"من المضحك الحديث هذه الأيام عن المطالعة والكتب والمقالات، خصوصا أننا نعيش في زمن المعلومات الحرة والفضائيات، وفي عالم تلعب التكنولوجيا الدور الأساس في نقل المعلومات وتقديم الثقافة المطلوبة للجيل الجديد"... هكذا تعبّر ندى عن أولوياتها في عمل يتعلّق بتمضية أوقات الفراغ. وتمضي صديقتها فاتن في الاتجاه نفسه: "لا أجد مبرراً للاطلاع على الكتب. يكفي ما درسناه في المدرسة من القراءات الأدبية وأدب بودلير الذي لم يعد يهتم به أحد حتى في فرنسا". ومن جهته، يؤكد زميلهما عمر: "أشعر بالرغبة في الدراسة والبحث عن الاختصاص الجامعي الذي يؤمن ربحاً في المستقبل، خصوصاً في هذه الأيام التي يسأل فيها الشاب عن ماهيته وما يجنيه في الشهر، في الوقت الذي تبدو القراءة والمطالعة ترفاً لا مكان له، ولا ضرورة". إجابات هؤلاء المراهقين تؤكد ان المطالعة، وبلا مبالغة، دخلت غرفة الإنعاش. وفي الوقت الذي يرفض بعضهم القراءة، يلتقي البعض الآخر على قراءة المجلات الخفيفة وكتب الأبراج وتفسير الأحلام. هروب من الواقع إن مرحلة "العواصف والتوتر والتمرد على القيم والمعايير"، لم تعد اليوم تشبه مراهقة العقود الماضية. في الوقت الذي احتل الكتاب موقع الصدارة في اهتمامات مراهق الستينات والسبعينات، جاء التلفزيون والإنترنت ليقلبا المعادلة، فيقدمان مصادر هائلة للمعلومات بغض النظر عن ماهية هذه المعلومات، ومراكز التثقيف والترفيه الأولى والأساسية. الدراسة قديماً كانت تعتمد على كثافة المادة، ما يدفع الطالب إلى الاعتماد على نفسه، والمساهمة في تكوين شخصيته من خلال كثرة المطالعة. مراهق السبعينات والثمانينات كان على ارتباط نسبي بمجريات الأمور السياسية التي تحدث على الساحة المحلية أو الإقليمية. أما مراهق اليوم، فاهتمامه بالأمور السياسية والاجتماعية أقل، والمشاركة بالنسبة إليه لن تجدي نفعاً. يطلع قليلاً عبر وسائل الاتصال الحديثة على مجريات الأمور، غير انه لا يرغب بالتفاعل ويفضل هواياته على "الغوص في أمور لا تهم إلا الكبار، ومشاركته فيها لن تقدم أو تؤخر". تعتبر مشاهدة الفيديو وال"دي في دي" والتلفزيون من ابرز النشاطات التي "يدمنها" المراهقون. وطبعاً يحتلّ الفيديو كليب مكان الصدارة، اذ يفتح آفاق الرقص واللهو والتواصل مع النجوم. وتتصدر المسلسلات والأفلام لائحة البرامج التي يقبلون عليها. وعلى رغم غياب إحصائيات رسمية، إلا ان المسوح الميدانية تشير إلى احتلال التلفزيون موقعاً مهماً وأداة مفضلة لتمضية الوقت. ويتابع عدد قليل من المراهقين الأخبار. ويرتفع معدل متابعة الأخبار المتعلقة بأحداث معينة كالانتفاضة الفلسطينية، أو حرب العراق، أو أحداث 11 أيلول سبتمبر... يرون ان الأخبار مملة، ويفضلون عليها مواد مسلية وجذابة، وغير مراقبة إذا أمكن، مبتعدين في شكل عام من البرامج التربوية، التثقيفية والعلمية. ويختار المراهقون متابعة المسلسلات والأفلام الأجنبية لأنها تشكل هروباً من الواقع، كما تشكل البرامج الرياضية، وبرامج الألعاب والمسابقات والموسيقى والمقابلات والمناقشات التي تحتوي على الإثارة، حيزاً من اهتمامهم. يشكو بعضهم من غياب إعلام مخصص للشباب. ويجدون ثغرة في البرامج التي تقدم لهم فرص إبداء الآراء والمحاورة في مواضيع مهمة تمس حياتهم اليومية، والبرامج التي تتناسب مع أذواقهم وميولهم. ويعزو بعض النقاد سبب فشل بعض القنوات التلفزيونية المتخصصة بالشباب في استقطاب جمهور المراهقين، إلى وضع برامج تعتمد على فرضيّة مسبقة تركز على انحسار ميولهم في الأمور البسيطة والترفيهية التي تبتعد كل البعد من اهتماماتهم الجادة وقضاياهم ومشكلاتهم التي يعانونها، مكتفين بالفيديو كليب والموسيقى وأخبار الإنترنت والتعارف... ويطالب النقاد بمعرفة اهتمامات المراهقين، والمواد الإعلامية التي يفضلونها، وأوقات متابعة التلفزيون، ويقدمون على أساسها برامج تعكس ميولهم وقضاياهم. المستمع البديل أفادت دراسة أجريت في منتصف حزيران يونيو المنصرم، لحساب شركة ياهوو لخدمات الإنترنت، أن المراهقين وصغار البالغين يقضون وقتاً أطول في تصفح شبكة الإنترنت مما يقضون في مشاهدة التلفزيون. وذكرت الدراسة ان الشباب والمراهقين يقضون نحو 17ساعة في تصفح شبكة الإنترنت كل أسبوع، لا تتضمن الوقت الذي يقضونه في قراءة البريد الإلكتروني وإرساله مقارنة بنحو 14ساعة يقضونها في مشاهدة التلفزيون. والمراهقون يقضون وقتاً طويلاً على الإنترنت، ويصل بعضهم إلى الإدمان ويعيش في حال اندماج تام لا حدود له. ويدخل المراهقون "ماسنجر هوتميل" ويقضون ساعات طويلة في التسلية والتعارف والاكتشاف. ويتجه المراهقون كثيراً إلى مقاهي الإنترنت: الشباب يدخلون بألقاب جميلة وخواطر وأشعار، وتفعل الفتيات الأمر عينه لجذب الأنظار. والدردشة ليست سلواهم الوحيدة، فألعاب الكومبيوتر تأخذ حيزاً مهماً من اهتماماتهم. كما يعترف بعض المراهقين بزيارة المواقع الإباحية بحثاً عن المعرفة الجنسية وإرضاء لفضولهم الجنسي. الإنترنت تشكل لهم وسيلة لمعرفة الأخبار في شكل افضل، كما يعتمدون عليها في تحصيلهم العلمي ويجدون فيها وسيلة مهمة للتعلم والتواصل وتوظيفها لأغراض الدراسة والتفاعل. جولة على بعض المواقع الإلكترونية التي تعنى بالمراهقين والشباب تظهر انهم يولون اهتماماً بالصحة والأدب، والظواهر الاجتماعية، والمواضيع السياسية والفنية والرياضية، فضلاً عن أبواب التسلية والترفيه والتسوق والابتكارات التكنولوجية. ومن خلال غرف الدردشة، يجد بعض هؤلاء المراهقين متنفساً ومنبراً يعكسون من خلاله آراءهم حول المواضيع الاجتماعية العامة، ويطرحون قضايا خاصة تتعلق بمشكلاتهم مع المجتمع والعزلة التي يعيشونها، وموقفهم من بعض الآراء السياسية. يتشاركون في طرح مواضيع الساعة، ويخلقون مستمعاً بديلاً وشريكاً يصغي بإمعان إلى مشكلاتهم ويقدّر تطلعاتهم ويتفهم حاجاتهم. تعتبر المعدَّة التلفزيونية منى سعيدون أن المراهق اليوم هو اكثر الأجيال وعياً ومعرفة بما يريده. وتؤكد سعيدون ان الفرصة سانحة لتوجيه المراهق الذي يلهث وراء المظاهر الغريبة والسيجارة والشعر الطويل، بعد غياب المراجع الحزبية والقضايا الوطنية التي كانت تسد الفراغ عند المراهق في السابق. مراهق اليوم يتمتع بفردية القرار والاختيار، فهل نلقي اللوم عليه وعلى ثقافته الجديدة أم نؤمن له الوسائل الإعلامية التي يعيد من خلالها اكتشاف نفسه وتوجيه ميوله وفق ما يتناسب مع تطلعاته ويحسّنها؟