وضمن هذا التوجه الجديد نحو السلام، على المجتمع الدولي أن يتقدم الصفوف ليلعب دوراً مسؤولاً وشجاعاً. - محلل سياسي واستراتيجي لبناني في صحيفة "الديار" اللبنانية. المقال جزء من سلسلة مقالات عن "مبادرة السلام العربية" تنشر بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.