انشغلت الأوساط الاقتصادية الاسبوع الماضي في الحديث عن مرونة الرئيس حسني مبارك في مناقشة القضايا الحيوية، خصوصاً بعد تأجيل بت انشاء الشبكة الثالثة للنقال في البلاد حتى سنة 2007. ويرى معنيون انه على رغم حسم الرئيس مبارك في ايار مايو الماضي الجدل في شأن الشبكة الثالثة واصداره اوامر واضحة ومنتهية بان يتم تأسيس الشركة مساهمة مصرية والبدء مباشرة في خطوات التنفيذ، الا ان مبارك استمع جيداً الى الآراء المؤيدة والمعارضة في آن ليطلب بعدها درس الامور حسب السوق. ويرى العديد أنه على نواب البرلمان البحث عن قضية أخرى مثيرة للجدل بعد حسم مصير شركة النقال الثالثة في البلاد، وعلى النواب التركيز على القضايا البعيدة عن الأضواء مثل الغذاء والدواء والسكن والملبس وهي قضايا تثار في البرلمان منذ خمسين عاماً ولم تجد لها حلولاً، فيما قضية الشبكة الثالثة التي كانت محل استجوابات وطلبات احاطة لوزير الاتصالات ورئيسي الشركتين العاملتين في المجال تم حلها في تسعة أشهر فقط منذ إثارتها في نيسان ابريل الماضي، ما جعل الشارع الاقتصادي يشعر بالرضا لحل هذه القضية متمنياً أن يكون اسلوب الحل مُعمَّماً على القطاعات الاخرى التي يجب ان تسعى لحل مشاكلها بالتفاوض لا بالتناحر لتحقيق المصلحة المشتركة. ويبدو أن الحكمة في حل مشكلة النقال ستكون محل مطالبات من منظمات الأعمال بأن يحسم الرئيس مبارك بنفسه القضايا الخلافية الحساسة حتى لا تكون هناك شبهة مجاملة، وعلى القطاعات الاخرى العمل بجدية ومكاشفة وتحقيق انجازات كما الحال في قطاع الاتصالات الذي يرجع النجاح فيه الى أمرين، الاول الشفافية المطلقة للقائمين على برامج الاتصالات في البلاد والعلاقة المحترمة بين الوزير احمد نظيف، وهو متخصص في القطاع، والعاملين سواء في الحكومة او القطاع الاستثماري، ما يعني أن مرونة الرئيس لن تكون إلا في قطاع يحظى بالنجاح والتميز. اعطى الرئيس مبارك توجيهاته بأن يكون تأجيل انشاء الشبكة الثالثة هو لمصلحة المواطن والبلاد عموماً، وان تعمل الشركتان القائمتان وتحت اشراف وزارة الاتصالات على عدم زيادة الاعباء على الافراد خصوصاً محدودي الدخل حرصاً على تحقيق التكافؤ اللازم لتقديم الخدمة الجيدة. واعتبر مراقبون في القطاع ان تلك التوجيهات بمثابة اعتراف بأن القطاع يسير بجدية وان الاتفاق الاخير حظي برضى القيادة السياسية عموماً بعد جدل حاد استمر تسعة شهور. وأعلنت "الشركة المصرية للاتصالات" و"فودافون مصر" و"موبينيل" رضاهم التام عن الاتفاق الذي يؤكد تأسيس شركة قابضة جديدة ذات ملكية مشتركة مناصفة وتمتلك الشركة 51 في المئة من أسهم "فودافون مصر" وذلك كجزء من عملية أشمل لتنمية صناعة الاتصالات في البلاد. واستطلعت "الحياة" آراء الشركاتا الثلاث في الاتفاق، إذ قال رئيس "المصرية للاتصالات" عقيل بشير إنه طبقاً للاتفاق تمتلك "المصرية للاتصالات" 5،25 في المئة من أسهم "فودافون مصر" وذلك بعد شرائها أسهم الشركة بسعر متوسط بقيمة 3،23 جنيه للسهم. كما يقضي الاتفاق بأن تعيد "المصرية للاتصالات" الرخصة الثالثة للنقال الى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بما فيها الترددات المخصصة لذلك في مجال 1800 ميغاهيرتز، بينما تقوم كل من شركتي "فودافون" و"موبينيل" بسداد مبلغ بليون جنيه للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات نظير استخدام الترددات، إذ يقوم الجهاز بدوره بإعادة مبلغ الترخيص ل"المصرية للاتصالات" وتستطيع الشركة بما يتوافر لها من سيولة شراء الحصة المذكورة في "فودافون". وأكد بشير أن اعادة "المصرية للاتصالات" للرخصة الثالثة للنقال ودخولها في شراكة مع "فودافون" لا يخلان بحق الجهاز في إصدار رخصة ثالثة للنقال لأي طرف آخر في أي وقت تتحسن فيه دراسات الجدوى. وقال بشير ان دراسات الجدوى التي اجرتها "المصرية للاتصالات" أكدت أن انشاء الشبكة الثالثة للنقال في ظروف السوق المصرية من حيث عدد المشتركين الحالي ونسبة النمو والعائد لكل مشترك غير اقتصادية خصوصاً في ظل القيمة الحالية للجنيه المصري بالنسبة للقطع الاجنبية. وأوضح أن كلفة انشاء الشبكة وتشغيلها تبلغ نحو 250 مليون دولار، إضافة الى نحو 5،2 بليون جنيه مصري على مدى السنوات الخمس المقبلة بينما يكون العائد بالجنيه المصري. وأشار إلى جهود بيت الخبرة العالمي المكلف البحث عن شريك استراتيجي في اقناع أي من الشركات العالمية ذات السمعة والخبرة الكبيرة للدخول في شراكة استراتيجية مع الشركة المصرية للاتصالات لانشاء وتشغيل الشبكة الثالثة. ولفت إلى أن هذه الشركات احجمت نتيجة لظروف السوق العالمية للاتصالات، التي تعاني من نقص السيولة، وكذلك الخسائر الكبيرة التي تكبدتها هذه الشركات في الأعوام الأخيرة، إضافة الى الظروف الاقتصادية والسياسية في منطقة الشرق الاوسط وبذلك أصبح البديل الوحيد هو شراء هذه الخبرة عن طريق عقود الإدارة ما يزيد من المخاطر على الشركة كما يزيد من صعوبة الجدوى الاقتصادية للمشروع. وقال إن "المصرية للاتصالات" كانت تلقت عرضين من شركتين صغيرتين في فرنسا وجنوب افريقيا للدخول في الشراكة المطلوبة وتمت دراسة البديلين واستبعادهما لصغر حجم هاتين الشركتين وعدم ملاءمة الشروط ودراسات الجدوى. وأضاف ان الاتفاق يحقق عدداً من المميزات، من بينها توفير الاستثمار في مشروع اظهر عدم جدواه الاقتصادية، ما يحمّل "المصرية للاتصالات" مخاطر مالية كبيرة تؤثر في الاداء المالي الناجح للشركة وقيمتها السوقية وعلى خطط التوسع في تقديم خدمات الهاتف الثابت لجموع المواطنين. وزاد ان الاتفاق يوفر السيولة ل"المصرية للاتصالات" باعادة ما تم سداده في الرخصة الثالثة للنقال، بما يسمح لها بالدخول في خدمات النقال عن طريق شراء حصة من احدى الشركتين وهو ما يحقق الهدف المطلوب لرفع القيمة السوقية للشركة وتقليل الضغط على مصادر القطع الاجنبية بتجنب الكلفة في شراء معدات جديدة للشبكة بقيمة 250 مليون دولار. ولفت الى ان الاتفاق يساعد في الابقاء على حصيلة تشغيل الشركتين الحاليتين في مصر بدلاً من تحويلها للخارج وذلك لسداد المقابل لاستخدام الترددات، ما يؤثر ايجاباً في ميزان المدفوعات المصرية الى جانب تحقيق اكبر استفادة من الاستثمارات التي تمت في الشبكتين الحاليتين نحو ثمانية بلايين جنيه مصري واللتين يمكنهما استيعاب النمو الحالي لعدد المستخدمين ولديهما التغطية الكاملة لكل انحاء الجمهورية بنظام "جي اس أم". وقال بشير إن الاتفاق يساهم في دخول "المصرية للاتصالات" في سوق النقال من خلال شراكة مع "فودافون" البريطانية والتي تعتبر اكبر شركة اتصالات في العالم ويمثل ذلك استثمارات ناجحة ل"المصرية للاتصالات" برفع قيمتها السوقية. وذكر بشير ان قيمة الاسهم المُشتراة من "فودافون مصر" وهي 5.25 في المئة تبلغ 4،1 بليون جنيه وان الشركة حققت بعد بدء طرح اسهم "فودافون مصر" في بورصتي القاهرة والاسكندرية ارباحاً تقدر بنحو بليون جنيه بعد أن قفز سعر السهم الى نحو 40 جنيهاً. طرح اسهم "المصرية للاتصالات" وحول إمكان ان يشجع الاتفاق الجديد "المصرية للاتصالات" على طرح اسهمها في البورصة، قال بشير ان الشركة تدرس امكان طرح اسهمها بعد ان بدأت ظروف السوق تتحسن وتشجع على ذلك. وأضاف ان قرار طرح الاسهم في البورصة كان اتخذ في عام 1999 وتحدد له موعد في 29 تشرين الاول اكتوبر سنة 2000 لطرح الاسهم، وقبلها بأيام وبسبب ظروف السوق العالمية نصحت جهات استشارية الحكومة بتأجيل طرح اسهم الشركة وكان قراراً سليماً واكد ذلك أن معظم الشركات التي كانت ترغب في الطرح وقتها تراجعت، إلا أنه منذ شهور بدأت تظهر بوادر تحسن عالمي في الاسواق تشجع على اعادة النظر في مسألة طرح الاسهم في البورصة. وزاد انه بموجب الاتفاق الجديد تتعهد "المصرية للاتصالات" بالامتناع عن انشاء شبكة "جي اس ام" حتى سنة 2007، الا انه من الممكن انشاء شبكة بتقنيات حديثة اخرى، كما انه لا خطر على اصدار ترخيص بانشاء شبكة لاي جهة اخرى إذا رأى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات امكان ذلك، لافتاً الى أن الاتفاق يعد بديلاً لانشاء شبكة ثالثة للنقال مع جهاز مرفق الاتصالات. من جهته، علّق العضو المنتدب للمصرية لخدمات النقال "موبينيل" عثمان سلطان على الاتفاق قائلاً أن شركته وقعت على اتفاق مع "فودافون مصر" و"المصرية للاتصالات" بأن تسدد مبلغاً قيمته 1240 مليون جنيه على أربع سنوات للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وسيتاح لكل من "موبينيل" و"فودافون مصر" إمكان استخدام 5،7 ميغاهيرتز من حيز الطيف الترددي 1800 ميغاهيرتز الذي ستحصل عليه الشركتان من "المصرية للاتصالات" التي ستتنازل عن الترخيص الممنوح لها باستخدام هذا الحيز، وأضاف ان الاتفاق يرسم إطاراً جديداً لقطاع الاتصالات النقالة في مصر وأن الحيز الترددي الجديد سيمكن شركته من متابعة تحسين أدائها وتقديم خدمة ذات جودة أعلى لمشتركيها في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. وأكد رئيس "فودافون مصر" محمد نصير أن مجلس الإدارة سيتكون بعد الاتفاق الجديد من 13 عضواً بينهم سبعة أعضاء من شركة "الوطنية" وثلاثة أعضاء من "فودافون" وثلاثة أعضاء يمثلون ممثلي الأقلية حملة الاسهم وستحتفظ "فودافون" بحق الادارة في "فودافون مصر". وتطلّع نصير الى العمل المشترك مع "المصرية للاتصالات" كمساهم جديد ورئيسي في الشركة، مؤكداً أن الاتفاق الجديد سيكون له تأثيره الايجابي في صناعة الاتصالات ككل.